إذا هَطلت الأمطار على مروج واسعة ترويها وتحيّيها؛ يتدفّق الماء المنهمر على الأرض فترتوي به، وتزدهر النباتات والأزهار على سطحها. لكن إذا كان تدفّق الماء بقدر يفوق حاجتها، تحوّلت إلى مكان فيه برك ومستنقعات، ماؤها راكد. الترجمة كالماء الذى ترتوي به عقولنا كلّما تعطّشنا إلى معارف جديدة. ولكنها قد تشبه، أيضاً، تلك البرك والمستنقعات الراكدة، حينما تتوقف عن إضافة شيء جديد لنا.
نترجم لكى نتعرّف على أنفسنا، ولنفهم المزيد عن طبيعتنا البشرية؛ من خلال بَشر ينتمون إلى ثقافات وحضارات مختلفة، يرشدنا اختلافهم عنّا وينبهنا إلى أشياء لم نلتفت إليها من قبل في ذواتنا. وكأن بعدما كنّا نقف وحدنا أمام نبعٍ صافٍ من الماء يعكس وجوهنا، أصبح يشاركنا الوقوف أناس آخرون، فتنبهنا إلى وجود ملامح وطبائع وأفكار وثقافات، وعادات مختلفة كل الاختلاف عمّا نعرفه. فتفتحت أمامنا دورب جديدة من المعارف، والتقى فكرنا مع فكرهم، فتجدد وتولد منه فكر جديد.
لا نترجم لتمتلئ رفوف مكتباتنا بأعمال أشهر الكتّاب الحائزين على الجوائز العالمية، إذ بذاك نكون قد غضينا الطرف عن فكرة الترجمة الرئيسية؛ الكشف والبحث عن كل ما هو جديد، والبحث عن المضمون الثمين الذي يستحق أن يُنقل إلى القارئ، لا ذاك الذي يقتصر على مؤلّفات لبضعة كتاب حصلوا على جوائز، أو تلك الأعمال التى صُنفت في قوائم الكتب الأكثر مبيعًا في العالم.
مضون العمل هو الذى يحكم على جودته لا شهرة الكاتب، ولا عدد الطبعات أو كم المبيعات. ينبغي على المترجم إدراك ذلك، واختيار العمل وفقًا للمحتوى، يغوص في أعماقه، ليكتشفه ويقيمه.
نترجم لنرتقي بعقولنا وننقل العلوم التي سبقنا فيها الآخرون، نحاول فهمها واستيعابها وإضافة الجديد إليها. إذ دائمًا ما أرى الترجمة أعمق بكثير من أن تُختزل في ترجمة القصص والروايات الخفيفة، بل أعدّها السفينة التي نعبرها إلى عوالم من العلوم والمعرفة.
اقرأ أيضاً: القراءة شريان الترجمة
نترجم لنعيد الثقة إلى لغتنا وإلى أنفسنا، فكفانا نقل العلوم حسب المتاح أمامنا منها باللغات الوسيطة. يخيل إلينا أن هذه هي حدودنا ونكتفي بها، من دون أن نعي أن بإمكاننا التحليق عالياً في الأفق بحرية، وتحديد احتياجاتنا وأولوياتنا في المعرفة بأنفسنا. من حقنا امتلاك مصادر عربية، فلماذا نحن، دائمًا، مجبرون على الاستناد إلى مواد ومعلومات ونصوص كُتبت بلغة غير لغتنا، ما دمنا قادرين على نقلها إلى لغتنا الأم؟
كل يوم يتصفح ملايين القراء العرب صفحات الإنترنت باحثين عن مواد مختلفة مكتوبة باللغة العربية. لكنهم سرعان ما يصابون بالإحباط الشديد؛ بسبب عدم توفر محتوى غني يتيح لهم الاطلاع والقراءة وإيجاد كل ما يحتاجون إليه بلغتهم. جرّب أن تبحث عن الشيء نفسه مرتين؛ مرة باللغة الإنجليزية وأخرى بالعربية، وستفهم تمامًا ما أقصد. لا ينحصر دور المترجم فقط في نقل الكتب والروايات الضخمة التى تباع في مكتبات بعينها. بل جزء من دوره، إدراك العصر الذي نعيش فيه ومواكبته. على المترجم الانتباه إلى أننا أصبحنا نعيش في عصر الإنترنت والتكنولوجيا، ومعظم المعلومات باتت متاحة للجميع إلكترونيًا. لم يعد الأمر مقترنًا بطرق البحث التقليدية. لذا من الضروري أن يكون للمترجم دور في إثراء المحتوى العربي على صفحات الإنترنت في مختلف المجالات.
لا نترجم من أجل الانبهار بالآخر انبهاراً مطلقاً، باعتبار أن "الآخر" هو الأفضل والأكثر صوابًاً. لا نترجم لنتحوّل إلى أتباع لغيرنا ونتقيد بأفكارهم. بل نترجم لنتعلم ولتتفتح عقولنا، ونفهم مجريات الأمور من حولنا ونستفيد.
إن أدرك المترجم العربي أنه هو أيضاً يقف على أرض صلبة للغة غنية، وحضارة عريقة، ستكون ترجمته أعمق وأقوى.
إن لم نسأل أنفسنا :"لماذا نترجم؟" قبل ترجمة أي عمل، ولم نجد إجابة وافية، لن يكون لدينا دافع قوي يبقينا مثابرين وقتاً طويلاً أمام عمل شاق. وسنغدو فاقدين الطريق، كأشخاص يسيرون في صحراء لا يحملون بوصلة أو يتبعون النجوم المتناثرة في السماء لتهديهم اتجاههم. إن وجدنا إجابات متعددة، وكان من ضمنها أننا نترجم لخدمة أوطاننا ومجتمعاتنا، سيكون عملنا أكثر قيمة وجدية.
لا أدري متى سنعطي اهتماماً حقيقياً للترجمة، لعلنا بها نجد سبيلاً للنهوض يومًا ما.
نترجم لكى نتعرّف على أنفسنا، ولنفهم المزيد عن طبيعتنا البشرية؛ من خلال بَشر ينتمون إلى ثقافات وحضارات مختلفة، يرشدنا اختلافهم عنّا وينبهنا إلى أشياء لم نلتفت إليها من قبل في ذواتنا. وكأن بعدما كنّا نقف وحدنا أمام نبعٍ صافٍ من الماء يعكس وجوهنا، أصبح يشاركنا الوقوف أناس آخرون، فتنبهنا إلى وجود ملامح وطبائع وأفكار وثقافات، وعادات مختلفة كل الاختلاف عمّا نعرفه. فتفتحت أمامنا دورب جديدة من المعارف، والتقى فكرنا مع فكرهم، فتجدد وتولد منه فكر جديد.
لا نترجم لتمتلئ رفوف مكتباتنا بأعمال أشهر الكتّاب الحائزين على الجوائز العالمية، إذ بذاك نكون قد غضينا الطرف عن فكرة الترجمة الرئيسية؛ الكشف والبحث عن كل ما هو جديد، والبحث عن المضمون الثمين الذي يستحق أن يُنقل إلى القارئ، لا ذاك الذي يقتصر على مؤلّفات لبضعة كتاب حصلوا على جوائز، أو تلك الأعمال التى صُنفت في قوائم الكتب الأكثر مبيعًا في العالم.
مضون العمل هو الذى يحكم على جودته لا شهرة الكاتب، ولا عدد الطبعات أو كم المبيعات. ينبغي على المترجم إدراك ذلك، واختيار العمل وفقًا للمحتوى، يغوص في أعماقه، ليكتشفه ويقيمه.
نترجم لنرتقي بعقولنا وننقل العلوم التي سبقنا فيها الآخرون، نحاول فهمها واستيعابها وإضافة الجديد إليها. إذ دائمًا ما أرى الترجمة أعمق بكثير من أن تُختزل في ترجمة القصص والروايات الخفيفة، بل أعدّها السفينة التي نعبرها إلى عوالم من العلوم والمعرفة.
اقرأ أيضاً: القراءة شريان الترجمة
نترجم لنعيد الثقة إلى لغتنا وإلى أنفسنا، فكفانا نقل العلوم حسب المتاح أمامنا منها باللغات الوسيطة. يخيل إلينا أن هذه هي حدودنا ونكتفي بها، من دون أن نعي أن بإمكاننا التحليق عالياً في الأفق بحرية، وتحديد احتياجاتنا وأولوياتنا في المعرفة بأنفسنا. من حقنا امتلاك مصادر عربية، فلماذا نحن، دائمًا، مجبرون على الاستناد إلى مواد ومعلومات ونصوص كُتبت بلغة غير لغتنا، ما دمنا قادرين على نقلها إلى لغتنا الأم؟
كل يوم يتصفح ملايين القراء العرب صفحات الإنترنت باحثين عن مواد مختلفة مكتوبة باللغة العربية. لكنهم سرعان ما يصابون بالإحباط الشديد؛ بسبب عدم توفر محتوى غني يتيح لهم الاطلاع والقراءة وإيجاد كل ما يحتاجون إليه بلغتهم. جرّب أن تبحث عن الشيء نفسه مرتين؛ مرة باللغة الإنجليزية وأخرى بالعربية، وستفهم تمامًا ما أقصد. لا ينحصر دور المترجم فقط في نقل الكتب والروايات الضخمة التى تباع في مكتبات بعينها. بل جزء من دوره، إدراك العصر الذي نعيش فيه ومواكبته. على المترجم الانتباه إلى أننا أصبحنا نعيش في عصر الإنترنت والتكنولوجيا، ومعظم المعلومات باتت متاحة للجميع إلكترونيًا. لم يعد الأمر مقترنًا بطرق البحث التقليدية. لذا من الضروري أن يكون للمترجم دور في إثراء المحتوى العربي على صفحات الإنترنت في مختلف المجالات.
لا نترجم من أجل الانبهار بالآخر انبهاراً مطلقاً، باعتبار أن "الآخر" هو الأفضل والأكثر صوابًاً. لا نترجم لنتحوّل إلى أتباع لغيرنا ونتقيد بأفكارهم. بل نترجم لنتعلم ولتتفتح عقولنا، ونفهم مجريات الأمور من حولنا ونستفيد.
إن أدرك المترجم العربي أنه هو أيضاً يقف على أرض صلبة للغة غنية، وحضارة عريقة، ستكون ترجمته أعمق وأقوى.
إن لم نسأل أنفسنا :"لماذا نترجم؟" قبل ترجمة أي عمل، ولم نجد إجابة وافية، لن يكون لدينا دافع قوي يبقينا مثابرين وقتاً طويلاً أمام عمل شاق. وسنغدو فاقدين الطريق، كأشخاص يسيرون في صحراء لا يحملون بوصلة أو يتبعون النجوم المتناثرة في السماء لتهديهم اتجاههم. إن وجدنا إجابات متعددة، وكان من ضمنها أننا نترجم لخدمة أوطاننا ومجتمعاتنا، سيكون عملنا أكثر قيمة وجدية.
لا أدري متى سنعطي اهتماماً حقيقياً للترجمة، لعلنا بها نجد سبيلاً للنهوض يومًا ما.