13 فبراير 2022
لماذا يفشل التحول الديمقراطي؟
ليس بالضرورة أن تؤدي الثورات إلى تحول ديمقراطي ناجع. هذا ليس تحليلاً، وإنما حقيقة شهدتها مناطق كثيرة من العالم، ونعيشه الآن في مصر أمراً واقعاً. لم يبخل علينا علماء السياسة في وضع تفسيرات وتأويلات لمسألة فشل التحول الديمقراطي في العالم، والتي أصبحت أمراً مكرراً ومعتاداً في العقود الثلاثة الماضية، بعد نكوص وارتداد بلدان كثيرة عن المسار الديمقراطي، ووقوعها، بشكل أو بآخر، في براثن الحكم السلطوي.
يتحدث علماء السياسة عن خمسة عوامل أساسية في فشل التحول الديمقراطي أو إفشاله، أولها عدم وجود أجندة وأهداف واضحة للتحول لدى من يقومون بالانتفاضات الشعبية، خصوصاً في مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة السلطوية. ذلك أن ثمة فرقاً كبيراً بين إسقاط النظام القديم وبناء نظام بديل، وهو أمر بدا واضحاً في حالات كثيرة، بعد موجة "الربيع العربي" التي لم تسفر، باستثناء تونس، عن بناء نظام ديمقراطي حقيقي.
العامل الثاني، وجود حركات تمرد تقوم بتدمير عملية التحول، بعدم التزامها بالمسار السلمي واستخدام العنف أداة أساسية في الصراع، ما يدفع ناساً كثيرين إلى الانصراف عنها، وتفضل العودة إلى الأوضاع القديمة، كما هي الحال الآن في ليبيا وسورية واليمن، وهو ما حدث، أيضاً، في بلدان أفريقية كثيرة في الثمانينيات والتسعينيات.
العامل الثالث، التدخل الخارجي الذي يؤدي إلى إجهاض عملية التحول الديمقراطي، وإسقاط الحكومات المنتخبة شعبياً، بسبب عدم تبنيها سياسات تدعم الأطراف الخارجية. والتدخل هنا ليس بالضرورة أن يكون مباشراً أو عسكرياً، وإنما قد يكون بالسيطرة على النخب المدنية والعسكرية، وتحويلها إلى عملاء محليين للأنظمة الأجنبية. مثلما حدث في دول كثيرة في أميركا اللاتنيية، كالسلفادور وتشيلي ونيكاراغوا، أو ما حدث في الحالة الإيرانية في الخمسينيات، حين تمت إطاحة حكومة مصدق، وإعادة نظام الشاه إلى السلطة، في خطة وضعتها وكالة الاستخبارات الأميركية CIA كما هو معروف.
العامل الرابع، تدخل العسكر في العملية السياسية، وإجهاضها من أجل التحكم والسيطرة في المجتمع والاقتصاد. وهنا، تتحول المؤسسة العسكرية إلى قوة سياسية واقتصادية منافسة، تسعى إلى حماية مصالحها ومصالح أعضائها، تحت شعارات الوطنية وحماية البلاد من التقسيم والانهيار، مثلما حدث في حالات كثيرة في أميركا اللاتينية وتركيا وتايلاند ومصر.
العامل الخامس، فشل الأنظمة الجديدة التي وصلت إلى السلطة في إدارة عملية التحول الديمقراطي، سواء من خلال عدم قيامها بإصلاحات جذرية في مؤسسات النظام القديم، أو باتباع سياسات سلطوية، من أجل الحكم والسيطرة على حساب شركاء الثورة والتغيير، مثلما حدث في كوبا أواخر الخمسينيات، وإيران بعد الثورة.
ومن بين العوامل الخمسة السابقة، يقول علماء السياسة، إن العامل المشترك، في معظم حالات الفشل الديمقراطي، كان تدخل العسكر في السياسة، وسعيهم إلى الاستئثار بالسلطة والبقاء فيها، ولو أدى ذلك إلى حالة فشل سياسي واقتصادي. على غرار ما حدث في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي والسلفادور، وكذلك في أرمينيا وبوركينافاسو وفيجي، أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات.
وفي حالات أخرى، كان الرئيس، أو من بيده السلطة التنفيذية، السبب الرئيسي في فشل التحول الديمقراطي أو إفشاله، على غرار ما حدث في بيلاروسيا تحت قيادة الرئيس الحالي اليكساندرو لوكاشينكو الذي يحكم بلاده منذ عام 1994، وقام بتخريب المؤسسات والسيطرة على الإعلام، ويعتبره الغرب آخر الحكام الديكتاتوريين في أوروبا. أو مثلما هي الحال في زيمبابوي التي ترضخ لحكم الرئيس، روبرت موغابي، الذي يحكم بلاده منذ 1987، وغني عن البيان ماذا فعل بالمؤسسات السياسية في بلاده.
وفي العالم العربي، الأمثلة كثيرة، وتختلط فيها كل العوامل السابقة. فمصر ظلت، ولا تزال، تحت حكم الجنرالات، منذ عام 1952. ومارس رؤساؤها، طوال تلك الفترة، كل أنواع السلطوية والاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان، بدءاً من جمال عبدالناصر وحتى عبد الفتاح السيسي. وهو ما حدث، أيضاً، في ليبيا تحت حكم معمر القذافي، وفي اليمن تحت حكم علي عبدالله صالح، وفي سورية تحت حكم حافظ الأسد ونجله بشار الأسد.
وتظل المنطقة العربية الأكثر بؤساً بين تجارب التحول الديمقراطي الفاشلة. ليس فقط لأنه اجتمعت فيها كل الأسباب والعوامل السابقة، وإنما، أيضاً، لأنها انتقلت من مرحلة الفشل الديمقراطي إلى مرحلة الفوضى والتدمير الذاتي. فالصراع، الآن، ليس بين أنظمة سلطوية ومعارضة سياسية ناضجة، أو بين سلطويين وثوريين، كما كانت الحال في التجارب الأخرى، وإنما نحن، الآن، إزاء صراع دموي بين فاشية عسكرية طاغية وقوى قروسطية عدمية، لا تصارع من أجل الديمقرطية، وإنما من أجل بناء سلطة كهنوتية مستبدة. تدعم ذلك ثروات طبيعية هائلة، يجري استخدامها في تمويل عملية الاحتراب الأهلي في البلدان العربية بين قوى السلطوية وقوى العصبية والطائفية.
بكلمات أخرى، ليس فشلنا الديمقراطي فقط بسبب الصراع السياسي بين الطغمة العسكرية وقوى يُفترض أنها تسعى إلى إقامة دولة العدل والقانون فحسب، وإنما، أيضاً، بسبب الصراع الوجودي بين مؤسسات وهياكل سلطوية قديمة وجماعات وقوى عفا عليها الزمن، وتحاول استنساخ الماضي، بصورة أكثر وحشية وظلامية.
من هنا، أية نضالات، ولو صغيرة وسلمية، من أجل الديمقراطية، سوف يتم سحقها بين هذين الفيلين الكبيرين (العسكر وفيل الرجعية والفوضى)، ما يعني أن المشوار لا يزال طويلاً، ونهاياته غير مضمونة.
العامل الثاني، وجود حركات تمرد تقوم بتدمير عملية التحول، بعدم التزامها بالمسار السلمي واستخدام العنف أداة أساسية في الصراع، ما يدفع ناساً كثيرين إلى الانصراف عنها، وتفضل العودة إلى الأوضاع القديمة، كما هي الحال الآن في ليبيا وسورية واليمن، وهو ما حدث، أيضاً، في بلدان أفريقية كثيرة في الثمانينيات والتسعينيات.
العامل الثالث، التدخل الخارجي الذي يؤدي إلى إجهاض عملية التحول الديمقراطي، وإسقاط الحكومات المنتخبة شعبياً، بسبب عدم تبنيها سياسات تدعم الأطراف الخارجية. والتدخل هنا ليس بالضرورة أن يكون مباشراً أو عسكرياً، وإنما قد يكون بالسيطرة على النخب المدنية والعسكرية، وتحويلها إلى عملاء محليين للأنظمة الأجنبية. مثلما حدث في دول كثيرة في أميركا اللاتنيية، كالسلفادور وتشيلي ونيكاراغوا، أو ما حدث في الحالة الإيرانية في الخمسينيات، حين تمت إطاحة حكومة مصدق، وإعادة نظام الشاه إلى السلطة، في خطة وضعتها وكالة الاستخبارات الأميركية CIA كما هو معروف.
العامل الرابع، تدخل العسكر في العملية السياسية، وإجهاضها من أجل التحكم والسيطرة في المجتمع والاقتصاد. وهنا، تتحول المؤسسة العسكرية إلى قوة سياسية واقتصادية منافسة، تسعى إلى حماية مصالحها ومصالح أعضائها، تحت شعارات الوطنية وحماية البلاد من التقسيم والانهيار، مثلما حدث في حالات كثيرة في أميركا اللاتينية وتركيا وتايلاند ومصر.
العامل الخامس، فشل الأنظمة الجديدة التي وصلت إلى السلطة في إدارة عملية التحول الديمقراطي، سواء من خلال عدم قيامها بإصلاحات جذرية في مؤسسات النظام القديم، أو باتباع سياسات سلطوية، من أجل الحكم والسيطرة على حساب شركاء الثورة والتغيير، مثلما حدث في كوبا أواخر الخمسينيات، وإيران بعد الثورة.
ومن بين العوامل الخمسة السابقة، يقول علماء السياسة، إن العامل المشترك، في معظم حالات الفشل الديمقراطي، كان تدخل العسكر في السياسة، وسعيهم إلى الاستئثار بالسلطة والبقاء فيها، ولو أدى ذلك إلى حالة فشل سياسي واقتصادي. على غرار ما حدث في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي والسلفادور، وكذلك في أرمينيا وبوركينافاسو وفيجي، أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات.
وفي حالات أخرى، كان الرئيس، أو من بيده السلطة التنفيذية، السبب الرئيسي في فشل التحول الديمقراطي أو إفشاله، على غرار ما حدث في بيلاروسيا تحت قيادة الرئيس الحالي اليكساندرو لوكاشينكو الذي يحكم بلاده منذ عام 1994، وقام بتخريب المؤسسات والسيطرة على الإعلام، ويعتبره الغرب آخر الحكام الديكتاتوريين في أوروبا. أو مثلما هي الحال في زيمبابوي التي ترضخ لحكم الرئيس، روبرت موغابي، الذي يحكم بلاده منذ 1987، وغني عن البيان ماذا فعل بالمؤسسات السياسية في بلاده.
وفي العالم العربي، الأمثلة كثيرة، وتختلط فيها كل العوامل السابقة. فمصر ظلت، ولا تزال، تحت حكم الجنرالات، منذ عام 1952. ومارس رؤساؤها، طوال تلك الفترة، كل أنواع السلطوية والاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان، بدءاً من جمال عبدالناصر وحتى عبد الفتاح السيسي. وهو ما حدث، أيضاً، في ليبيا تحت حكم معمر القذافي، وفي اليمن تحت حكم علي عبدالله صالح، وفي سورية تحت حكم حافظ الأسد ونجله بشار الأسد.
وتظل المنطقة العربية الأكثر بؤساً بين تجارب التحول الديمقراطي الفاشلة. ليس فقط لأنه اجتمعت فيها كل الأسباب والعوامل السابقة، وإنما، أيضاً، لأنها انتقلت من مرحلة الفشل الديمقراطي إلى مرحلة الفوضى والتدمير الذاتي. فالصراع، الآن، ليس بين أنظمة سلطوية ومعارضة سياسية ناضجة، أو بين سلطويين وثوريين، كما كانت الحال في التجارب الأخرى، وإنما نحن، الآن، إزاء صراع دموي بين فاشية عسكرية طاغية وقوى قروسطية عدمية، لا تصارع من أجل الديمقرطية، وإنما من أجل بناء سلطة كهنوتية مستبدة. تدعم ذلك ثروات طبيعية هائلة، يجري استخدامها في تمويل عملية الاحتراب الأهلي في البلدان العربية بين قوى السلطوية وقوى العصبية والطائفية.
بكلمات أخرى، ليس فشلنا الديمقراطي فقط بسبب الصراع السياسي بين الطغمة العسكرية وقوى يُفترض أنها تسعى إلى إقامة دولة العدل والقانون فحسب، وإنما، أيضاً، بسبب الصراع الوجودي بين مؤسسات وهياكل سلطوية قديمة وجماعات وقوى عفا عليها الزمن، وتحاول استنساخ الماضي، بصورة أكثر وحشية وظلامية.
من هنا، أية نضالات، ولو صغيرة وسلمية، من أجل الديمقراطية، سوف يتم سحقها بين هذين الفيلين الكبيرين (العسكر وفيل الرجعية والفوضى)، ما يعني أن المشوار لا يزال طويلاً، ونهاياته غير مضمونة.