31 أكتوبر 2024
لمواجهة إعلام الجماعات الإرهابية
أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية وإعلامية بامتياز، فهو عابر للقارات، ولا وطن له، فكل الدول باتت منشغلة بتهديداته، ومتوجسة من امتداد ضرباته إليها، وحتى المجتمعات التي قد تبدو غير معنية بالأجندة المتشابكة والملتبسة للحركات الإرهابية، عمدت إلى اتخاذ حزمة إجراءات استباقية، تحسباً لأي خطر إرهابي محتمل. أما على المستوى الإعلامي، فقد تحول الإرهاب إلى مادة دسمة، كلية الحضور، وطاغية ومتحكمة في دليل النشرات الإخبارية وخطوط التحرير، في مختلف الفضائيات الإخبارية والعامة والصحف والمواقع الإخبارية. ويمكن لأي متتبع أن يلاحظ بسهولة كيف أن غرف الأخبار والبرامج الإخبارية والحوارية صارت تتغذى، على مدار الساعة، على ما تخلفه العمليات الإرهابية في مناطق عدة من قتلى وجرحى ودمار ورعب وتداعيات نفسية وكوابيس تقض مضاجع دول ومجتمعات، علماً أن التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً الجيل الثاني، امتلك تقنيات ومؤهلات وخبرات، مكّنته من إحداث حالة من الخوف العام، وجعلته يتقن فن التسويق لمنتوج سياسي – ديني، يقدمه على أنه البديل العملي والتاريخي لأمة زاغت عن جادة الشريعة والميراث الفقهي الخالص الذي به تستقيم سياستها وتتقوى شوكتها، وهو المنتوج نفسه الذي يعرض، بطريقة آسرة ومثيرة، لإقناع فئات عريضة من الشباب للانخراط في دينامية الجهاد المفضي إلى الخلاص الكلي، والتحرر من براثن الدنيا ورذائلها، مع كل الضمانات التي تقدم لهؤلاء الشباب، ليظفروا بكل شروط العيش الكريم والمستقر، بما في ذلك تكوين أسرة والحصول على راتب.
كانت الحروب على امتداد التاريخ تنطلق في شكل طبول تقرع، ومقالب تنصب للعدو قصد الخدعة والتضليل، فكان الترهيب النفسي والتأثير على المعنويات سابقاً على احتكاك السيوف وتلاحم الجيوش. اعتمدت هذا التكتيك معظم الجيوش منذ القدم، لتخويف العدو وبث الرعب في صفوفه. من حيث الجوهر، ما زال الجانب النفسي جزءاً مهماً من مساعي كل حرب. وما زاد من أهمية الحرب النفسية اتساع نطاق شبكات التواصل الاجتماعي، في زمن الإنترنت، وسهولة استخدامه، وتطور قدرات الإعلام في إيصال الرسائل والتأثير على اتجاهات الرأي العام. وهذا ما يطرح تحديات جدية وغير مسبوقة أمام المؤسسات الإعلامية والصحافيين للتصدي للظواهر المدمرة والخطيرة، كالإرهاب الذي أصبح فعلاً ظاهرة عالمية وإعلامية، لا يمكن القفز فوقها. فإذا انتشرت هذه الظاهرة، وتغلغلت في مجتمع ما، فإن في وسعها أن تحول استقراره السياسي وتماسكه الاجتماعي ودورته الاقتصادية وانسجام بنياته وتعايش مكوناته جحيماً لا يطاق.
قبل عقود قليلة، كانت التنظيمات الإرهابية تلجأ إلى ما يثير اهتمام وسائل الإعلام، وأحياناً تحاول الاعتداء على بعض مباني المؤسسات الإعلامية، أو احتجاز طواقمها، لترويع خصومها، إلا أن أداء التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً التي تستغل الدين غطاء لأفعالها، اتخذ، في السنين الأخيرة، منحى مغايراً ومتطوراً. وهكذا أصبحت لها قنوات عبر شبكة الإنترنت لاستقطاب المتطوعين وتجنيدهم، عبر خطب مسجلة، وحوارات مباشرة عن طريق غرف الدردشة، أو عبر صور فيديو حماسية. كما تلجأ هذه التنظيمات إلى بث رسائل للرهائن، تبتز بها حكومات بلدانهم، أو لترهيب فئات اجتماعية، لكي تدخل في طاعتهم. وقد شهدنا، في منطقتي المغرب الكبير والساحل الإفريقي، أمثلة من ذلك. فقد لجأ ما يسمى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي إلى بث رسائل عدة، عبر الإنترنت، لرهائن غريبين اختطفتهم عناصر التنظيم، وخصوصاً في شمالي مالي والنيجر، حيث كان يخيّر حكوماتهم بين دفع الفدية أو التضحية بأرواحهم. وأعد التنظيم المذكور وجماعات منشقة عنه، أو تلتقي معه في الهدف والوسائل، تقارير بالصورة والصوت، مرفوقة بأناشيد حماسية، ومعتمدة على تقنيات الإخراج السينمائي المحترف، لاستعراض قدراته، وإيقاظ حماس الشباب للالتحاق بصفوفه.
إلا أن ظهور ما يسمى الدولة الإسلامية، في مناطق شرقي ليبيا، وخصوصاً في درنة والجبل الأخضر والبيضا، واحتجازه عشرات من الأجانب، وخصوصاً من مصر وبلدان القرن الإفريقي، دفعت التنظيم الإرهابي، في هذه الحالة، إلى استنساخ تجربة صنوه في العراق والشام، خصوصاً استخدامه تقنيات سينمائية متطورة ومشبعة بالعناصر الدرامية في تصوير إعدام ضحاياه، بعد أن تسبقها رسائل إلى حكومات المختطفين.
وأمام هذا الواقع الجديد المتطور، يجد الإعلام المضاد نفسه أمام المحك، إلا أن خطواته تظل مرتهنة للإرادات السياسية للحكام، فالإعلام الرسمي لم يتخلص بعد من الروتين القاتل، والاعتماد على التعليمات التي تأتي من فوق. وأحياناً كثيرة، لا تأتي بالمرة. كما أن السلطات، وفي سياق ردها على البروباغندا الإرهابية، تكتفي بدروس هجينة من الوعظ والإرشاد، ومواصلة استخدام لغة الخشب، أو تدعو وسائل الإعلام المختلفة إلى مؤتمرات صحفية، لتحدثها عمّا تعتبرها منجزات ضد أوكار التطرف، مكتفية بعرض نماذج لما تصادره من المشتبه في أنهم إرهابيون، من قبيل أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، أو شرائح تخزين الصور والملفات البصرية.
وفي المقابل، نجد بعض وسائل الإعلام التابعة للخواص، وتحديداً في تونس، تلجأ في تصديها للإرهاب والإرهابيين، إلى لغة التحريض أو الشتائم والتشويه في حق المجاميع الإرهابية، وحتى التي لم يثبت عليها أنها ترتكب الإرهاب، أو تتعاطف معه. وفي أحيان كثيرة، كانت لهذا التكتيك تداعيات عكسية، ساهمت في تنفير بعض ذوي النفسيات الهشة، أو من لهم حظ ضئيل من العلم والوعي، ينساقون باتجاه التطرف.
نحتاج في المنطقة المغاربية، كما هو شأن نظرائنا في المشرق العربي، إلى صياغة استراتيجية إعلامية عقلانية مضادة، تعتمد الإقناع سبيلاً لتغيير الأفكار، والحوار المتحضر البعيد عن التشنج والتحريض وسيلة لتحصين المجتمع من الوقوع في فخ هذه الجماعات التي لم تأل جهداً، ولا تركت منبراً إلا وطرقته، راكبة على موجة الفقر والإقصاء ونقص التوعية والغضب من الواقع. وفي هذا السياق، علينا أن نتبنى، بصفة جماعية، ميثاقاً أخلاقياً أو مدونة سلوك عابرة للحدود العربية، تتلزم به كل القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية المعتمدة، بمنع كل محتوى إعلامي يحرّض على العنف، أو يزكّيه أو يعيد نشر محتويات إعلامية، تنشرها أو تعدها جهات تكفيرية أو طائفية أو عنصرية أو فئوية، أياً كان مسماها، أو مشربها السياسي والفكري والإيديولوجي.
ومن اللازم أن تدمج مدونة السلوك الإعلامي هذه ضمن قوانين البلدان العربية، لكي لا يتحجج أحد بأنه غير ملزم باحترام البلدان الأخرى، كما أنه ينبغي وضع خطة إعلامية، بأهداف محددة وبرؤية واضحة، حتى لا تبقى مواجهة مخاطر الإرهاب والتطرف على المستوى الإعلامي مرحلية ومؤقتة، ومرتبطة بوقوع الفعل الإرهابي وتحققه، وهذا ما ينسحب على الإعلام المغربي الذي لم يتمكن من مجاراة إيقاع المقاربة الأمنية الاستباقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية.
ولعل من أسباب انتشار الفكر المؤدي إلى تبني الفعل الإرهابي، انفلات مؤسسات الفتوى. وانتشار عشرات الفضائيات الدينية /المذهبية التي لا تتردد في تسويق خطاب يغذّي الفتنة والحقد والكراهية، ويشجع على الانتقام. إذ أصبح كثيرون من أشباه العلماء والفقهاء يسمحون لأنفسهم بإصدار الفتاوى، في ظل غياب مؤسسات علمية معترف بها، تتولى الإفتاء في الأمور المتفق عليها، وترك كل بلد يرى ما يليق به في الأمور الخلافية، على ألا يفضي البت في الأمور الخلافية إلى فتاوى، تقوم على الكراهية والتكفير والتحريض، أو محاربة أصحاب الأفكار المخالفة.
أضف إلى ذلك أن الإسلام والمسلمين يتعرضون لحملة عداء ممنهجة في الغرب، في ظل انتعاش خطاب ما يسمى بالإسلاموفوبيا، وهذا ما قد يزيد من تطرف بعض شبابنا الذين ولدوا هناك، أو تربوا في تلك البلدان.
وللوقوف في وجه المقاربات التبسيطية والاختزالية والمتحاملة من عدد لا يستهان به من وسائل الاعلام الغربية، يحسن أن نقدم النماذج المعتدلة للغرب من خلال محتوى إعلامنا بمختلف توجهاته، وأيضاً مخاطبة الشباب العربي والمسلم المقيم في تلك الديار باللغة التي يفهمها، وبالمفاهيم الأقرب إلى إدراكه.
قبل عقود قليلة، كانت التنظيمات الإرهابية تلجأ إلى ما يثير اهتمام وسائل الإعلام، وأحياناً تحاول الاعتداء على بعض مباني المؤسسات الإعلامية، أو احتجاز طواقمها، لترويع خصومها، إلا أن أداء التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً التي تستغل الدين غطاء لأفعالها، اتخذ، في السنين الأخيرة، منحى مغايراً ومتطوراً. وهكذا أصبحت لها قنوات عبر شبكة الإنترنت لاستقطاب المتطوعين وتجنيدهم، عبر خطب مسجلة، وحوارات مباشرة عن طريق غرف الدردشة، أو عبر صور فيديو حماسية. كما تلجأ هذه التنظيمات إلى بث رسائل للرهائن، تبتز بها حكومات بلدانهم، أو لترهيب فئات اجتماعية، لكي تدخل في طاعتهم. وقد شهدنا، في منطقتي المغرب الكبير والساحل الإفريقي، أمثلة من ذلك. فقد لجأ ما يسمى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي إلى بث رسائل عدة، عبر الإنترنت، لرهائن غريبين اختطفتهم عناصر التنظيم، وخصوصاً في شمالي مالي والنيجر، حيث كان يخيّر حكوماتهم بين دفع الفدية أو التضحية بأرواحهم. وأعد التنظيم المذكور وجماعات منشقة عنه، أو تلتقي معه في الهدف والوسائل، تقارير بالصورة والصوت، مرفوقة بأناشيد حماسية، ومعتمدة على تقنيات الإخراج السينمائي المحترف، لاستعراض قدراته، وإيقاظ حماس الشباب للالتحاق بصفوفه.
إلا أن ظهور ما يسمى الدولة الإسلامية، في مناطق شرقي ليبيا، وخصوصاً في درنة والجبل الأخضر والبيضا، واحتجازه عشرات من الأجانب، وخصوصاً من مصر وبلدان القرن الإفريقي، دفعت التنظيم الإرهابي، في هذه الحالة، إلى استنساخ تجربة صنوه في العراق والشام، خصوصاً استخدامه تقنيات سينمائية متطورة ومشبعة بالعناصر الدرامية في تصوير إعدام ضحاياه، بعد أن تسبقها رسائل إلى حكومات المختطفين.
وأمام هذا الواقع الجديد المتطور، يجد الإعلام المضاد نفسه أمام المحك، إلا أن خطواته تظل مرتهنة للإرادات السياسية للحكام، فالإعلام الرسمي لم يتخلص بعد من الروتين القاتل، والاعتماد على التعليمات التي تأتي من فوق. وأحياناً كثيرة، لا تأتي بالمرة. كما أن السلطات، وفي سياق ردها على البروباغندا الإرهابية، تكتفي بدروس هجينة من الوعظ والإرشاد، ومواصلة استخدام لغة الخشب، أو تدعو وسائل الإعلام المختلفة إلى مؤتمرات صحفية، لتحدثها عمّا تعتبرها منجزات ضد أوكار التطرف، مكتفية بعرض نماذج لما تصادره من المشتبه في أنهم إرهابيون، من قبيل أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، أو شرائح تخزين الصور والملفات البصرية.
وفي المقابل، نجد بعض وسائل الإعلام التابعة للخواص، وتحديداً في تونس، تلجأ في تصديها للإرهاب والإرهابيين، إلى لغة التحريض أو الشتائم والتشويه في حق المجاميع الإرهابية، وحتى التي لم يثبت عليها أنها ترتكب الإرهاب، أو تتعاطف معه. وفي أحيان كثيرة، كانت لهذا التكتيك تداعيات عكسية، ساهمت في تنفير بعض ذوي النفسيات الهشة، أو من لهم حظ ضئيل من العلم والوعي، ينساقون باتجاه التطرف.
نحتاج في المنطقة المغاربية، كما هو شأن نظرائنا في المشرق العربي، إلى صياغة استراتيجية إعلامية عقلانية مضادة، تعتمد الإقناع سبيلاً لتغيير الأفكار، والحوار المتحضر البعيد عن التشنج والتحريض وسيلة لتحصين المجتمع من الوقوع في فخ هذه الجماعات التي لم تأل جهداً، ولا تركت منبراً إلا وطرقته، راكبة على موجة الفقر والإقصاء ونقص التوعية والغضب من الواقع. وفي هذا السياق، علينا أن نتبنى، بصفة جماعية، ميثاقاً أخلاقياً أو مدونة سلوك عابرة للحدود العربية، تتلزم به كل القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية المعتمدة، بمنع كل محتوى إعلامي يحرّض على العنف، أو يزكّيه أو يعيد نشر محتويات إعلامية، تنشرها أو تعدها جهات تكفيرية أو طائفية أو عنصرية أو فئوية، أياً كان مسماها، أو مشربها السياسي والفكري والإيديولوجي.
ومن اللازم أن تدمج مدونة السلوك الإعلامي هذه ضمن قوانين البلدان العربية، لكي لا يتحجج أحد بأنه غير ملزم باحترام البلدان الأخرى، كما أنه ينبغي وضع خطة إعلامية، بأهداف محددة وبرؤية واضحة، حتى لا تبقى مواجهة مخاطر الإرهاب والتطرف على المستوى الإعلامي مرحلية ومؤقتة، ومرتبطة بوقوع الفعل الإرهابي وتحققه، وهذا ما ينسحب على الإعلام المغربي الذي لم يتمكن من مجاراة إيقاع المقاربة الأمنية الاستباقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية.
ولعل من أسباب انتشار الفكر المؤدي إلى تبني الفعل الإرهابي، انفلات مؤسسات الفتوى. وانتشار عشرات الفضائيات الدينية /المذهبية التي لا تتردد في تسويق خطاب يغذّي الفتنة والحقد والكراهية، ويشجع على الانتقام. إذ أصبح كثيرون من أشباه العلماء والفقهاء يسمحون لأنفسهم بإصدار الفتاوى، في ظل غياب مؤسسات علمية معترف بها، تتولى الإفتاء في الأمور المتفق عليها، وترك كل بلد يرى ما يليق به في الأمور الخلافية، على ألا يفضي البت في الأمور الخلافية إلى فتاوى، تقوم على الكراهية والتكفير والتحريض، أو محاربة أصحاب الأفكار المخالفة.
أضف إلى ذلك أن الإسلام والمسلمين يتعرضون لحملة عداء ممنهجة في الغرب، في ظل انتعاش خطاب ما يسمى بالإسلاموفوبيا، وهذا ما قد يزيد من تطرف بعض شبابنا الذين ولدوا هناك، أو تربوا في تلك البلدان.
وللوقوف في وجه المقاربات التبسيطية والاختزالية والمتحاملة من عدد لا يستهان به من وسائل الاعلام الغربية، يحسن أن نقدم النماذج المعتدلة للغرب من خلال محتوى إعلامنا بمختلف توجهاته، وأيضاً مخاطبة الشباب العربي والمسلم المقيم في تلك الديار باللغة التي يفهمها، وبالمفاهيم الأقرب إلى إدراكه.