بعد التصعيد الكبير الذي شهدته الساحة الليبية، الأحد، بقصف طائرة إماراتية قاعدة الوطية، جنوب غرب طرابلس، برز حراك، اليوم الإثنين، لخفض وتيرة التصعيد في ليبيا، خصوصاً بعد ما بدا أن أبوظبي تحاول استفزاز قوات حكومة الوفاق للتقدّم نحو منطقة سرت - الجفرة، ما يبرر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تنفيذ تهديده بالتدخل العسكري المباشر في الصراع الليبي بعدما صرّح سابقاً بأن سرت خط أحمر.
وتوجّه مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى تركيا، اليوم، حيث التقى وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، وأطلق دعوة "للمشاركين في مؤتمر برلين بأن يدعموا كل الجهود لإنهاء الصراع في ليبيا". من جهته، قال الوزير التركي إن بعض دول الاتحاد الأوروبي تساند اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر وتقدّم له الدعم، في إشارة إلى فرنسا، مطالباً باريس بالاعتذار إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي وتركيا. كما دعا الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قراراته بشكل حيادي لا استناداً إلى دوافع سياسية.
وفي السياق نفسه، كان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو يقول إن "على إيطاليا والاتحاد الأوروبي بذل كل جهد ممكن لوضع حد للصراع وتشجيع الاستقرار في ليبيا". وفي مقابلة مع صحيفة نمساوية، أشار إلى أن "ليبيا الآن تقف على مفترق طرق بين استمرار قتال الأشقاء أو استئناف مسار حوار شامل نحو تحقيق الاستقرار المستدام". وأعاد التأكيد أنه "يتعين على أوروبا أن تتصرف بشكل مناسب لمسؤولياتها، أولاً وقبل كل شيء لإعادة السلام والأمن إلى ليبيا. وهذا يعني استثمار كل مورد ممكن في الحوار السياسي، الأداة الوحيدة للتوصل إلى حل تفاوضي ومستدام للأزمة الليبية". وأشار إلى أنه "من المناسب أن يستمر العمل في تعزيز الوجود الأوروبي في ليبيا".
من جهته، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، إن الوضع على الأرض في ليبيا معقد ومربك، مؤكداً أن موسكو تحاول الحفاظ على اتصالاتها مع كافة أطراف النزاع في البلاد وتشجيعها على التوصل إلى حلول مقبولة. وأضاف، كما نقلت عنه وسائل إعلام روسية: "نعتقد أنه من الضروري زيادة فعالية مهمة الأمم المتحدة. كما تعلمون، في حين أنه لا يوجد رئيس لهذه البعثة، فإن نائب الرئيس يصرف الأعمال بشكل مؤقت. نعتقد أنه كلما كانت هذه البعثة في ليبيا جاهزة للعمل بشكل أسرع، كلما كان أفضل".
"الأناضول": موسكو نقلت قبل أيام نحو 300 مرتزق من مناطق سيطرة النظام في دير الزور إلى ليبيا
لكن الكلام الروسي يتناقض مع المؤشرات على الأرض، إذ كشفت وكالة "الأناضول" نقلاً عن مصادر سورية أن روسيا تواصل إرسال المزيد من المرتزقة من مناطق سيطرة النظام السوري إلى ليبيا للقتال في صفوف مليشيات حفتر. وقالت المصادر إن موسكو نقلت قبل أيام نحو 300 مرتزق من مناطق سيطرة النظام في دير الزور إلى مطار حميميم في اللاذقية ثم إلى ليبيا. وأكدت المصادر أن المقاتلين ينتمون إلى مليشيات "فاطميون" و"زينبيون" و"لواء القدس" التابعة لإيران، إضافة إلى عناصر قوات "الدفاع الوطني" التابعة للنظام. ولفتت إلى أنه من بين المقاتلين 8 عناصر سابقين في تنظيم "داعش"، من أبناء بلدة دبلان بريف دير الزور، انضموا لاحقا إلى "لواء القدس" بموجب مصالحة مع النظام السوري. وأوضحت المصادر أن نقل المقاتلين إلى ليبيا تم بموجب عقد مع روسيا يشبه العقود التي أجرتها الأخيرة مع مئات المقاتلين السابقين الذين أرسلتهم من سورية إلى ليبيا. وبحسب المصادر ذاتها، فإن مدة العقد 3 أشهر قابلة للتجديد، بمقابل شهري يراوح بين 1000 و1500 دولار أميركي.
وفي سياق الدعوات لحل سياسي، أكد السفير الأميركي في القاهرة جوناثان كوهين، الأحد، رفض الولايات المتحدة لكل أنواع التدخلات الأجنبية في ليبيا. وأوضح في تصريح صحافي، أن بلاده تدعو إلى اللجوء للمفاوضات تحت رعاية حلف شمال الأطلسي من أجل التوصل إلى حل للأزمة الليبية، في إشارة لحل الخلاف بين تركيا وفرنسا العضوين بالحلف. وأكد أن الولايات المتحدة تدعم المفاوضات ووقف إطلاق النار في ليبيا.
في موازاة ذلك، استمر التفاعل حول القصف الإماراتي لقاعدة الوطية، فجر الأحد. وأكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي التابع لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، المعلومات التي نشرتها "العربي الجديد" في وقت سابق، عن أن الطائرة التي قصفت قاعدة الوطية إماراتية. وأوضح المدني لـ"العربي الجديد"، أن الطائرة من نوع "ميراج 2000-9" فرنسية الصنع. ونفى الأنباء المتداولة من قبل وسائل إعلام داعمة لحفتر بشأن مقتل مسؤولين وعسكريين من رتب رفيعة، بعضهم أتراك في القصف، مؤكداً ان الخسائر مادية فقط. وعن مستجدات الميدان في محيط منطقة سرت - الجفرة، أكد المدني أن الاستعدادات لم تتوقف عند تخوم سرت، مشيراً إلى أن الأوامر بالتقدم باتجاه المدينة لم تصدر، لكنه أضاف "قرار تحرير سرت والجفرة لن نتراجع عنه". في السياق، قال مصدر عسكري ليبي رفيع لـ"العربي الجديد"، إن الأضرار الناجمة عن قصف الوطية تمثلت في تدمير منظومة دفاع جوي متطورة داخل القاعدة، بالإضافة إلى أضرار مادية طفيفة أخرى.
الأضرار الناجمة عن القصف الإماراتي لقاعدة الوطية اقتصرت على الماديات
وكان المتحدث الرسمي باسم قوات حكومة الوفاق، محمد قنونو، قد قال في إيجاز صحافي نشرته الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"، ليل الأحد، إن "الضربة جاءت كمحاولة لرفع معنويات المليشيات والمرتزقة الموالين لحفتر". واعتبر أن الضربة تنفي مزاعم "أحد قيادات المليشيات في موسكو بأنهم قبلوا بوقف إطلاق النار، واليوم يعودون للغدر الذي عهدناه منهم"، مضيفاً "لن تؤثر مناوراتهم في مسار الأحداث والمعارك، ولن تغير من استراتيجيتنا لبسط السيطرة على كامل التراب الليبي". من جهته، قال المجلس الأعلى للدولة الليبي، في بيان، إن "الاعتداء يشكك في جدية الدول التي تدعي سعيها للوصول لوقف إطلاق النار وحل سلمي في ليبيا وتقوم في الوقت نفسه بدعم هذه الأعمال الإجرامية".
وفي التطورات، عقد حفتر اجتماعاً موسعاً في بنغازي اليوم مع رؤساء الأركان ومدراء إداراته وأمراء غرف العمليات العسكرية. وأفاد المكتب الإعلامي التابع لقيادة المليشيات التابعة لحفتر بأن الاجتماع العسكري الموسع جرى خلاله استعراض ومناقشة ملفات عسكرية هامة "في كافة الاتجاهات"، وشهد "طرح الترتيبات والخطط اللازمة للمرحلة المقبلة".