دخلت حكومتا طرابلس وطبرق المتصارعتان على السلطة في ليبيا في سباق على طرح موازنة مالية جديدة للبلاد، التي تشهد ترديا في إيراداتها بسبب استمرار العنف والنزاع السياسي، وسط توقعات ببلوغ عجزها المالي للعام الحالي نحو 21.4 مليار دولار، لانحسار عائدات النفط.
وكشف مسؤول في وزارة المالية في الحكومة المؤقتة التابعة للبرلمان الليبي المُنعقد في طبرق شرق البلاد، عن وضع موازنة للعام الحالي تقدر بنحو 44 مليار دينار ليبي (31.6 مليار دولار)، فيما تشير مصادر في حكومة الإنقاذ في طرابلس إلى أن الموازنة التي تعمل عليها تبلغ 45 مليار دينار (32.3 مليار دولار).
وبحسب مراقبين فإن حكومتي طرابلس وطبرق تتباريان في وضع موازنات تستنزف الرواتب
والدعم نحو ثلثيها، فيما لا تزال البلاد الغنية بالنفط والعضو في منظمة (أوبك) تعاني تردياً اقتصادياً وصراعاً مسلحاً في أكثر من مدينة.
وتتقاتل كتائب مسلحة لبسط السيطرة على ليبيا، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلام السياسي، زادت حدته مؤخراً، ما أفرز جناحين للسلطة لكل منه مؤسساته.
الأول: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق، الذي تم حله من المحكمة الدستورية، وله حكومته، أما الثاني، فيضم المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف جلساته) في طرابلس وله حكومة أخرى.
وقال مراجع غيث، وكيل وزارة المالية بحكومة طبرق، في تصريح لمراسل "العربي الجديد"، إنه تم عرض موازنة مالية للبلاد على مجلس النواب في طبرق لاعتمادها، بعجز يصل إلى 29.8 مليار دينار (21.4 ملياراً).
اقرأ أيضاً:
حكومة الثني تجر مؤسسات ليبيا لصراع محموم على السلطة
وتعتمد الموازنة الجديدة، بحسب غيث، على إنتاج نفطي في المتوسط 890 ألف برميل يومياً، وبسعر يصل إلى 50 دولاراً للبرميل.
وتتوقع حكومة طبرق بلوغ الإيرادات 10 مليارات دولار، بمتوسط إنتاج نفطي 890 ألف برميل، بسعر 50 دولاراً للبرميل، مقارنة بنحو 15 مليار دولار في العام الماضي.
وتبلغ عائدات النفط في الظروف العادية ما بين 43.5 و47.5 مليار دولار سنوياً، حسب بيانات وزارة النفط الليبية. لكن غيث قال "نتوقع وصول إنتاج النفط إلى 800 ألف برميل يومياً في الربع الثاني من العام الجاري، ثم إلى مليون برميل في الربع الثالث و1.35 مليون برميل في الربع الأخير، في حالة وجود استقرار سياسي وتوقف الصراعات المُسلحة والاحتجاجات في الموانئ والحقول النفطية".
وتباطأ إنتاج ليبيا جراء إغلاق حقول وموانئ نفطية إلى أقل من 550 ألف برميل يومياً، مقابل 1.4 مليون برميل يومياً في الأوقات العادية، وبدون النفط لا يمكن لليبيا إقرار موازنة،
كونها تعتمد عليه في رفد الخزانة العامة بأكثر من 95% من الإيرادات.
وأكد غيث أنه سيتم تغطية العجز المقدر في موازنة العام الحالي عبر طرح أذون خزانة من جانب وزارة المالية.
وأذون الخزانة هي أوراق مالية تطرحها الحكومات للاقتراض من المؤسسات المالية المحلية والأجنبية.
وأشار إلى أنه سيتم تقليص البنود الأربعة في الموازنة، موضحاً أنه سيتم تخفيض باب الأجور والمرتبات، إلى 18 مليار دينار (12.9 مليار دولار)، مقابل 21 مليار دينار (15.1 مليار دولار) العام الماضي، وذلك بفضل إجراءات اتخذتها السلطات لمنع الازدواج الوظيفي في أجهزة الدولة.
كما سيتم تخفيض الباب الثاني، المعني بالنفقات التشغيلية بحوالي ملياري دينار، ليصل إلى 4.8 مليارات دينار مقابل 6.8 مليارات دينار (4.5 مليارات دولار) العام الماضي، بالإضافة إلى تجميد باب التنمية، الذي كان يبلغ بقيمة 5.2 مليارات دينار (3.7 مليارات دولار).
ولم يذكر وكيل وزارة المالية في حكومة طبرق إذا ما كان سيتم تقليص باب الدعم، الذي بلغ 11 مليار دينار (7.9 مليارات دولار) العام الماضي. وتبدأ السنة المالية في ليبيا في أول يناير/كانون الثاني، وتنتهي في 31 ديسمبر/كانون الأول من كل عام.
وفي مقابل موازنة طبرق، تعمل حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس على وضع موازنة تناهز 45 مليار دينار، وفق مصادر حكومية في العاصمة.
وتشهد ليبيا ظروفاً معيشية متفاقمة في ظل النزاع بين قوات "فجر ليبيا" التي يشكلها المؤتمر الوطني والثوار، والقوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، على أحقية إدارة البلاد، في ظل صراع مسلح احتدم خلال الشهور الأخيرة، وامتد إلى الحقول النفطية، في محاولة للسيطرة عليها.
وتنفق الحكومة في ليبيا نحو 1.6 مليار دينار شهرياً كرواتب لموظفيها، فيما يقول مصدر حكومي طلب عدم نشر اسمه، إن رواتب قرابة 1.25 مليون موظف حكومي أصبحت تتأخر إلى شهر وشهرين.
وضبط ديوان المحاسبة عبر منظومة المرتبات وفق الرقم الوطني 412 ألف رقم وطني غير صحيح، منها 22.5 ألف اسم "فوق السن القانونية، منهم من تجاوز 115 عاماً، أي من مواليد عام 1900 ميلادية، وحوالي 604 أرقام تحت السن القانونية"، منها أرقام من مواليد
عام 2013.
وفرض مصرف ليبيا المركزي، الذي لا تزال إدارته مجال صراع إلى وضع قيود على التحويلات والعملة الصعبة، ما يعيق عمليات الاستيراد للمواد الأساسية والسلع الغذائية في دولة تستورد كل احتياجاتها.
وقال مصباح العكازي، الناطق الرسمي باسم مصرف ليبيا المركزي، لـ "العربي الجديد"، إن احتياطيات ليبيا كانت تبلغ 133 مليار دولار في أغسطس/آب 2013، لكنها انخفضت إلى 90 مليار دولار، وفق آخر إحصائية في نهاية مارس/آذار الماضي.
وكان مصرف ليبيا المركزي، قال مطلع العام الحالي إن مصروفات (النفقات) الدولة خلال العام الماضي 2014 بلغت 46 مليار دينار ليبي، فيما بلغت الإيرادات نحو 20.9 مليار دينار بعجز بلغ نحو 25.1 مليار دينار (18 مليار دولار)، وذلك وفقاً للحسابات الختامية للدولة، وبذلك تصل نسبة العجز إلى نحو 54% من النفقات ونحو 120% من الإيرادات.
اقرأ أيضاً:
ليبيا تصرف 56.9 مليار دولار من احتياطيها النقدي