حذّر المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في أحدث تصريحاته، من التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، بالتزامن مع التحذيرات ذاتها التي أطلقها وزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، الذي زار الرباط المغربية أخيراً، إذ اعتبر أنّ الأزمة في بلاده "تكمن في التدخل الخارجي في الشأن الليبي"، وهو حديث مكرر عمره سنوات. يعرف قطاع كبير من الليبيين أنّ تلك التدخلات لم تكن لتحدث لولا موافقة، بل ربما باستدعاء أيضاً، من الساسة الليبيين، وفتحهم الأبواب أمام هذه الجهات الدولية والإقليمية. والتساؤل الذي يطرح نفسه، بعكس اتجاه تلك التحذيرات، هو: ماذا سيكون مصير البلاد إذا توقفت تلك التدخلات؟ رغم تأكيد البعثة الأممية حيادها ومطالبتها بوقف التدخل الخارجي في الشأن الليبي، إلا أنها شاركت بثقلها وبشكل رسمي في كل المؤتمرات الدولية حول ليبيا، وتحديداً في مؤتمري باريس وباليرمو (عقد في إيطاليا) في العام الماضي. وهي تعرف جيداً، وقد اعترف سلامة نفسه بذلك، أنّ فرنسا وإيطاليا هما أكبر المؤثرين في الملف الليبي.
أما باشاغا، فقد كانت تحذيراته من التدخل الخارجي، أكثر عجباً، وهو العائد لتوّه من زيارة موسعة لواشنطن، تقول كل الأوساط الليبية إنّ لها علاقة بالحراك العسكري الحثيث الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر باتجاه طرابلس، فيما زيارة باشاغا ما هي إلا محاولة لاستجداء دعم واشنطن للتدخل للحدّ من زحفه. مما لا شك فيه أنّ تلك الدول التي تتوزّع مواقفها بوضوح وراء دعم أطراف النزاع، باتت تشكّل خارطة للتوازن في البلاد، فهي الوحيدة التي تمتلك مفتاح وقف هذا الطرف أو ذاك، راهنةً قرارات كل الأطراف الداخلية في صراعها الذي يعصف بالمواطن، لها. حتى المواطن الليبي البسيط، الذي بات لا يبحث سوى عن الأمن، بات يرنو بنظره إلى تلك الأطراف الخارجية كملجأ للضرب على يد هذا الطرف أو ذلك، عند اندلاع صراع مسلح، لوقف رصاصه المتطاير على الرؤوس، في قناعة تبدو جماعية، بأنّ الوضع سيكون أسوأ إذا ما غادرت تلك الأطراف الساحة، وتركت هؤلاء المتصارعين المتمترسين وراء الواجهات السياسية بكل أشكالها من برلمان، إلى حكومة وفاق، إلى جيش وطني، على هواهم، بدون أن يعني لهم المواطن شيئاً.