يدخل الحوار بين أطراف الأزمة الليبيّة، برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، منعطف اختبار نوايا جميع الأطراف الليبيّة، خصوصاً بعد استجابة البعثة الأمميّة، بناءً على اتفاق الأطراف في جولة جنيف الثانية، على نقل الحوار إلى الداخل الليبي، وإنهاء المؤتمر الوطني تعليقه للحوار، الذي اتخذه بعد اقتحام قوات موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، فرع مصرف ليبيا المركزي.
ويشكّل تردي الأوضاع الأمنيّة في العاصمة الليبية طرابلس، التي كانت قد شهدت، بعد سيطرة قوات "فجر ليبيا" عليها، هدوءاً أمنياً نسبياً، أولى بالونات الاختبار والعقبات. إذ استهدفت مجموعات مسلّحة مجهولة، مقرات دبلوماسيّة أجنبيّة، ومقراً تابعاً لهيئة الأمم المتحدة، وكانت آخر اعتداءاتها استهداف فندق كورنثيا بتفجير سيارة مفخّخة في محيطه، واقتحامه من قبل مسلحين، ما أسفر عن مقتل نحو عشرة أشخاص، ينتمي خمسة منهم لجنسيّات مختلفة. وفي موازاة التنديد الدولي والعربي والأفريقي باستهداف الفندق، لما يمثّله من رمزيّة سياسيّة في ليبيا، لم تتردّد الأمم المتحدة ودول كبرى، كالولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا، في التحذير من أنه "من شأن خروقات مماثلة أن تقوّض عمليّة إحلال السلام في ليبيا".
ويعدّ الضغط الشعبي، الذي يتجلّى بتظاهرات تشهدها مدن غرب ليبيا، خصوصاً في طرابلس ومدينة مصراتة وغريان والزاوية، ثاني العقبات، إذ يدعو ناشطون وسياسيون رافضون للحوار الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة، إلى خروج تظاهرات مماثلة، تتهم المبعوث الدولي برناردينو ليون بالانحياز لمجلس النواب الليبي المنحل في طبرق، ولقائد "عملية الكرامة" اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وتطالب هذه التظاهرات بعدم المشاركة في الحوار، إلا بعد إنجاز الحسم العسكري ميدانياً لصالح قوات فجر ليبيا، التي ما زالت تشتبك مع "جيش القبائل"، المتحصّن في قاعدة الوطية، جنوب غربي طرابلس. وتحول الأوضاع الأمنيّة المتردية دون خروج تظاهرات، في مدن شرق ليبيا، خصوصاً في بنغازي، التي تشهد اشتباكات يوميّة بين قوات "مجلس شورى ثوار بنغازي"، وقوات حفتر، ويتبادل الطرفان السيطرة اليومية على بعض الأحياء داخل المدينة، كحيي الصابري وبوهديمة.
ويُعتبر الاتفاق على مكان الحوار داخل ليبيا، العقبة الثالثة، ولا سيّما مع اقتراح أماكن عدّة، على غرار مدينة الكفرة، الواقعة جنوب شرقي ليبيا، والتي تشهد استقراراً أمنياً. ولم يتردّد مجلسها المحلي، ومجلس الحكماء والشورى فيها، في إبداء الاستعداد لاستقبال الحوار وتأمينه لوجستياً وأمنياً. لكنّ المدينة، ووفق شرط بعثة الأمم المتحدة، لناحية توفر دعم لوجستي وأمني، تفتقد للدعم اللوجستي، مع غياب فنادق ذات خدمات وجودة عالية، أو قاعات كبيرة لاستقبال المشاركين في الحوار، عدا عن أنّها كانت حتّى عهد قريب، مسرحاً لاشتباكات بين مكوني التبو والعرب فيها، ولا ضمانات أمنيّة لاستمرار الهدنة الحالية.
ولاقت اقتراحات مدن أخرى، كمدينتي جالو وأوجلة، الواقعتين جنوب شرقي بنغازي، وتضمان آباراً وحقول نفط، اعتراض المؤتمر الوطني العام، باعتبار أنّ قيادات المدينتين من الموالين لحفتر، وهو ما دفع المؤتمر الوطني إلى التحذير من عدم توفر أجواء أمنيّة مناسبة لإجراء الحوار فيهما.
وفي سياق رابع المعوّقات الداخليّة، تحلّ الاتجاهات والتأثيرات المختلفة من عملية الحوار داخل المؤتمر الوطني العام بحدّ ذاته، إذ يرى بعض أعضائه أنّ نجاح الحوار وانتهائه بعمليّة سياسيّة، إحدى أهم مخرجاتها حكومة توافق وطني، يعني نهاية المؤتمر وخروجه تماماً من أداء أي دور سياسي مستقبلي. ويدفع هذا التصوّر بعض الأعضاء إلى وضع فرضيات وشروط تعجيزيّة، تنطلق من شروط المنتصر في حرب لم يستطع أحد طرفي الصراع حسمها حتى الآن. وينطبق الأمر ذاته، وفق محللين، على متزعمي "عملية الكرامة" من العسكريين، والغطاء السياسي الذي يساندها من أعضاء مجلس النواب الليبي المنحل في طبرق.
ويواجه المؤتمر الوطني العام، بحسب مراقبين ليبيين، صعوبة في دمج القادة العسكريين والثوار المدنيين ضمن السياق التراتبي الإداري. ويتوقّع هؤلاء، في حال موافقة لجنة حوار المؤتمر الوطني على مخرجات التفاوض، وأهمّها حكومة توافق وطني، ألا يقبل القادة العسكريون بهذه الحكومة، لأنّه لا بدّ من تمثيل مجلس النواب الليبي المنحل، وعملية الكرامة في عضويتها، وهو ما يرفضه عسكريو "فجر ليبيا"، لأسباب يراها متابعون متعلقة "بدرجات نضج ووعي العسكريين سياسياً".
في المحصّلة، لن تسمح القوى الغربيّة باستمرار حالة التردّي الأمني، والتي ستتيح لقوى إسلامية متشدّدة التمدّد أكثر والانتشار داخل ليبيا، الأمر الذي من شأنه أن يضع المؤتمر الوطني أمام ضغط آخر لا يقلّ عن الضغط الشعبي الرافض للحوار بشكله الحالي، ولوساطة البعثة الأممية برئاسة ليون.