ليست أزمة سياسية في المغرب

04 ديسمبر 2016
+ الخط -
زمنياً لا يمكن الحديث عن أزمة سياسية في المغرب، ولا عن فشل رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران في تشكيل حكومته، لأنّنا ما زلنا لم نتجاوز الشهر والنصف عن انتخابات 7 أكتوبر، مع العلم أنّ أغلب الحكومات السابقة تشكلت خارج هذه المدة، وجديدها حكومة 2012 بحيث أجريت الانتخابات يوم 25 نوفمبر/ 2011، ولم تتشكل الحكومة إلا يوم 3 يناير 2012.
ولكن، بالعودة إلى وقائع وتصريحات زعماء سياسيين، يتضح أنّنا فعلاً أمام أزمة سياسية، أنتجها ذاك التيار الذي لا يمكن أن يقبل بمغربٍ تقوده حكومة منسجمة وموّحدة ومستقلة بقراراتها، وبعيدة عن الإملاءات والأوامر التي يفرضها هذا التيار، والتي يسعى من خلالها إلى الحفاظ على مكتسباته ومصالحه السياسية والاقتصادية بالأساس. لذلك، فالسماح لبن كيران بتشكيل حكومته بالطريقة التي يريد، وبالتحالفات التي يتمنى هو أمر كان وما يزال مستبعداً في ظل الطريقة الكلاسيكية التي تفكر بها الدولة، فخدامها ينظرون لحزب العدالة والتنمية دخيلاً على المنظومة السياسية المغربية، دخيل بأفكاره ومرجعيته ومشروعه السياسي الذي لا يصلح، حسبهم، أن يتم تنزيله على الواقع المغربي المختلف عن واقع الدولة التي يعتقدون أنّ هذا المشروع استورد منها، أقصد تركيا.
عدم القدرة على تصديق أنّ حزب العدالة والتنمية يمثّل الوجه الحقيقي لجزء كبير من المجتمع المغربي، وأنّ هذا الحزب، وإن كان تأسيسه قد ارتبط بمشروع إقليمي، قد تمكّن من أن يُموقع نفسه ضمن البيئة المغربية، لينشغل بعدها بقضايا الوطن على غرار باقي الأحزاب، كما أنّه تخلّص تدريجياً من جلبابه الإقليمي، وهو ما يفسّره لقاء بنكيران بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي وأرسله إلى السجن، والأمثلة كثيرة في هذا الاتجاه.
نظرة الشك واللاثقة هذه، عزّزتها رغبة حزب العدالة والتنمية التحالف مع حزب وطني كبير من حجم حزب الاستقلال، وحزبين يساريين كبيرين، هما الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، فعلى الرغم من التحولات السياسية العميقة التي عرفها المغرب، بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، إلا أنّ ذلك لا يلغي حقيقة العلاقة المتشنجة بين النظام والحركات اليسارية من جهة، والنظام والحركات الإسلامية من جهة ثانية، فهذه العلاقة المتشنجة والمتوترة ثابتة، كما هو الحال في باقي الدول العربية حيث تنظر الأنظمة للحركات اليسارية والإسلامية بعين الريبة، معتبرة إيّاها خطراً، ليس على بقائها، وإنّما على امتداد سلطتها. لذلك، وعلى مدى عقود، عملت هذه الأنظمة على إحداث صراعاتٍ بين التيارين، الإسلامي واليساري لإضعافهما أولاً، وثانياً لينشغلا ببعضهما حتى يتسنى لها (الأنظمة) الاشتغال حسب رؤيتها ومنطقها.
رغبة بنكيران في تحالف حزبه الإسلامي مع أحزاب الكتلة أزعج الدولة، أو لنقل أنّه أزعج تياراً بعينه داخل الدولة الذي لا يمكن أن يقبل بحكومة من دون ممثّل له داخلها، والأهم أنّها مشكّلة من أحزاب طاعتها غير مضمونة.
عموماً، لا يمكن أن نجزم بالمطلق من يمثل هذا التيار، فبعضهم ظاهر وبعضهم يلعب خلف الستار، وهؤلاء هم الأكثر تأثيراً، وهم يكرهون هذا الوطن لأنّ من يعرقل تشكيل حكومة بتحالفات أحزاب وطنية، من أجل الحفاظ على مصالحه الاقتصادية والسياسية فلا بدّ أنّه يكره الوطن.
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي