منذ اللحظة التي غادر فيها الوفد الأمني المصري غزة، بالتزامن مع إرجاء رئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل، زيارته المقرر إلى القطاع، مساء أمس الأربعاء، تسلل الخوف والقلق إلى الغزيين، الذين عاشوا ليلةً عصيبة بين ترقبٍ وحذر، وخوف من شنّ إسرائيل عدواناً رابعاً.
وبدأ التوتر لدى الشارع الفلسطيني مع تداول أخبار متسارعة حول بحث إسرائيل آلية الرد على سقوط صاروخين في بئر السبع، فجر أمس، والذي ردت عليه بقصف أكثر من عشرة أهداف داخل قطاع غزة، أوقع شهيداً وعدداً من الإصابات. وتواصل قلق سكان غزة، مع ورود أخبار مفاجئة حول مغادرة الوفد المصري مساءً.
وظهرت المخاوف لدى الغزّيين من خلال ما تمّ رصده في الشوارع والتقاطعات الرئيسية، حيث أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها باكراً، حتى أن حركة المواطنين خفّت على الطرقات بشكل مفاجئ، لاسيما في منطقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، وهي المنطقة الأكثر ازدحاماً في القطاع على مدار الساعة.
أما المحال التي لم تُغلق أبوابها وسط قلّة الحركة والضجيج، فلم يصدر منها سوى صوت الراديو، الذي نقل أخبار الإذاعات المحلية المتسارعة حول المشهد الأمني. وجلس الغزّيون أمام المحال وعلى الطرقات لرصد الأخبار، وسط قلق يتسلل إلى نفوسهم، حول ما قد تقود إليه الأحداث المتسارعة على الساحة.
وزاد القلق والتوتر، أصوات الطائرات الإسرائيلية التي لم تهدأ في سماء غزة. معطيات كثيرة، بررت حجم المخاوف التي سيطرت على سكان غزة طيلة الليلة الماضية، في وقت ربما لا يريد أكثر من مليوني مواطن يعيشون في مساحة لا تزيد عن 365 كيلومتر مربع، العودة إلى مشاهد الدمار والقتل التي عاشوها خلال ثلاث حروب ماضية.
وفاقمت المخاوفَ تهديدات حكومة الاحتلال المستمرة بالتصعيد، والتي ازدادت حدتها مع استمرار الفلسطينيين في الزحف إلى الحدود الشرقية من القطاع عند السياج الفاصل، خلال فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار، والمستمرة منذ الثلاثين من مارس/آذار الماضي، والتي لحقها حراكٌ واسع على الحدود البحرية، إلى الشمال من قطاع غزة، من دون أن تتوقف هذه التظاهرات كما يطالب الاحتلال.
وتسلل الخوف أيضاً، إلى كتابات الفلسطينيين عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. فما تداوله الناشطون من كتابات مثل "الله يستر، شكلها حرب، أخبار بتقول في إخلاء مقرات، الكابينت الإسرائيلي يجتمع الآن لبحث الأوضاع الجارية"، التقطها الفلسطينيون بقلقٍ شديد.
لكن في مناطق أخرى متفرقة، كانت أصوات الدبكة الفلسطينية والدحيّة البدوية المسموعة من الأعراس، لا تزال تُسمع، وسط حالة من اللامبالاة تجاه احتمال تصعيدٍ محتمل، فهؤلاء كما كل المكلومين في غزة كرروا مطالبهم العادلة بالعيش الكريم ورفع الحصار الإسرائيلي المستمر للعام الثاني عشر على التوالي.
ولخصت المشاهد السابقة، حال الليلة الماضية كما عاشها الفلسطينيون، وهي الصور ذاتها التي يكررها الشارع في كل مرةٍ يجري الحديث فيها عن تصعيد إسرائيلي ضد القطاع، فالترقب والقلق والخوف، جميعها مشاعر مسيطرة على غزّيين لا يزالون يحاولون لملمة شتاتهم ودمارهم وسوء أحوالهم وأوضاعهم الكارثية التي خلفتها الحروب الماضية ودواعي الحصار.