إذا سمع أحدنا كلمات "الحلوة دي قامت"، فإنه يستطيع أن يكمل المقطع، بسبب شهرة أغنية سيد درويش. لكن حين يؤدّيها الموسيقي المصري مأمون المليجي، فإنه يراوغ مستمعه حين يقول "الحلوة دي قامت تعجن.. ما لقتش دقيق"، هكذا تتغيّر كلمات الأغنية، وتصبح "باروديا" تتناول موضوعاً محيّناً مثل الأزمة الاقتصادية.
خلال الأسبوع المنقضي رحل المليجي عن 57 عاماً. في هذه الأغنية كان يحاور سيّد درويش، فإذا اعتبرناها نقطة تقاطع، علينا أن نذكر نقاطاً أخرى؛ أولها بلا شك، الأصول الإسكندرانية، وما تسبغه من رؤية مرحة وبسيطة للحياة وروح ساخرة، ثم التكوين العصامي، حيث إن المليجي درس الهندسة المعمارية وامتهنها حتى عام 1990، حين فسح المجال أكثر لميولاته الموسيقية.
كان واضحاً من البداية أن المليجي لم يكن يريد أن يكون ضمن السرب، أي تلك الموجة "الشبابية" التي تكتسح الأغنية كإفراز آخر من إفرازات الانفتاح. وربما كان يعرف أن الطريق شبه مقطوع أمامه، في وقت كانت شركات الإنتاج ومن وراءها من "مراكز قوى" نظام مبارك، تكرّس نجوميات شباب من جيله مثل عمرو دياب وحكيم وغيرهما.
هكذا، من البداية كان صاحب "الشوارع" يعرف أنه سيشقّ طريقه بطاقته الذاتية. لكن هل كان يتصوّر أن ظهوره الإعلامي لن يبدأ إلا في 2005، أي بعد 15 عاماً من انطلاق مسيرته؟ إنه ثمن أوّل دفعه جرّاء خياراته النقدية التي يريد أن يضمّنها الأغنية بلحن بسيط ومحاولة تجاوز مواضيعها المكرّرة.
لم يستمر ظهور المليجي طويلاً، حيث أبعدت عنه الأضواء بعد سنوات قليلة، ولكن هذه الفسحة التي جرى فيها استقبال المليجي بأغاني "مسلم والركّ على النية" و"يا بلدنا ازاي الصحة" في أغلب البرامج الحوارية والفنية في القنوات المصرية، وجاب مسارح مصر مع فرقته "عشاق النهار"، مكنته من موقع في مشهد فنّي كان في سنوات الألفية الجديدة يتشكل وفق معايير مغايرة.
قد يكون الضوء الأحمر رُفع في وجه المليجي، مع إصداره وقتها أغنية "اصرخ بصوتك.. يا شعب عمرو ما ثار"، فتحسّس كثيرون من استدعاء مفردة الثورة والقذف بها في خضم المتابعة الجماهيرية. كانت حركة رد فعل طبيعية، ولكن لم يكن أحد يعلم أن الأغنية تحمل "نبوءة" بما سيحدث بشكل ما، وكان المليجي حوّر هذه الأغنية إلى عمل آخر بعد 2011 بعنوان "الشعب هبّ وثار".
من الواضح أن المليجي استفاد من "ثورة يناير"، فقد أعادت صوته وفرضته مع أسماء مثل حازم شاهين وياسر المناوهلي، وهي سنوات تضاعف فيها إنتاجه، وانضاف له بعدٌ جديد وهو إنتاج الصورة، حيث قدّم مجموعة كليبات مثل "خذ قرارك" و"خايف من إيه" و"الطوفان"، كانت تبثّ في الكثير من القنوات التلفزيونية التي انفتحت على الفنون البديلة بين 2011 و2013 قبل أن ترتدّ على عقبيها، ما أخفى مجدّداً صوت المليجي.
إنها مسيرة ظلت محكومة بأمرين؛ ثبات على خيارات موسيقية، يقابله تغيّر في الاهتمام الإعلامي. حالة المليجي ليست استثناءً، فالظهور في مصر كان دائماً مشروطاً بالاندماج في مناخ عام قلما كان يترك هوامش للأصوات المتفرّدة.