وتمّ التمهيد لمؤتمر المنامة في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، باعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال، العام الماضي؛ وهو القرار الذي يهدّد مستقبل القضية الفلسطينية.
ويهدف المؤتمر الذي يعقد بالعاصمة الأردنية عمّان إلى الوقوف على الوضع القانوني للقدس المحتلة، والبحث في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني، ودور الحركات الجماهيرية في المدينة التي تواجه سياسات الاحتلال والتهويد، إضافة إلى الحركات الاجتماعية والتغيرات المعاصرة، وقضايا وإشكاليات حالية ومستقبلية على مصير القدس ومصير القضية الفلسطينية عموماً. ويشكّل المؤتمر في هذا التوقيت، إحدى الأدوات والخطوات المهمة في مواجهة "صفقة القرن"، ومحاولات الالتفاف على حل الدولتين، وعدم اعتبار القدس أرضاً محتلة، بالتزامن مع محاولات تقويض مكانة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والسعي الأميركي الإسرائيلي لإلغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين. وكذلك يأتي قبل أيام قليلة من ورشة المنامة، مع استمرار الغموض حول مشاركة عدد من الدول العربية في الورشة، التي دعت السلطة الفلسطينية لمقاطعتها. ومن بين الدول التي لم تحسم مشاركتها، الأردن، في حين رحبت دول مثل السعودية والإمارات بالورشة، ما يعني مشاركتهما فيها، أما لبنان والعراق فأعلنا المقاطعة.
ويشكّل المؤتمر فضاءً للحوار وفرصة لقراءة مغايرة لأوضاع القدس، والتفكير جلياً في المواقف التي يمكن تطويرها، خصوصاً بعدما استطاعت إسرائيل، بعد نصف قرن من احتلالها للقدس، السيطرة على نحو 87 في المائة من مساحة الشطر الشرقي، وتهويده بمحاولة لرفع عدد السكان اليهود فيه بالنسبة إلى العرب، في نوع من "حرب ديمغرافية"، وزرعه بحلقات مختلفة من المستعمرات.
كما يناقش المؤتمر المحاولات الإسرائيلية، لتفتيت النسيج الحضري والاجتماعي والاقتصادي لسكان القدس الفلسطينيين، وعزل الشطر الشرقي للمدينة عن باقي الضفة الغربية، بعد أن توّجت ذلك بجدار الفصل العنصري، وانتزاع قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، الذي مثل تحدياً كبيراً للفلسطينيين والعرب، لا يقل خطورة عن وعد بلفور (1917).
وجاء اختيار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لـ"القدس" عنواناً للمؤتمر، كونها جوهر القضية الفلسطينية، ومفتاح الحرب والسلام في الشرق الأوسط، ومن دون إيجاد حل عادل ودائم لها، تبقى تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي غير ممكنة، وظهر ذلك بوضوح في انتفاضة الشعب الفلسطيني والعربي ضد القرار الأميركي. وتتعرض المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، لأشكال مختلفة من الممارسات الإسرائيلية، كابتزاز الكنائس المسيحية بفرض ضرائب على الأوقاف والمقدسات المسيحية، فيما يتعرض المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية لضغوط مستمرة منذ الاحتلال عام 1967.
ويناقش المؤتمر الذي ستشارك فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب المختصين بالقضية الفلسطينية، على مدار ثلاثة أيام يواقع 14 جلسة، السياسات الأميركية تجاه القدس، والقدس في القانون الدولي والسياسات الأوروبية، والقدس وسياسات الاستيطان الإسرائيلية، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس، والاستعمار الإحلاليّ وسياساته الديمغرافية والعمرانية، إضافة إلى عناوين أخرى أبرزها سياسات المحو الثقافي، والتعليم في القدس: مواجهة التحديات، والتعليم في القدس: فضاء للسيطرة/المقاومة، والشباب المقدسي: تجارب نضالية جديدة، والصراع على الصورة والمكان، والقدس في الإعلام الدولي. ويسعى المشاركون في المؤتمر عبر أوراق وقراءات بحثية علمية، إلى تقديم قراءة مغايرة للأوضاع في القدس، عبر محاولة طرح أفكار جديدة يمكن تطويرها، لوضع استراتيجية جديدة في التعامل مع قضية القدس، تكون جزءاً من الاستراتيجية الوطنية الشاملة، المتعلقة بمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة والبرنامج السياسي الفلسطيني.