وشهدت جلسة "دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي"، في المؤتمر، يوم الاثنين الماضي، مناوشة بين الطيب والخشت، في إطار الحديث عن تجديد علوم الدين وتطويرها بما يواكب العصر الحديث. وقال الخشت في كلمته إنّ "من الضروري تجديد علم أصول الدين بالعودة إلى المنابع الصافية من القرآن، وما صحّ من السُّنة النبوية"، مضيفاً: "التجديد يقتضي تغيير طرق التفكير وتغيير رؤية العالم، التي يجب أن تقوم على رؤية عصرية للقرآن بوصفه كتاباً إلهياً يصلح لكل العصور والأزمنة". وتابع: "في القرآن الكريم هناك تعددية الصواب، ففيه ما هو قطعي الدلالة، وما هو ظني الدلالة، وظني الدلالة أكثر حتى تتعدد المعاني، لذا فالصواب ليس واحداً، وهو ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية صلاة العصر في بني قريظة". وأضاف: "الواقع الحالي للعلوم الدينية ثابت قائم على النقل والاستنساخ، وليس هناك تحليل نقدي أو علمي ولا أي استفادة من العلوم الإنسانية، بل استعادة للفنون القديمة، لأننا لم نستطع الدخول لعصر جديد. وهنا من الضروري تطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين، ولو عاد الإمام الشافعي لجاء بفقه جديد، وكذلك الإمام (أحمد) بن حنبل".
من جهته، ردّ الطيب قائلاً: "كنت أودّ أن تكون كلمة ستلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق عن التجديد، معدة مسبقاً ومدروسة، لا أن تأتي نتيجة تداعي الأفكار وتداعي الخواطر". واعتبر أنّ "الكلام عن التراث عجيب"، مضيفاً: "خسارةٌ ما يقال عن التراث، وهذه مزايدة عليه، فهذا التراث الذي نهوّن من شأنه اليوم ونهول في تهوينه، خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ. قل حضرتك قبل أن تأتي الحملة الفرنسية كيف كان يسير العالم الإسلامي، كان يسير على قوانين التراث". وتابع الطيب: "الدول الإسلامية والحضارة التي تغيّرت، وجاءت بقوة فوق قوة، كان التراث هو من يحملها، وتصويره بأنه يورث الضعف والتراجع هذا مزايدة عليه". وأكمل: "نحن نحفظ من الإمام أحمد بن حنبل ما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست مقولة حداثية، والحداثيون حين يصدعوننا بهذا الكلام هم يزايدون على التراث ويزايدون على قضية الأمة المعاصرة الآن. والتراث ليس فيه تقديس، وهذا ما تعلمناه من التراث ولم نتعلمه من الحداثة".
وجاء ردّ الطيب على حديث الخشت بشأن تجديد الخطاب الديني، وهو مدرك تماماً أنّ كل ما طرحه رئيس جامعة القاهرة، ما هو إلا تعبير عما تؤمن به القيادة السياسية بشأن دور الدين وقضايا التجديد، خصوصاً أنّ الخشت لم يستطع أن يُخفي ذلك التوجّه في حديثه وخروجه عن موضوع الجلسة، كما قال هو نفسه، ليتحدّث عن قضية الطلاق الشفهي، التي كانت قد شهدت سجالاً واسعاً في وقت سابق بين السيسي والطيب. إذ أكدت هيئة كبار العلماء بالأزهر وقتها في بيان رسمي رفض ما دعا إليه السيسي بضرورة عدم الاعتراف إلا بالطلاق الكتابي، وعدم وقوع الطلاق الشفهي.
ما وقع من سجال حاد بين الطيب والخشت ودفع رئيس جامعة القاهرة إلى القول إنّ الطيب حوّل النقاش إلى معركة، قد يزيح الغموض حول السبب الحقيقي وراء تراجُع السيسي عن حضور المؤتمر في اللحظات الأخيرة، بعدما كانت قوات الحرس الجمهوري قد تسلّمت قاعة مؤتمرات الأزهر التي عُقد فيها المؤتمر، وكانت قد وجّهت الدعوات إلى الشخصيات العامة من جانب مؤسسة الرئاسة مدوّناً بها تأكيد رعاية السيسي ومشاركته في حفل الافتتاح.
في السياق، قالت مصادر سياسية مقربة من شيخ الأزهر وتتمتع بعلاقات جيدة بدوائر صناعة القرار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطيب رجل واضح وصريح ويعتبر نفسه مدافعاً عن الدين بحكم موقعه، وهو ما يجعله غير مأمون العواقب بالنسبة إلى الرئاسة، وهناك دائماً مخاوف من المحيطين بالرئيس من أي نقاش بين الرجلين خلال أي فعاليات يوجدان فيها". وكشفت المصادر أنّ الخلافات بين الرئيس المصري وشيخ الأزهر هدأت كثيراً في الفترة الأخيرة بعدما تدخلت أطراف خليجية، وتحديداً ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، للوساطة بين الرجلين، وليقنع الطيب بعدم إثارة أي أزمات وعدم التعرّض لأيّ قضايا سياسية.
وقالت المصادر إنّ الطيب قال لمقربين منه بشأن الخلاف مع ما تروّجه القيادة السياسية وبعض المقربين منها بشأن الأزهر وتجديد الخطاب الديني، إنه "ليست له علاقة بالسياسة، لا من قريب أو بعيد، وإنه زاهد في الحياة أو المناصب أو المكاسب الدنيوية، لكنه لن يجامل أحداً مهما كان في دين الله، وإنه بحكم منصبه وموقعه، حارسٌ أمينٌ على الدين الإسلامي، ولن يلقى الله مفرِّط في تلك الأمانة".
وبحسب المصادر، فإنّ أزمة الطيب الحقيقية تكمن في محاولات الهجوم على الأزهر والدين الإسلامي عموماً لأغراض سياسية، سواء من قِبل بعض المسؤولين والمنتسبين إلى الأزهر، تارةً في محاولة للتقرّب إلى السيسي والسعي لكسب مناصب، وتارةً أخرى من جانب القيادة السياسية للترويج لنفسها في الخارج، محاولةً كسب دعم وشرعية دولية. ولعل هذا ما لمّح إليه شيخ الأزهر نفسه في معرض رده على رئيس جامعة القاهرة، عندما قال له إنّ "التراث ليس مسؤولاً عن الفتنة، ولكن السياسة تختطف الدين اختطافاً في الشرق والغرب، حينما يريد أصحابها تحقيق هدف لا يرضاه الدين"، مشيراً إلى أنّ "البعض يلجأ للدين عندما يريد اتخاذ مواقف سياسية لتبريرها".
ولفتت المصادر إلى أنّ الطيب يرى أنّ الأمر تحوّل من مطالب عامة بتنقية التراث من بعض المغالطات التي دُسّت عليه في حقب زمنية مختلفة، إلى مطالبات بتغيير الثوابت وأصول العقيدة وحتى الآيات القرآنية. وبحسب مصدر مقرب من مؤسسة الرئاسة، فإنّ ولي عهد أبوظبي أقنع السيسي بتجنّب الدخول في صدام مع شيخ الأزهر لما يملكه الأخير من شعبية واسعة، ناصحاً إياه بترك الحديث عن تلك القضايا لآخرين غير محسوبين عليه، ويكونون من المؤسسات الدينية.