الحرب الأهلية هي شرخ في التماسك والتضامن الاجتماعي أو تبديد للسِّلْم الاجتماعي؛ حتى يصبح الجميع أعداءً، فيفقد الإنسان زمام ذاته ويصبح معها في حالة غير طبيعية ولا يدري ما يفعله؛ وينخرط في عنف جماعي أعمى، فالحرب الأهلية هي حالة من الهرج والمرج والعنف الجماعي بين مكونات المجتمع الواحد. هكذا يُعرف مركز التنوع للدراسات مصطلح الحرب الأهلية. بالانطلاق من هذا التعريف ومن خلال الحوار مع الخبراء المتخصصين فى فهم فلسفة وطبيعة الحروب الأهلية ومآلاتها الدامية، سنحاول الإجابة عن هذا السؤال المركزي: هل مصر فعلاً مهددة بوقوع حرب أهلية؟
من أجل فهم البيئة السيكولوجية التى تحتضن النزاعات الأهلية والتوترات الاجتماعية وتحفزها يشرح لنا الفليسوف التونسي/ حسن بن حسن، الظروف النفسية التي تسيطر على المجتمع المُهدد بالحرب الأهلية، فيقول: "في حالات النزاع الاجتماعي الحاد بين مكونات المجتمع الواحد سواء كان النزاع ذو خلفية طائفية مثل النزاع بين السنة والشيعة أو ذو طبيعة سياسية صراعية، يصبح كل مكون اجتماعي في نظر الآخر المخالف له هو الشيطان الرجيم ليس فيه ذرة من خير وبقية من انسانية ويجب التخلص منه لأنه أصبح شراً مُطلقاً، وينتج عن هذه الحالة من العداء أن ينغلق كل مكون على نفسه فلا يقبل التوجية والنقد إلا من داخله فقط ويُصاب بحالة تُسمّى (انغلاق الذات) ويبدأ كل طرف متورط في الصراع في نسج قصصه الخاصة به عن طبيعة الصراع، ويصبح لكل مكون مصادره الخاصة فى الأخبار والتصورات، ويسود بين الجميع منطق الثأر والانتقام وتنتشر في المجتمع حالة من الخوف والقلق على الحاضر والمستقبل".
الواقع المصري
فى ضوء تعريف الحرب الأهلية السابق وخصائصها السيكولوجية، نُدرك أن مصر باتت تتوفر فيها مؤشرات قوية على حدوث حرب أهلية خاصة بعد يوم 30 يونيو/ حزيران 2013 وما تبعه من أحداث سياسية مفصلية عميقة، فأطراف الصراع السياسي المُنخرطة في النزاع وصلت لمرحلة كبيرة من الكراهية والعداء والتحريض ضد بعضها البعض. المراقب للإعلام المصري سواء المنطلق من داخل مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر أو الذي يبث من تركيا، سيجد التحريض المتبادل بالقتل والثأر من الطرف الآخر عبر استخدام طريقة النداء العام للجماهير، وقد بلغ التحريض منحدراً خطيراً متمثلاً فى استخدام الخطاب الديني الذي يُسوغ القتل على لسان رموز دينية مشهورة ولها رصيد شعبي مُعتبر، ويُضاف إلى ذلك ممارسات أجهزة الدولة الأمنية للتعذيب المُمنهج والقتل المباشر فى الشوراع، دون التقيد بالقانون والدستور، وفي المقابل نجد العمليات الإرهابية الدامية التي تستهدف أفراد الجيش والشرطة في شبة جزيرة سيناء والتي أوقعت العديد من القتلى والجرحى، فالصراع السياسي القائم الآن أصبحت له آثار اجتماعية غائرة وصلت لمستوى العداء بين أفراد الأسرة الواحدة والشارع الواحد والقرية الواحدة.
يعتبر د. عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة رشد التركية، الحديث عن احتمالات الحرب الأهلية يرتبط بالعديد من الاعتبارات، أولها "العوامل الدافعة نحو هذه الحرب، وتتمثل في الممارسات السلبية من جانب الأجهزة الأمنية والعسكرية في مختلف المحافظات، وتحديداً في شبه جزيرة سيناء، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية ظهور عدد من التكوينات والحركات التي تتبنى العنف وتقوم بعمليات نوعية رداً على ممارسات هذه الأجهزة، ومن ناحية ثالثة تنامي اليأس والإحباط بين قطاعات واسعة من الشباب والمواطنين جراء تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية منذ ثورة يناير وحتى الآن".
يتابع د.عبد الشافي "وفي المقابل توجد مجموعة من العوامل التي يمكن أن تشكل حائط صد في مواجهة هذا السيناريو لعل في مقدمتها، وجود كيانات كبيرة تنظيمية يمكنها من خلال السيطرة على أعضائها وقف الانجراف نحو هذا السيناريو، مثل الإخوان المسلمين والتيارات السلفية، وكذلك تعدد الرموز الدينية والسياسية التي يمكنها التأثير في مسار مثل هذا السيناريو، يضاف إلى ذلك تأثير البيئة الدولية والإقليمية وإلى أي مدى يمكن أن تشكل دافعاً أم عائقاً أمام الدخول في هذا السيناريو..".
في إطار هذه الاعتبارات قناعتي الشخصية، أن الحرب الأهلية ليست بعيدة، ولكنها متوقعة لأن سلطة الانقلاب العسكري تدفع إليها دفعاً حتى تجد مبررات لقمعها من ناحية، وتجد فزاعة تسوقها أمام داعميها في الداخل والخارج.
الخيط الناظم في هذا التحقيق والذي يشترك فيه الخبراء، هو توفر العوامل الرئيسة والبيئة الحاضنة لحدوث حرب أهلية بين مكونات المجتمع المصري بدرجة كبيرة، بمعنى أن سيناريو الحرب الأهلية ليس مستبعداً إذا لم يتدراك المصريون الأمر بقوة ويسعوا نحو التوافق والوئام؛ فالباحث السياسي والصحفي عصام عبد العزيز يعلق بالتالي: "عندما قال السيسي لن أكبل أيدي المصريين من القصاص والثأر لشهداء سيناء" لا تأويل له عندي سوى أنها إشارة وتوجيه لكل البلطجية والأجهزة القذرة للبدء فى حرب أهلية في مصر، كل الشواهد منذ توليه إدارة المشهد المصري وحتى الآن، تؤكد أنه كان يسعى سعياً حثيثاً للوصول إلى هذه المرحلة، من ذلك: استخدامه للقوة الدموية في فض اعتصامي رابعة والنهضة وما يتركه ذلك من رد فعل، حملات الاعتقال الشاملة العشوائية والتي طالت أكثر من 40 ألف معتقل، الحملات الإعلامية الممنهجة المحرضة على العنف والقتل ليل نهار، هذا وغيره، يعتبر تربة خصبة لإشعال نار تأكل الأخضر واليابس.
الرأي الآخر
على الطرف الآخر، يرى عدد من الباحثين أن مصر رغم ما فيها من نذر حرب أهلية إلا أنها غير مهددة بالوقوع فى براثنها المؤلمة. فالباحث في الشؤون السياسية مصطفى عاشور يرى "أن خطوط الانقسام البشري والاقتصادي والديني غير متوازية ولكنها متداخلة؛ بمعنى أننا لسنا أمام أقلية دينية تعاني ظلماً اقتصادياً واجتماعياً وتعيش في منطقة جغرافية محددة ومعزولة، مثل هذه الأمور تخلق شعوراً بالهوية الموازية والرغبة في الانفصال أو الثأر أو الاحتراب الداخلي، وهذا لا يمنع من حدوث احتكاكات وأزمات مجتمعية في مصر، لكن مسألة الحرب الأهلية مستبعدة، وما نستطيع أن نقوله في أوضاع مصر الحالية هو أزمات مجتمعية في علاقة بعض القوى والأطراف والمناطق مع السلطة قد تسقط ضحايا..، لكنها لا تخلق انقساماً أو حرباً أهلية.
ويؤكد الدكتور النفسي أحمد عبدالله ما ذهب إليه عاشور بقوله "أتمنى أن لا تنزلق مصر إلى حرب أهلية على الأقل في الوقت الحاضر، لأنه لا توجد أسباب حقيقية لها ولا فوائد مترتبة عليها؛ فالمصريون خائفون ويتقاتلون لمصلحة أعدائهم الحقيقيين، والقيادات المتناحرة تنتمي إلى نفس العقلية والتاريخ والمخيلة البائسة والعالم المتداعي حالياً. لكن في حالة قصر وعي المصريين عن إدراك الحقائق، يمكن جداً أن يتقاتلوا في حرب طاحنة على أوهام يتوهمونها وأساطير يتداولونها وستكون حرباً سيلعنهم عليها أبناؤهم، لأنها ستكون حرباً بلا معنى ولا جدوى، وبلا خلاف حقيقي أو هدف".
فى الختام نجد أن القاسم المُشترك بين كل الخبراء، أن أوضاع مصر الاجتماعية والسياسية تحتاج وبشكل عاجل لمبضع جراح رحيم يجمع شتات الشعب ويبسط رداء العدالة والمساواة، ويسعى لتحقيق حلم ثورة 25 يناير، الذي جمع المصريين على هدف واحد عيش حرية عدالة اجتماعية، حتى يُبعد مصر الحبيبة عن أتون الحرب الأهلية.