قلبت منى حاطوم الطاولة على الظرف الذي يحاول أسر البشر في صور نمطية واستبدلت حالة اللجوء بحالة المنفى كتحدٍّ وجودي وأرض لا تُمتلك إلا بالإبداع. لم تتحدث كثيراً خلال مسيرتها المعمّدة بشيء من الصمت وبكثير من العمل. كسرت الشابة منى أُطراً كانت في انتظارها مع جميع تلك الصور الجاهزة التي تحاول أسر الأفراد والقضايا بل وأسر الفنانين أنفسهم.
تقول سيرتها إنها ولدت في بيروت عام 1952 لأبوين لاجئين من مدينة حيفا عام 1948، ونتتبعها طالبة للفن في لندن النصف الثاني من السبعينيات، عندما اشتعلت "الحرب الأهلية" اللبنانية. سرعان ما ستنهي دراستها وتبدأ حياتها الفنية ضد قيم السوق، في حقبة سياسية قاتمة وسمَتها آنذاك سياسات مارغريت تاتشر. تكتسب الجنسية البريطانية بعد ذلك، ولكن هويتها الفنية تبدو متجاوزةً للهويات التي "تُمنح" أو لا "تُمنح" بسبب الإقامة أو السياسة.
مبكّراً هجرت الرسم إلى فن أدائي ومفاهيمي يتلاءم مع تعقيدات ما تود قوله. ورغم أن الفن المفاهيمي هو فن أفكار بطبيعته، إلا أن سحر الفن هو ما يشحن أعمالها بالطاقة ويجعلها مؤثرة.
"جملة خفيفة"، 1992 |
الخروج سمة أساسية لدى حاطوم التي لا يمكن التنبؤ بمساراتها ونقلاتها بين الأفكار والخامات وأمكنة التنفيذ والعلاقة الجدلية بين هذه العناصر. الخامات تبدأ من جسدها، ويمكن أن تشمل كل ما يقع عليه بصرها من أغراض يوفرها المحيط الجديد وما يمكنها استعماله أو تصنيعه أو استلهامه. ودائماً تكمن قوة أعمالها في اتساع مساحات تأويلها وما تكشفه من تناقضات أو هيمنة.
لم تفتح حاطوم الباب مرة واحدة على مصراعيه لخطاب سياسي مباشر، هي التي اختارت على الدوام لغة الفن، لكن موارباتها السياسية تكشف عن تصدّع العدالة في العالم وعن الإنسان الفلسطيني الذي أخذ مأزقه يضيق منذ "طاولة المفاوضات" عملها الأدائي الذي قدّمته عام 1993. كان المسجى على الطاولة في ذلك العمل جسد الفنانة لا غير. أبعد من التضحية وأبعد من الفداء يذهب مقترحها. ألهذا يبدو لنا الفن مائدة للقاء. ألهذا نتخيلها الآن مائدة ممدودة.. في حيفا مثلاً؟