03 مارس 2022
ماذا بعد خطاب عبّاس؟
الآن وقد بلغ الأمر أشدّه، وقال الكل كل ما عنده، في صفقةٍ قيل فيها كثيرٌ من الشيء وضده. ماذا بعد؟ السؤال هنا غير موجّه إلى الإسرائيلي، ولا ينتظر إجابة منه، إذ من الحتمي أن هذا الأخير سيشرع في تنفيذ بنود كتاب ترامب الأسود من دون تمهّل، وسنرى، خلال أيام قليلة، الجرّافات الإسرائيلية تجيب على سؤال: ماذا بعد؟ برسم جغرافيا جديدة على الأرض. ولكل عاقلٍ أن يفهم أن الضوء الأخضر الذي عاد به نتنياهو من واشنطن، وسيشرع في تنفيذ بنوده بأقصى سرعة، لا يمكن مواجهته بخطاباتٍ عنتريةٍ، أو دبلوماسية عرجاء تتسول تعاطف العالم وتفهمه، ولا تكبحه وقفات احتجاج على ضوء الشموع، وإنما يحتاج إلى استراتيجية عمل وطنية تنسخ ما قبلها من تراث "أوسلو" المسخ.
ماذا بعد؟ سؤال مُلحّ على طاولة الفلسطيني الرسمي. هل يكفي ما سمعناه من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في خطاب "مُكتجل"، أي بعضه مكتوب وأكثره مرتجل، لمواجهة الاندفاعة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية؟ وهل من تفسير لبرودة رد فعل قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير إزاء مشروع أقل ما يقال فيه إنه تصفية للقضية الفلسطينية؟ وهل وصل العجز الفلسطيني إلى مجرّد اجترار التاريخ، والتغنّي بأمجاد الانضمام لمنظمات دولية وإقليمية، يعلم الرئيس أبو مازن، أكثر من غيره، أن معظمها لا تحلّ ولا تربط، وأكثرها مجرّد بيوت تقاعد لدبلوماسيين سابقين أو متدربين مبتدئين؟
صحيحٌ أن الساحة الدولية أُغلقت أمام الفلسطيني، بفعل انحياز الإدارة الأميركية السافر إلى صف إسرائيل، مع هيمنة يمين مسيحي صهيوني على مراكز صناعة القرار الأميركي، وتزامن ذلك مع تراجع الدور الأوروبي، الباهت أصلاً، وانصراف الروسي إلى أولوياتٍ أخرى قرّبته من الأجندة الإسرائيلية. وصحيحٌ أن ما جرى من خرابٍ في الساحة العربية أصاب القضية الفلسطينية في مقتل، وقد تخلّى عربٌ كثيرون عن قضيتهم الأولى، صاغرين أو مجبرين. ومع ذلك، لا تكفي مواجهة برنامج ترامب - نتنياهو بخطواتٍ ضئيلةٍ من قبيل الدعوة إلى اجتماع لجامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو غيرهما، فقد توقّع الشعب الفلسطيني أن تتمخض اجتماعات القيادة الفلسطينية عن شيء أكبر وأكثر جدّية، من قبيل تنفيذ قرارات سابقة لهيئات فلسطينية، معتبرة، كالمجلس المركزي، أعلى سلطة تشريعية بعد المجلس الوطني الفلسطيني، والسلطة التمثيلية الوحيدة بعدما حل أبو مازن المجلس التشريعي في ديسمبر/كانون الأول 2018، والمقصود هنا وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وهو أضعف الإيمان. ربما كانت العبارة الوحيدة التي خفّفت صدمة الجمهور الفلسطيني، وخيبة أمله المتجددة في قيادته، قول الرئيس أبو مازن أنه سيشرع في خطواتٍ سريعة للمصالحة مع حركة حماس، وإنهاء انقسام مزمنٍ شلَّ طاقات الشعب، وطوّق الفلسطيني بأحزمة من اليأس والإحباط والضعف، مما جرّأ الرئيس الأميركي و"أولاد كلب" آخرين للتصرّف في حقوق فلسطينية ثابتة وشرعية وغير قابلة للتصرف.
المباشرة في المصالحة وإنهاء الانقسام خطوة مهمة وحيوية، ولكنها للأسف غير كافية، أو على الأصح، لن تكون كافيةً ما لم تتزامن وتتوازَ مع خطواتٍ أخرى، في مقدّمتها اتفاق المجموع الفلسطيني على استراتيجية مقاومة، لا مهرجانية أو موسمية، بل جادّة، قادرة على وقف جرّافات تسعى إلى تسوية الحقوق الفلسطينية بالأرض. استراتيجية تُفرج عن الطاقات الفلسطينية من معتقل "الدور الوظيفي" إلى ساحات النضال على قاعدة الحقوق الوطنية المشروعة. استراتيجية تتبنّى فك الارتباط الكامل مع الاحتلال، وتستبدله باشتباك كامل مع المحتل على جميع الصعد. استراتيجية تؤسّس لاقتصاد مقاوم، وترمّم نسيج المجتمع الفلسطيني.
ما طرحه ترامب ونتنياهو في واشنطن ليس صفقة، وليس خطة، وليس رؤية، إنما هو كتاب أسود يتضمن برنامج عمل تنفيذيا. وبالتالي لا تكفي مواجهته بالبيانات والخطابات، ولا تُرجى مقاومته بالرفض أو القبول في صالات منظمات إقليمية ودولية بالية، إنما يحتاج إلى برنامج عمل وطني مقاوم، ينسخ ما قبله من مشاريع وهم فرطت في أكثر من 80% من فلسطين التاريخية.
صحيحٌ أن الساحة الدولية أُغلقت أمام الفلسطيني، بفعل انحياز الإدارة الأميركية السافر إلى صف إسرائيل، مع هيمنة يمين مسيحي صهيوني على مراكز صناعة القرار الأميركي، وتزامن ذلك مع تراجع الدور الأوروبي، الباهت أصلاً، وانصراف الروسي إلى أولوياتٍ أخرى قرّبته من الأجندة الإسرائيلية. وصحيحٌ أن ما جرى من خرابٍ في الساحة العربية أصاب القضية الفلسطينية في مقتل، وقد تخلّى عربٌ كثيرون عن قضيتهم الأولى، صاغرين أو مجبرين. ومع ذلك، لا تكفي مواجهة برنامج ترامب - نتنياهو بخطواتٍ ضئيلةٍ من قبيل الدعوة إلى اجتماع لجامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو غيرهما، فقد توقّع الشعب الفلسطيني أن تتمخض اجتماعات القيادة الفلسطينية عن شيء أكبر وأكثر جدّية، من قبيل تنفيذ قرارات سابقة لهيئات فلسطينية، معتبرة، كالمجلس المركزي، أعلى سلطة تشريعية بعد المجلس الوطني الفلسطيني، والسلطة التمثيلية الوحيدة بعدما حل أبو مازن المجلس التشريعي في ديسمبر/كانون الأول 2018، والمقصود هنا وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وهو أضعف الإيمان. ربما كانت العبارة الوحيدة التي خفّفت صدمة الجمهور الفلسطيني، وخيبة أمله المتجددة في قيادته، قول الرئيس أبو مازن أنه سيشرع في خطواتٍ سريعة للمصالحة مع حركة حماس، وإنهاء انقسام مزمنٍ شلَّ طاقات الشعب، وطوّق الفلسطيني بأحزمة من اليأس والإحباط والضعف، مما جرّأ الرئيس الأميركي و"أولاد كلب" آخرين للتصرّف في حقوق فلسطينية ثابتة وشرعية وغير قابلة للتصرف.
المباشرة في المصالحة وإنهاء الانقسام خطوة مهمة وحيوية، ولكنها للأسف غير كافية، أو على الأصح، لن تكون كافيةً ما لم تتزامن وتتوازَ مع خطواتٍ أخرى، في مقدّمتها اتفاق المجموع الفلسطيني على استراتيجية مقاومة، لا مهرجانية أو موسمية، بل جادّة، قادرة على وقف جرّافات تسعى إلى تسوية الحقوق الفلسطينية بالأرض. استراتيجية تُفرج عن الطاقات الفلسطينية من معتقل "الدور الوظيفي" إلى ساحات النضال على قاعدة الحقوق الوطنية المشروعة. استراتيجية تتبنّى فك الارتباط الكامل مع الاحتلال، وتستبدله باشتباك كامل مع المحتل على جميع الصعد. استراتيجية تؤسّس لاقتصاد مقاوم، وترمّم نسيج المجتمع الفلسطيني.
ما طرحه ترامب ونتنياهو في واشنطن ليس صفقة، وليس خطة، وليس رؤية، إنما هو كتاب أسود يتضمن برنامج عمل تنفيذيا. وبالتالي لا تكفي مواجهته بالبيانات والخطابات، ولا تُرجى مقاومته بالرفض أو القبول في صالات منظمات إقليمية ودولية بالية، إنما يحتاج إلى برنامج عمل وطني مقاوم، ينسخ ما قبله من مشاريع وهم فرطت في أكثر من 80% من فلسطين التاريخية.