ماذا تجنيه الإمارات من تحالفها مع إسرائيل؟
لم يمثل تصريح وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، أخيرا، لشبكة فوكس نيوز الإخبارية، مفاجأةً، إن الإمارات وإسرائيل توصلتا إلى اتفاقٍ لتشكيل تحالفٍ بينهما ضد إيران، فقد بات واضحا أن البلدين انخرطا، على مدى السنوات القليلة الماضية، بجد لنسج خيوط هذا التحالف، قبل أن يتم الإعلان عنه بصيغة معاهدة سلام وتطبيع للعلاقات الشهر الماضي. أهمية هذا التصريح تنبع، في حقيقة الأمر، من دلالته على عمق التحوّلات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، والتطوّر الذي طاول خصوصا العقيدة الأمنية الإسرائيلية، ولم تفلح معه المعارضة اللفظية التي أبدتها إسرائيل لبيع الإمارات طائرات إف 35 في تغيير التقديرات بشأنه، إذ كان الغرض منها، كما تبين، محاولة ابتزاز واشنطن للحصول على مزيد من المساعدات أكثر منها عدم ثقة إسرائيلية بالعلاقة مع الإمارات التي تجاوزت إسرائيل في مواقفها من التيارات الإسلامية ومن تركيا وإيران وغيرها.
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وعلى الرغم من خسارة العرب في حرب العام 1948، وسيطرة اليهود على نحو 78% من أرض فلسطين التاريخية، ظل قادة الكيان الجديد غير واثقين من قدرتهم على الصمود في محيط عربي تحولت قضية فلسطين إلى رمز لكرامته ونهوضه كأمة. ومن واقع الظروف التي وجدت نفسها فيها، طوّرت إسرائيل عقيدتها الأمنية، فتبنّى ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل (1948 - 1963) نظرية "الجدار الحديدي" التي كان وضعها مؤسّس ما يسمّى "الصهيونية التنقيحية"، زئيف جابوتنسكي، في مقالة نشرها في روسيا عام 1923. لكن هذه النظرية كان من شأنها أن تحوّل إسرائيل الى غيتو معزول في محيط عربي – إسلامي، يزيد، بدل أن يقلل، من فرص القضاء عليها. لذلك طوّر بن غوريون استراتيجية جديدة تمكّن إسرائيل من القفز على الجغرافيا والديموغرافيا العربية، أطلق عليها اسم نظرية الأطراف (PREIPHERY DOCTRINE). تمحورت النظرية حول إنشاء علاقات وثيقة مع دول الطوق التي تحيط بالعالم العربي، إيران وتركيا وإثيوبيا، وكانت تحكمها جميعا في تلك الفترة حكومات وأنظمة حليفة للغرب، ومعادية للمد القومي العربي وحواضره الرئيسة (القاهرة وبغداد ودمشق). وبالفعل، ساهمت هذه الدول في تخفيف الضغط العربي عن إسرائيل، فالتهديد التركي كان دائم الحضور في أذهان السوريين، وكانت أزمة 1957 أبرز تعبير عنه، وأحد أسباب لجوء سورية إلى الوحدة مع مصر لحماية نفسها منه. أما إيران فقد استطاعت أن تستنزف العراق، وتصرفه بعيدا عن الصراع مع إسرائيل. ويروي محمد حسنين هيكل، في كتابه "مدافع آية الله"، أن كيسنجر أبلغ السادات عام 1974 ألا يكترث لمعارضة العراق اتفاق فكّ الاشتباك في سيناء، لأن شاه إيران سيتكفل بإشغاله من خلال رفع مستوى دعمه التمرّد الكردي في الشمال. وكانت إثيوبيا دائمة الحضور في التفكير المصري، نظرا إلى العلاقة الوثيقة التي كانت تربط إمبراطورها هيلاسيلاسي بإسرائيل.
تغير هذا الوضع جذريا، على ما توحي به اتفاقية التحالف الإسرائيلي - الإماراتي، إذ باتت إسرائيل ترى في الأنظمة العربية القائمة من مصر إلى أبوظبي حليفا "استراتيجيا" في مواجهة صعود تركي وإيراني في غرب آسيا يمثل تهديدا بالنسبة لها. وأن هذا التهديد نشأ أصلا من تضافر مجموعة من العناصر، منها الانكفاء الأميركي، وطموحات تركيا وإيران لملء الفراغ، لكن الأهم هو انهيار الحواضر العربية الكبرى ومتاخمة إيران وتركيا إسرائيل وانتقال العلاقة معها من طور التعاون إلى طور التنافس.
كيف يبدو المشهد الآن؟ بائسًا، ينقسم فيه العرب إلى ثلاثة معسكرات، يلتحق كل منها بأحد المشاريع المتنافسة في المنطقة: تركيا وإيران وإسرائيل. وفيما تبدو سورية والعراق ساحة مستباحة يحتدم فيها الصراع بالنار بين هذه المشاريع الثلاثة، يجري دفع مصر إلى مواجهة في شرق المتوسط مع تركيا. ومع الإعلان عن تحالف إسرائيلي - إماراتي يزداد احتمال أن يتحوّل الخليج هو الآخر إلى ميدان حرب. وإذ تمتلك إيران وإسرائيل الاستراتيجية الدفاعية نفسها، وهي خوض حروبها على أرض الآخرين (Never on my land) يتساءل المرء حقًا عما تظن الإمارات أنها تحققه من وراء هذا التحالف، إذا باتت هي نفسها ساحة صراع؟