يمرّ المشهد أمام أعيننا كأنّه حاضر في ذاكرتنا، نحن اللواتي نتسلّق الجبال بالاتجاه الآخر، من الأعلى نحو كعب الوادي. نسمعه يقول: "تخيّلن أن 800 ناسك مارونيّ سكنوا وادي قنّوبين في الحقبة نفسها، أي في الدقيقة نفسها أو في اللحظة نفسها لأن الوادي يقاس بالزمن لا بالوقت".
ننظر نحو الأسفل ونحاول أن نتخيّل. يتابع: "إنّها فترة ما بعد الظهر، لحظات قصيرة تفصل بين النهار والليل، يتجمّع أو يتفرّق النساك ليشعلوا البخور. يحملون المباخر ويجولون بها، يبخرون المكان كما لو كانت تنقصه بعد قداسة". ننظر مرّة أخرى نحو الأسفل، فيما ننتظر التتمة.
"كان الدخان يتصاعد من اشتعال البخور. يتصاعد من كعب الوادي ويرتفع أكثر فأكثر حتّى يشكّل غيمة تطوف في الأعلى. تلتفّ الغيمة لتغمر الضيع المحيطة بالوادي، وتملأ الرائحة المكان، فيعرف الأهالي أن وقت الصلاة قد حان"، يقول لنا. "تخرج النساء من بيوتهنّ ويصلّين ويبخّرن الأماكن بأنفسهنّ، يصلّين جماعة علّ الغيمة تحمل الأدعية نحو الله".
نظرنا هذه المرّة نحو الأسفل فكان المشهد مختلفاً. كان النساك هنا، ولم يكونوا غرباء. كانوا أجدادنا، ورائحة البخور نفسها التي تتصاعد من مباخر جدّاتنا عندما يجلن بها في زوايا البيت. وكان الوادي بيتنا.
***
يشفق البعض على الجبال. يصيبهم حزن مفاجئ لأنّ الجبال تظلّ واقفة على أرجلها ولا تجلس. ولأن الجبال وحيدة لا يسكنها ساكن ولا يزورها زائر. يحزنون عليها لأنّها وحيدة ولأنّها خالية كعلبة هدايا يهرع إليها ولد، يفتحها، ينبض قلبه بسرعة ثم ينطفئ. يتحسّرون على مساحاتها الشاسعة، على هوائها الذي يشبه الربيع في الربيع والصيف في الصيف. ينتابهم شعور مفاجئ بالمسؤولية تجاه الجبل والطبيعة. ينتابهم شعور عاصف بضرورة القيام بالواجب، فيقرّرون الحفر في الجبل، والبحث في العمق عن الهدية، قبل أن يقرّروا صنعها بأنفسهم. يقيمون العمارات على الجبل، ويخففون بالتالي من وحشته.
ماذا يعني أن تكون جبلاً؟ يعني أن تظّلّ وحيداً، واقفاً على رجليك، ولا يزورك أحداً. أن تكون جبلاً يعني أن تكون العلبة هي الهديّة نفسها، وألّا تبحث فيها عن شيء، وألّا تكون في حاجة لأن تفتحها وتحفر في قلبها، ولا تتحسر على مساحاتها الشاسعة لأن الجبال لا تكون جبالاً من دونها. يعني ألّا تتحسّر على خلوّها لأن الجبال خلقت لتكون وحيدة. يعني أن تعرف أنّها ملك لك، لأنها كذلك، من دون أن تكون لك وحدك. ماذا تفعل الجبال في أوقات فراغها؟ تنتظر. تنتظر أن ندعها وشأنها.
اقــرأ أيضاً
ننظر نحو الأسفل ونحاول أن نتخيّل. يتابع: "إنّها فترة ما بعد الظهر، لحظات قصيرة تفصل بين النهار والليل، يتجمّع أو يتفرّق النساك ليشعلوا البخور. يحملون المباخر ويجولون بها، يبخرون المكان كما لو كانت تنقصه بعد قداسة". ننظر مرّة أخرى نحو الأسفل، فيما ننتظر التتمة.
"كان الدخان يتصاعد من اشتعال البخور. يتصاعد من كعب الوادي ويرتفع أكثر فأكثر حتّى يشكّل غيمة تطوف في الأعلى. تلتفّ الغيمة لتغمر الضيع المحيطة بالوادي، وتملأ الرائحة المكان، فيعرف الأهالي أن وقت الصلاة قد حان"، يقول لنا. "تخرج النساء من بيوتهنّ ويصلّين ويبخّرن الأماكن بأنفسهنّ، يصلّين جماعة علّ الغيمة تحمل الأدعية نحو الله".
نظرنا هذه المرّة نحو الأسفل فكان المشهد مختلفاً. كان النساك هنا، ولم يكونوا غرباء. كانوا أجدادنا، ورائحة البخور نفسها التي تتصاعد من مباخر جدّاتنا عندما يجلن بها في زوايا البيت. وكان الوادي بيتنا.
***
يشفق البعض على الجبال. يصيبهم حزن مفاجئ لأنّ الجبال تظلّ واقفة على أرجلها ولا تجلس. ولأن الجبال وحيدة لا يسكنها ساكن ولا يزورها زائر. يحزنون عليها لأنّها وحيدة ولأنّها خالية كعلبة هدايا يهرع إليها ولد، يفتحها، ينبض قلبه بسرعة ثم ينطفئ. يتحسّرون على مساحاتها الشاسعة، على هوائها الذي يشبه الربيع في الربيع والصيف في الصيف. ينتابهم شعور مفاجئ بالمسؤولية تجاه الجبل والطبيعة. ينتابهم شعور عاصف بضرورة القيام بالواجب، فيقرّرون الحفر في الجبل، والبحث في العمق عن الهدية، قبل أن يقرّروا صنعها بأنفسهم. يقيمون العمارات على الجبل، ويخففون بالتالي من وحشته.
ماذا يعني أن تكون جبلاً؟ يعني أن تظّلّ وحيداً، واقفاً على رجليك، ولا يزورك أحداً. أن تكون جبلاً يعني أن تكون العلبة هي الهديّة نفسها، وألّا تبحث فيها عن شيء، وألّا تكون في حاجة لأن تفتحها وتحفر في قلبها، ولا تتحسر على مساحاتها الشاسعة لأن الجبال لا تكون جبالاً من دونها. يعني ألّا تتحسّر على خلوّها لأن الجبال خلقت لتكون وحيدة. يعني أن تعرف أنّها ملك لك، لأنها كذلك، من دون أن تكون لك وحدك. ماذا تفعل الجبال في أوقات فراغها؟ تنتظر. تنتظر أن ندعها وشأنها.