15 سبتمبر 2021
ماذا يجري في اليمن؟
أعلم أن حديثي، اليوم، لن يعجب كثيرين مهتمين بالشأن اليمني. ولكن، إيماناً بحرية الرأي في بلادي قطر، والتزاماً بالمسؤولية، من حقي أن أبدي رأيي، لعل كلماتي تسمع من به صمم من القيادات اليمنية ودول مجلس التعاون، قبل أن تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباها، ومن ثم نكون من النادمين.
(1)
كان لي رأي في المبادرة الخليجية في الشأن اليمني، قبل عزل علي عبد الله صالح، وقد أبديت ذلك الرأي، في حينه، في وسائل الإعلام، فلم أكن متفقا مع نصوص كثيرة فيها، ولست اليوم في حاجة إلى إعادة طرح وجهة نظري في تلك المبادرة التي أعطت صالح الحصانة الدائمة له، ولكل من عمل معه خلال ثلاثين عاماً ونيف، وأعطته الحق في نصف مقاعد السلطة التنفيذية والجيش والأمن، وأبقته رئيساً للمؤتمر الشعبي العام الذي يملك الأغلبية في البرلمان.
عندما كانت دول مجلس التعاون الخليجي المهتمة بالشأن اليمني تبحث عن بديل عن علي عبد الله صالح، كان رأيي لمن التقيت بهم ممن يستمعون إلى القول، لا تراهنوا على رجل ضعيف لقيادة اليمن، وكان همّ القوم في الشأن اليمني أمنياً أكثر منه سياسياً، وكانوا يبحثون عن رجل يستطيع أن يحقق لهم ولليمن الأمن، حسب تعريفهم للأمن، وينخرط في حرب القاعدة "الوهمية" في اليمن. تسربت المعلومات أن أعين أهلنا في مجلس التعاون شاخصة نحو نائب الرئيس في حينه، عبد ربه منصور هادي.
قلت لمن كان يستمع إليّ، إنكم إذا لمن الخاسرين، كيف تأتون برجلٍ، لم يقل كلمة واحدة علانية على مدى ثلاثين عاماً، ليقود اليمن في ظروف غاية في السوء، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وليس هناك انسجام اجتماعي من أجل الوحدة اليمنية، ودعاة الانفصال في الداخل وفي الخارج يعدّون العدة ليوم الفصل.
(3)
عُيّن عبد ربه منصور هادي رئيساً لجمهورية اليمن لفترة انتقالية، وجُدّد له لفترة أخرى، وفي كل يوم يزداد اليمن تدهوراً، فلا أمن استقر، ولا شبع من جوع تمّ، وتكاثر الوسطاء الإقليميون والدوليون لإصلاح الشأن اليمني، ولكن، من دون جدوى، لأن الرأس غير صالح، لأنه بلا رؤية لإنقاذ اليمن من التهلكة.
جنوب اليمن تعتصره الأزمات، ينشد بعضهم الانفصال عن الشمال، وإيران غير بعيدة عنهم،
وبعض يعمل على ترسيخ قواعد الوحدة، وثالث همّه تعظيم الأرباح الذاتية، ولا يهمه لمن تكون السيادة في جنوب اليمن، للوحدة أو للانفصال. العاصمة صنعاء بركان متفجر، الرئيس المحصن علي عبد الله صالح يتربص ويحيك خيوط اللعبة، بيده المال والقوة العسكرية المنظمة، له أنصاره، وأصحاب المصالح من حوله متربصون لإسقاط سلطة عبد ربه منصور غير الواعية. الجيش يتفكك لضعف القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الجمهورية القائل إن الجيش يجب أن يبقى محايداً في الصراعات المسلحة التي تعتصر اليمن، والحرس الجمهوري الموالي للرئيس المعزول يشتد ساعده. بدأ الزحف نحو العاصمة صنعاء من صعدة، واجتُث أهل دماج من منازلهم وشُتت شملهم، ووصلت جحافل الحوثي إلى عمران، وطوّق العاصمة صنعاء، والقيادة السياسية الانتقالية في صنعاء تتخبط، لأنها بلا مشروع لإدارة الدولة وأزماتها. تم الاستيلاء على العاصمة، واحتجز الرئيس المؤقت عبد ربه منصور وحكومته، ولم يعترف بأن العاصمة لم تعد تحت إمرته، إلا بعد وصوله فاراً إلى عدن، لأنه لا يرى ولا يسمع، فرح بالمنصب لا غير.
لم يتدخل الخليجيون، أصحاب الهمّ الأمني في اليمن، في كل ما كان يجري من دماج إلى صنعاء في الوقت المناسب، وانفلت الزمام من أيديهم، وأصبحوا بما فعلوا في اختيارهم الرجل الضعيف نادمين.
(4)
أحدث الرئيس عبد ربه منصور هادي، الأسبوع الماضي، زلزالاً سياسياً على مستوى السلطة التنفيذية، من دون تشاور مع نائبه رئيس وزرائه، أو حتى مع قيادات تكتل اللقاء المشترك. ويخالف ما أجراه الأعراف السياسية، ويضعف هيبة الدولة اليمنية في المجتمع الدولي، إذ يُظهر رئيس السلطة التنفيذية نائبه صورة لإكمال لوحة الديكور، ويظهر نفسه أمام الخلق أنه لا يعرف القواعد السياسية في إدارة الدولة. وليته، في تعديله الوزاري، أتى بشباب ثورة فبراير 2011 الذين أجبروا علي عبد الله صالح على تسليم السلطة رغم جبروته، وليته لم يقفز على قيادات "اللقاء المشترك" من دون مشورتهم. اختار، في تعديله غير الدستوري، وجوهاً قديمة، لم تنفع اليمن طوال ثلاثين عاماً، بعضهم ترجف يده عند تناول فنجان القهوة، بعضهم ذبلت ذاكرته إلا ذاكرة ريعان شبابه، بعضهم أقارب وبعض آخر عقارب. استثني من ذلك عبد الملك المخلافي الذي عيّن وزيراً للخارجية ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، فهو بلا سوابق في الإدارة اليمنية، ونتمنى له التوفيق، وعليه دور مهم في تقريب المواقف بين الرئيس ونائبه، ليظهر أمام الخلق في الداخل والخارج بأنه رجل الدولة، ومن شباب ثورة فبراير.
(5)
تنعقد قمة مجلس التعاون في الرياض الأسبوع المقبل، وملف اليمن أول الملفات أهمية. وفي هذا الشأن، إذا اختلف القادة الخليجيون لأي سبب كان، فقل على الخليج العربي السلام، عدو من الشمال الشرقي للخليج يتربص، وعدو في الجنوب مسلح ويقاتل. ودخل العراق، قبل أيام، أكثر من مليون إيراني، نُعت بأنه دخول مستنكر من العراق وإيران، ويراه كاتب هذه السطور دخولاً متفقاً عليه، وقد أصدرت الحكومة الإيرانية بيانا تؤكد فيه أن من سيعود إلى إيران من ذلك الزحف نحو العراق سيتعرض للمحاكمة (!)، ومعنى ذلك أن أحداً منهم لن يعود.
آخر القول: يرى الكاتب أن عبد ربه منصور لم يعد صالحاً لقيادة اليمن بمفرده، وعلى دول مجلس التعاون مساعدته في اختيار مجلس رئاسي لإدارة الدولة، أقترح أن يكون من أعضائه نائب الرئيس خالد بحاح، ووزير الخارجية المخلافي. حفظ الله اليمن، وحفظ الخليج من كل شر.
(1)
كان لي رأي في المبادرة الخليجية في الشأن اليمني، قبل عزل علي عبد الله صالح، وقد أبديت ذلك الرأي، في حينه، في وسائل الإعلام، فلم أكن متفقا مع نصوص كثيرة فيها، ولست اليوم في حاجة إلى إعادة طرح وجهة نظري في تلك المبادرة التي أعطت صالح الحصانة الدائمة له، ولكل من عمل معه خلال ثلاثين عاماً ونيف، وأعطته الحق في نصف مقاعد السلطة التنفيذية والجيش والأمن، وأبقته رئيساً للمؤتمر الشعبي العام الذي يملك الأغلبية في البرلمان.
عندما كانت دول مجلس التعاون الخليجي المهتمة بالشأن اليمني تبحث عن بديل عن علي عبد الله صالح، كان رأيي لمن التقيت بهم ممن يستمعون إلى القول، لا تراهنوا على رجل ضعيف لقيادة اليمن، وكان همّ القوم في الشأن اليمني أمنياً أكثر منه سياسياً، وكانوا يبحثون عن رجل يستطيع أن يحقق لهم ولليمن الأمن، حسب تعريفهم للأمن، وينخرط في حرب القاعدة "الوهمية" في اليمن. تسربت المعلومات أن أعين أهلنا في مجلس التعاون شاخصة نحو نائب الرئيس في حينه، عبد ربه منصور هادي.
قلت لمن كان يستمع إليّ، إنكم إذا لمن الخاسرين، كيف تأتون برجلٍ، لم يقل كلمة واحدة علانية على مدى ثلاثين عاماً، ليقود اليمن في ظروف غاية في السوء، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وليس هناك انسجام اجتماعي من أجل الوحدة اليمنية، ودعاة الانفصال في الداخل وفي الخارج يعدّون العدة ليوم الفصل.
(3)
عُيّن عبد ربه منصور هادي رئيساً لجمهورية اليمن لفترة انتقالية، وجُدّد له لفترة أخرى، وفي كل يوم يزداد اليمن تدهوراً، فلا أمن استقر، ولا شبع من جوع تمّ، وتكاثر الوسطاء الإقليميون والدوليون لإصلاح الشأن اليمني، ولكن، من دون جدوى، لأن الرأس غير صالح، لأنه بلا رؤية لإنقاذ اليمن من التهلكة.
جنوب اليمن تعتصره الأزمات، ينشد بعضهم الانفصال عن الشمال، وإيران غير بعيدة عنهم،
لم يتدخل الخليجيون، أصحاب الهمّ الأمني في اليمن، في كل ما كان يجري من دماج إلى صنعاء في الوقت المناسب، وانفلت الزمام من أيديهم، وأصبحوا بما فعلوا في اختيارهم الرجل الضعيف نادمين.
(4)
أحدث الرئيس عبد ربه منصور هادي، الأسبوع الماضي، زلزالاً سياسياً على مستوى السلطة التنفيذية، من دون تشاور مع نائبه رئيس وزرائه، أو حتى مع قيادات تكتل اللقاء المشترك. ويخالف ما أجراه الأعراف السياسية، ويضعف هيبة الدولة اليمنية في المجتمع الدولي، إذ يُظهر رئيس السلطة التنفيذية نائبه صورة لإكمال لوحة الديكور، ويظهر نفسه أمام الخلق أنه لا يعرف القواعد السياسية في إدارة الدولة. وليته، في تعديله الوزاري، أتى بشباب ثورة فبراير 2011 الذين أجبروا علي عبد الله صالح على تسليم السلطة رغم جبروته، وليته لم يقفز على قيادات "اللقاء المشترك" من دون مشورتهم. اختار، في تعديله غير الدستوري، وجوهاً قديمة، لم تنفع اليمن طوال ثلاثين عاماً، بعضهم ترجف يده عند تناول فنجان القهوة، بعضهم ذبلت ذاكرته إلا ذاكرة ريعان شبابه، بعضهم أقارب وبعض آخر عقارب. استثني من ذلك عبد الملك المخلافي الذي عيّن وزيراً للخارجية ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، فهو بلا سوابق في الإدارة اليمنية، ونتمنى له التوفيق، وعليه دور مهم في تقريب المواقف بين الرئيس ونائبه، ليظهر أمام الخلق في الداخل والخارج بأنه رجل الدولة، ومن شباب ثورة فبراير.
(5)
تنعقد قمة مجلس التعاون في الرياض الأسبوع المقبل، وملف اليمن أول الملفات أهمية. وفي هذا الشأن، إذا اختلف القادة الخليجيون لأي سبب كان، فقل على الخليج العربي السلام، عدو من الشمال الشرقي للخليج يتربص، وعدو في الجنوب مسلح ويقاتل. ودخل العراق، قبل أيام، أكثر من مليون إيراني، نُعت بأنه دخول مستنكر من العراق وإيران، ويراه كاتب هذه السطور دخولاً متفقاً عليه، وقد أصدرت الحكومة الإيرانية بيانا تؤكد فيه أن من سيعود إلى إيران من ذلك الزحف نحو العراق سيتعرض للمحاكمة (!)، ومعنى ذلك أن أحداً منهم لن يعود.
آخر القول: يرى الكاتب أن عبد ربه منصور لم يعد صالحاً لقيادة اليمن بمفرده، وعلى دول مجلس التعاون مساعدته في اختيار مجلس رئاسي لإدارة الدولة، أقترح أن يكون من أعضائه نائب الرئيس خالد بحاح، ووزير الخارجية المخلافي. حفظ الله اليمن، وحفظ الخليج من كل شر.