ماذا يحدث داخل الإخوان؟
ما حدث من رفض معلن لكلام القيادة يؤكد أن الثورة وصلت إلى شباب الإخوان، وأن الجماعة تمر بمخاض شديد، يعقبه ميلاد يزلزل أركان الانقلابيين الذين تعودوا من الإخوان، خلال أكثر من ستين عاماً هي حكم العسكر، على نوع واحد من المقاومة، يتمثل في استخدام وسائل الديمقراطية المختلفة في النقابات والمؤسسات وخدمة أفراد الشعب، من خلال الجمعيات الخيرية، وأنهم يواجهون الاعتقال والتعذيب بكثير من الصبر والتحمل والحديث عن الابتلاءات المصاحبة لحياة أي داعية، بل والدعوة إلى عدم الإساءة لمن يعذبونهم أو يقتلونهم، وكما قال غزلان (ورغم أن العدوان الإرهابي الدموي الذي يمارسه الانقلابيون الفاشيون قد يدفع بعض الشباب للكفر بالديمقراطية، والتطلع لرد العنف بمثله، إلا أن الإخوان، ومعهم غالبية الشعب، سيصبرون على منهجهم السلمي) فإذا بجيل جديد يرفض الصبر على الظلم، ولا ينتظر أن يقدم خده الأيسر لمن يصفعه على خده الأيمن، ويرى أن مقاومة الظالم بثورية، ومن دون الاعتداء على حق الغير هو من قبيل الحقوق المشروعة التي كفلها الشرع والقانون، ولا يمكن أن يسلبه أحد، مهما كانت قوته، فجددت الجماعة نفسها، وتطورت فكرياً، قبل أن يكون ذلك بتغيير القيادات وإعادة تنظيم العمل.
ثم جاءت حرب التصريحات والبيانات المضادة بشأن من يقود المرحلة؟ فقد نشر محمود حسين، الأمين العام للجماعة (سابقاً) وما بين القوسين هو ما ورد ببيان المتحدث الرسمي للجماعة، أن مكتب الإرشاد وباقي المؤسسات ما زالت تعمل، كسابق عهدها، وأنه تمت تسمية مرشد جديد، حتى يخرج المرشد من المعتقل، وكان الرد السريع ببيان من المتحدث الإعلامي للجماعة، محمد منتصر، يؤكد أن الجماعة متمسكة بالنهج الثوري، وأن هناك انتخابات أجريت، أسفر عنها تصعيد قيادات شابة، وأنه تم تعيين أمين عام للجماعة، لم يسمه منتصر.
لا تكمن أهمية بيان المتحدث الإعلامي في أنها أكدت تغييرات في القيادات، وأن الشباب أصبح لهم دور مؤثر في قيادة العمل فحسب، بل إن تفاعلات شباب الجماعة المرحبة بالبيان وبالنهج الثوري، من خلال تعليقاتهم في وسائل التواصل، تؤكد أن الثورة المصرية ستنجح، وأن جماعة الإخوان استفادت من تجاربها المريرة مع العسكر وبطشه، وأن انتشار هذا النهج الثوري سيعبر، لا محالة، الحدود، فجماعة بثقل جماعة الإخوان لا يقتصر تأثيرها على منطقة جغرافية واحدة، وإن كانت أهميتها كبيرة.
وجاء بيان الكنانة الصادر عن أكثر من عشر هيئات إسلامية عالمية، بخلاف نحو سبعين عالماً، ليؤكد أن (المنظومة الحاكمة في مصر مجرمة قاتلة، انقلبت على إرادة الأمة واختيارها، وخطفت رئيسها الشرعي المنتخب، واغتصب قائد الانقلاب كرسي الرئاسة بانتخابات صورية مزورة.. هذه المنظومة قتلت الآلاف بغير حق، واعتقلت عشرات الآلاف بلا مسوِّغ، وحكمت بالإعدام والسجن على الآلاف، من خيرة رجال مصر ونسائها، في قضايا ملفقة، وطاردت الآلاف داخل مصر وخارجها، وشردت آلاف الأسر، وظاهرت أعداء الأمة عليها، وفصلت تعسفيًّا مئات القضاة وأساتذة الجامعات والمدرسين والأئمة والخطباء وغيرهم؛ فارتكبوا، بذلك وغيره، المنكرات كلها، وانتهكت الحرمات جميعها.) وجاء البيان داعماً للنهج الثوري الذي اتخذته الجماعة في مقاومة الانقلاب، ليعطي شرعية للمقاومة، بعيداً عن فتاوى شيوخ السلطة الذين يفتون بإعدام وقتل معتنق الفكر السلمي فقط، لأنه يعارض السلطة التي يرزقون منها.
ما يحدث داخل "الإخوان" ليس نصراً للثورة المصرية فحسب، بل سيجدد شباب الجماعة وقوتها، فأي تنظيم يبدأ فتياً قويا، ثم يصيبه الهرم والشيخوخة، إلا إذا جددته روح الشباب، ليعيد تلك الفتوة، ليبدأ دورة حياة جديدة. ولقد أراد قائد الانقلاب أن ينهي على الإخوان المسلمين، وقال، في حملته غير الانتخابية، إنه لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان في عصره، فإذا بالشباب يوقظونه من حلمه على كابوس فظيع، سيعصف بمُلْكِه المغتصب.