يحلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم، في جزيرة كورسيكا، في ما يعتبر آخرَ تنقل له، في إطار مشاركته بـ"الحوار الوطني الكبير"، إذ بعدها، سيقوم رئيس الحكومة إدوار فيليب، بتقديم خلاصةٍ مركبة لما اقترحه الفرنسيون طيلة شهرين ونصف، من أجل الخروح من أزمة "السترات الصفراء"، قبل أن يخاطب ماكرون مواطنيه في منتصف شهر نيسان/إبريل الحالي.
وتأتي زيارة ماكرون إلى كورسيكا في ظلّ توتر العلاقات بين الإليزيه والزعماء الاستقلاليين الذين يهيمنون على البرلمان الكورسيكي، والذين دعوا منتخبيهم إلى مقاطعة زيارة الرئيس، ما سيجعل الزيارة تمر في أجواء من اللامبالاة الممزوجة بالغضب، بعدما رفض الرئيس الفرنسي الدعوة التي وجهت إليه لزيارة "الجمعية الإقليمية"، البرلمان الكورسيكي، ما اعتبره أصحاب النزعة الاستقلالية، ومعهم المطالبون بالاستقلال الذاتي، "فرصة ضائعة" تحول دون بدء الطرفَين في"حوار تاريخي" ضروري لإرساء السلام والرفاهية في الجزيرة.
من جهة أخرى، كشف استطلاع للرأي، أجراه معهد "إيلاب"، ونشر بعد ظهر أمس الأربعاء، أن 79 في المائة من الفرنسيين يرون أن "الحوار الوطني الكبير" لن يَحُلَّ الأزمة السياسية، التي اندلعت في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويرى 60 في المائة من الفرنسيين أن الأولوية يجب أن تعطى للقوة الشرائية، في حين يقف 37 في المائة مع خفض الإنفاق العمومي، و36 في المائة مع الحد من التفاوتات الاجتماعية، ويريد 33 في المائة من الفرنسيين خفض الضرائب.
ويستمر الفرنسيون في إبداء الحذر من حكومة إدوار فيليب، فقد أبدى 68 في المائة منهم شكوكاً حول أخذ الحكومة بعين الاعتبار لوجهات النظر التي تمّ التعبير عنها خلال الحوار الوطني الكبير.
وانتهى "الحوار الوطني الكبير" في فرنسا رسمياً منتصف الشهر الماضي، لكن ماكرون واصَله وحده، عبر لقاءات عديدة مع الأطفال، ثم المثقفين، قبل أن يصل إلى مجلسي النواب والشيوخ، الثلاثاء، واليوم في كورسيكا.
وسيصل الحوار إلى نهايته يوم الثامن من الشهر، حيث سيقدم فيليب للفرنسيين خلاصةً مركبة لاقتراحات الفرنسيين الذين شاركوا في الحوار الوطني. ثم يقوم في التاسع من الشهر بتصريح أمام مجلس النواب، يليه نقاش، دون تصويت، في انتظار كلمة ماكرون التي ستحسم الأمور، أو تحاول الحسم.
وتبقى خيارات الرئيس الفرنسي محدودة للغاية، وهي إمّا أن يتعهد بإجراءات ملموسة، يبدأ تطبيقها من الآن إلى الصيف، لكن دون أن يتخلى عن وعوده الانتخابية وعن الاتجاه الذي رسمه في ولايته الرئاسية، وهذا صعبٌ للغاية، وإمّا أن يكون واقعياً، فيُقْدِم على إجراءات ضبط وتسوية، ولكنها دون الاستجابة لمطالب الحراك الاجتماعي، خاصة الأكثر شعبية، ومنها تعزيز القدرة الشرائية والعدالة الضريبية، وفي هذه الحالة سيغامر بإغضاب حركة "السترات الصفراء" وغالبية من الفرنسيين ملتفَّة من حولهم، وهنا، أيضاً، يكون "الحوار الوطني الكبير" بمثابة "الجبل الذي ولد فأراً".