ودفعت الأحكام الصادرة بهذه الطريقة التي أثرت على شفافية التحقيقات والمحاكمة، تساؤل الخبراء والمتابعين عن سر اختيار هذا التوقيت في نهاية العام 2019، والأهداف من هذه الأحكام دون الحصول على أجوبة حقيقية تتعلق بتفاصيل الجريمة وفاعليها.
وبعد نحو عام من جلسات غير علنية وعدم إعلان أسماء المتهمين، أعلنت النيابة السعودية عدم توجيه تهم لسعود القحطاني، وهو مستشار لولي العهد، بجانب تبرئة أحمد عسيري، النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية، ومحمد العتيبي، القنصل السعودي السابق بمدينة إسطنبول التركية من المشاركة في ارتكاب الجريمة.
إغلاق الملف قبل قمة العشرين
ويرى الكاتب والباحث اللبناني علي باكير، أن توقيت الإعلان عن الأحكام القضائية "مرتبط بالترتيبات المتعلقة بترؤس السعودية لقمة العشرين (منذ نهاية نوفمبر الماضي ولمدة عام)، ومحاولة الرياض إغلاق بعض الملفات العالقة" قبل القمة المقبلة.
وتعقد قمة العشرين المقبلة في السعودية في نوفمبر المقبل.
وأردف "لكن طريقة إغلاق الملف توحي بأن الرياض لا تأبه بالموقف الدولي، أو ربما أنها اعتبرت أن الأصعب في قضية خاشقجي قد فات، وأنه لا خوف لديها من تداعيات إضافية".
ولفت إلى أن "القرارات تؤكد على المخاوف القائمة بعدم تمتع القضاء السعودي بالشفافية اللازمة للتحقيق في هذا الأمر، واتخاذ القرارات المتعلقة به، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال الإشارة إلى إطلاق حكم الإعدام بحق أشخاص مجهولي الهوية، وإعفاء معظم المسؤولين عمليا باغتيال خاشقجي من التهم".
استغلال عطلة نهاية العام
من جانبها، رأت الإعلامية والناشطة السياسية التونسية عائدة بن عمر، أن السبب في اختيار هذا التوقيت "دخول بعض المؤسسات الرسمية والهيئات الحقوقية العالمية والبرلمانات وغيرها في عطلة رأس السنة".
وأضافت أن هذا "يشغل من هم بالداخل في الزيارات وغيرها فلا يركزون على الأحداث والقرارات التي تتخذها السلطة، فلا يتحرك الرأي العام، ولن يشكل عامل ضغط".
ولفتت إلى أن "الصراع الدائر في ليبيا والهجوم على الاتفاق التركي الليبي في ترسيم الحدود البحرية، وتحرك محور الإمارات مصر فرنسا ضد التقارب التركي الليبي، إلى جانب قمة كوالالمبور، فإن إصدار هذه الأحكام بهذا التوقيت سيجعل الاهتمام بها إعلاميا وسياسيا من ثانويات الأمور لا من أولوياتها".
وإزاء هذا الاختيار، ذهبت بن عمر إلى أنه "يتوجب على المنظمات والهيئات والشخصيات أن تلجأ للتحشيد وتسليط الضوء من جديد والتحرك بذكاء، لكي لا تمر الأحكام مرور الكرام ولا تهمش القضية".
وشددت على أنه رغم هذا التوقيت فإن المسؤولين السعوديين "لم ولن يفلتوا من العقاب، ومنهم ولي العهد محمد بن سلمان، لأن أميركا توفر له الحماية والحصانة لتحقيق مصالحها فقط".
أما الكاتب والمحلل السياسي التركي بكير أتاجان فأرجع توقيت الإعلان "لعدة أسباب منها أن معظم دول العالم وخاصة الغرب وأميركا تدخل في عطلة إلى نهاية الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير، ودخول الولايات المتحدة الأميركية رويدا في انتخابات الرئاسة".
وزاد "الأهم هناك عوامل عدة تتعلق بالقضايا الخاصة لهذه الدول في ظل التطورات الأخيرة في العالم داخليا وخارجيا، فالسعودية تعرف جيدا بأن في هذه الفترة هناك مشاكل تعيشها بعض الدول داخليا وخارجيا، ومن غير الممكن الاهتمام بأي ملفات أخرى ومنها ملف جريمة خاشقجي، فضلا عن ملفات الشرق الأوسط الملتهبة".
وحول أهدافها من ذلك، أجاب "لكي تتجنب الانتقادات التي سوف تأتي من الغرب وأميركا، ولكن بعد فوات الأوان، لن تجدي هذه المحاولات نفعا رغم اختيار هذا التوقيت وفي محاولة لتبرئة الفاعلين الحقيقيين".
ولكنه استدرك أن "الخطة السعودية بتوقيت الإعلان نفذت بعد أن أخذت الدول الغربية ثمن صمتها، ومنه تنفيذ المخططات الغربية في المنطقة".
بدوره، قال المحلل السياسي الأردني حسان التميمي، إن "اختيار التوقيت هو لانشغال الناس بالعطل، ولكن لن تنجح هذه المساعي، وهنا تختفي أي رمزية في اختيار التوقيت لإعلان الحكم، فحالة الرفض الدولي تتزايد وربما يحمل قادم الأيام تحولا كبيرا".
وأكد أنه "في مسألة إفلات أي من المسؤولين عن إصدار أمر الإعدام بحق خاشقجي من العقاب، فعلينا أن نفهم دورة التاريخ حيال الأحداث والتي انتهت معظمها بشكل وخيم على القتلة".
التميمي أوضح أنه تم "تجنب توجيه أصابع الاتهام بشكل واضح إلى المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس المخابرات أحمد عسيري، رغم أنه تم وضع اسميهما على قوائم العقوبات الأميركية بما يؤكد تورطهما المباشر في الجريمة".
وختم بالقول "إن عدم إعلان أسماء المحكوم عليهم، يعزز الشكوك بأن هذه المحاكمة شكلية، والهدف منها امتصاص حالة الغضب الدولي جراء الجريمة البشعة".
وكان من اللافت إعلان النيابة العامة عدم توجيه أي تهم للمتورطين الأساسيين في قضية اغتيال خاشجقي، وهم سعود القحطاني، وأحمد عسيري، والقنصل السعودي في مدينة إسطنبول محمد العتيبي.
وتتناقض شهادة النيابة السعودية مع التحقيق الأممي الذي أجرته مقررة الأمم المتحدة الخاصة بأحكام الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامار، والتي أكدت أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان على علم بحادثة اغتيال خاشقجي، عبر مستشاره الخاص سعود القحطاني ونائب رئيس استخباراته أحمد عسيري، وأن القيادة السعودية أرسلت فرقة الإعدام بمعدات قتل لاغتيال خاشقجي.
وأثبتت التقارير الدولية أن القحطاني تواصل مع قائد فرقة الإعدام في إسطنبول، وقام بالتحقيق مع خاشقجي عبر برنامج "سكايب"، قبل أن يقول "أحضروا لي رأس هذا الكلب".
كما أثبتت وكالة الاستخبارات المركزية أن محمد بن سلمان هو من أمر بقتل الصحافي الراحل جمال خاشقجي، بعد "فحص دقيق" لمصادرها.
وحاولت السلطات السعودية، منذ اليوم الأول لقضية مقتل جمال خاشقجي، إنكار صلتها به وقال الأمير محمد بن سلمان، في لقاء تلفزيوني له بعد مقتل خاشقجي بأيام مع وكالة "بلومبيرغ"، "إن خاشقجي خرج بعد 20 دقيقة من دخوله القنصلية عبر الباب الخلفي".
وبعد تزايد الأدلة التي قدمتها الشرطة التركية اضطرت السلطات السعودية إلى الاعتراف بمقتل جمال خاشقجي بعد 18 يوما من اغتياله، وقامت بإقالة القحطاني وعسيري من منصبيهما وتشكيل لجنة للتحقيق في القضية.
وقامت السلطات السعودية بمحاولة امتصاص الغضب العالمي، وذلك عبر تقديمها تعهدات بمحاكمة المتهمين الرئيسيين، وهما القحطاني وعسيري، لكن ذلك لم يحدث، إذ ذكرت عدة مصادر لوكالة "رويترز" أن القحطاني ما زال يمارس عمله مسؤولا عن المحتوى الإعلامي السعودي، رغم إعفائه من منصبه والتحقيق معه، وأنه شوهد في العاصمة الإماراتية أبوظبي، كما أنه يدير مجموعة خاصة عبر "واتساب" يأمر فيها الإعلاميين بكتابة مقالات وتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي لتأييد ولي العهد وتسويق سياساته الداخلية والخارجية، كما شوهد عسيري في حفل لعدد من أقربائه.
(العربي الجديد، الأناضول)