لم يتبق من عمر البرلمان العراقي الحالي سوى شهرين أو أقل من ذلك بقليل، وما يزال يراوح مكانه منذ أربع سنوات فيما يتعلق بالملفات المهمة التي كان من المفترض عليه إنجازها، بينها ما يتعلق بالقضاء وحقوق الإنسان والأحوال المدنية والفساد وأخرى اقتصادية وأمنية، مثل ملف التحقيق بسقوط الموصل واستجواب القادة العسكريين ووزراء الدفاع والداخلية.
ويبدو أن قوانين أخرى ستُرحل إلى البرلمان الجديد، الذي سيتشكل عقب الانتخابات الخاصة به والمقرر إجراؤها في 12 مايو/ايار المقبل.
ويرجع برلمانيون عدم التصويت على قوانين "مهمة" للمواطن العراقي إلى الخلافات السياسية والمحاصصة الطائفية، فيما تؤكد مصادر مسؤولة أن سبب الخلافات داخل الكتل السياسية في البرلمان يعود لمصالح دول إقليمية ومجاورة تحمي نفوذها وتجارتها في العراق.
ومن أبرز القوانين المعطلة والتي ناقشها البرلمان في جلسات خلال الدورة الجارية، وكذلك الدورات السابقة في الأعوام العشرة الماضية، قانون "النفط والغاز"، الذي يتضمن تأسيس نظام إدارة العمليات النفطية في العراق، مع الأخذ بالاعتبار الاتفاقيات الدولية القائمة بينه وبين دول أخرى فيما يتعلق بنقل النفط الخام وقانون الخدمة المدنية المتعلق بالموظفين وإجراءات التقاعد.
يضاف إلى ذلك الحقوق الواجبة على الدولة تجاه الموظفين بعد نهاية خدمتهم وقانون المحكمة الاتحادية العليا، وهو الأكثر جدلاً والذي تسبب بمشاكل عديدة بين القوى السياسية، كونه يهدف إلى إنشاء مجلس قضاة برئيس واحد ونائب للرئيس وأحد عشر عضواً يتم اختيارهم من وحدات قضائية مختلفة، منها القضاء نفسه وخبراء بالفقه الإسلامي، وأعضاء "فقهاء بالقانون".
وترجع أبرز أسباب التأجيل المتكرر للتصويت على القوانين العالقة في البرلمان إلى "الخلافات السياسية"، بحسب النائب عن التحالف الوطني، حسن خلاطي، حيث أوضح أن "قوانين مثل المحكمة الاتحادية العليا والنفط والغاز والمساءلة والعدالة والمجلس الاتحادي وغيرها، تم تأجيلها في أكثر من جلسة نيابية وبعضها تأجل لأكثر من دورة برلمانية، بسبب الخلافات السياسية التي لم تستطع الكتل والاحزاب داخل مجلس النواب حلها، ولم تتوفق في اتفاق يفضي لمعالجة النقاط الخلافية في القوانين"، مبينا أنها "ستُرحل إلى الدورة البرلمانية المقبلة".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "البرلمان المقبل سيشهد بروز وجوه سياسية جديدة، ستكون فاعلة ونشطة وتحاول تحقيق ما لم تستطع الوجوه الحالية تحقيقه، وربما سيشهد التصويت على هذه القوانين وإقرارها".
من جانبه، اتهم مقرر لجنة الخبراء في البرلمان العراقي زانا سعيد، رئاسة البرلمان المتمثلة بسليم الجبوري بـ"التقصير" في أداء واجبها ومتابعة القوانين غير المكتملة والمتأخرة.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد، إن "البرلمان لم يصوت على قوانين دستورية نص الدستور على إقرارها، بعضها مهم جداً لبناء الدولة وخدمة المواطن، مثل تعديل قانون الإشراف القضائي، وهو منذ أكثر من ثلاث سنوات مطروح في جداول أعمال الجلسات البرلمانية، لكن دون حصول عملية التصويت عليه بسبب الخلافات والمصالح بين الكتل السياسية"، مشيرا إلى أن "قانون النفط والغاز متأخر عن التصويت لأكثر من عشر سنوات لأسباب تتعلق بنفوذ بعض البلدان المجاورة داخل العراق وتلاعبها بنفط العراق وأسعاره وطريقة تصديره".
وأضاف أن "قوانين مثل تنظيم الولايات للرئاسات الثلاث وقانون مزدوجي الجنسية الذي تسبب بمجازر سياسية، لأنه يضر بمصلحة الكثير من البرلمانين الحاصلين على جنسية إضافية بجانب العراقية، تم تأجيله لمرات عديدة"، مبينا أن "الكتل السياسية في العراق تعمل بحسب ولاءاتها الخارجية، وتتبنى مواقفها بما تقتضي مصالحها الخاصة".
ولفت إلى أن "رئاسة البرلمان مقصرة، لأنها لم تبذل أي جهد للوصول إلى التوافق بين الكتل السياسية، وكانت قادرة على أن تقوم بجلسات متتالية وتجمع الأحزاب، وأن يكون هناك جدية للوصول إلى الحلول، لكنها لم تفعل".
في موازاة ذلك، أكدت عضو اللجنة القانونية البرلمانية ابتسام الهلالي، أن البرلمان بصدد التصويت على 20 قانوناً خلال الجلسات القليلة المقبلة من عمر الدورة الحالية، مؤكدة أن هذا الأمر سيحدث إذا اكتمل النصاب القانوني لعدد البرلمانيين خلال الجلسات حتى يمكن تمريرها.
وقالت الهلالي، إن "من بين أهم القوانين: قانون المهن الصحية والتمريض وقانون المتجاوزين وقانون الطعن لمصلحة الدولة"، مشيرة إلى أن "قانون (من أين لك هذا؟) الذي يتضمن بنوداً تحاسب المسؤولين المتجاوزين على المال العام، تمت قراءته مرة أولى وثانية وهو جاهز للتصويت".
وفي السياق، أكد الخبير القانوني علي التميمي عدم إمكان أي جهة محاسبة الكتل السياسية المتخاصمة في البرلمان نظراً للقوانين الخلافية، بسبب "الحصانة" التي يمتلكونها.
وقال التميمي لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري والبرلمانيين جميعاً مهما عرقلوا جلسات التصويت على القوانين التي من المفترض أن تُقر كونها تهم المواطنين، لا تمكن محاسبتهم ولا توجد جهة تستطيع محاسبتهم أصلا، كونهم يمتلكون حصانة تردع أي جهة قضائية من اتخاذ أي إجراء قانوني بحقهم".
وأضاف أن "البرلمان الجديد الذي سيوجد خلال المرحلة المقبلة، ستتوفر لديه المساحة القانونية التي تسمح له بمحاسبة البرلمانيين الحاليين، من خلال اتهامهم بالتقصير والإهمال والانشغال بالمصالح الشخصية، لكن هذا أمر صعب هو الآخر كون رؤساء الأحزاب الحالية والمشاركة في الانتخابات المقبلة لم يتغيروا، فما زالوا أنفسهم في مناصب عليا ومهمة في البلد، والوجوه الجديدة في الانتخابات المقبلة ما هي إلا شيء قريب من الخدعة".