أجلس على مكتبي الكبير الذي انتقلت له مؤخراً معزولاً عن العالم، أحياناً أسمع أحدهم يسألني عن الشحنة الخاصة لذاك العميل في ألمانيا، وأحياناً أجيب على هاتفي المحمول لأطمئن رجل المبيعات هذا أن طلبية العميل الفلاني ستنتهي في موعدها، أشعر وكأني الوحيد الذي يعمل في العالم، وأحياناً أشعر بأني الوحيد الذي لا يعمل فعلياً.
لا أتذكر على وجه التحديد كيف كان شكل حياتي قبيل الحدث ولا أكاد ألملم شتات تفكيري بعدها. يحمل الجميع ذكريات لذاك اليوم بالذات، أما أنا فأشعر وكأني قد فقدت الذاكرة جزئياً، لا أذكر إلا صوراً متقطعة، وأصوات أصدقاء هنا وهناك، أحدهم ينشر صورة لأخيه قد فارق الحياة، وأحدهم يسأل إذا رأى أحد قريبه الذي لا يستطيع أحد الوصول إليه، وإحداهن تنشر صورة لأسماء.
الكثير من الصور والكثير من التفاصيل الموجعة، ولكن لا أستطيع ربطها، وكأن كلاً منها حدث في أماكن شتى من العالم، وكأني معزول في غرفة التسجيل الصوتي لصوت القاهرة والمذيع يبدأ البث: هؤلاء المتقون، هل ألحدوا!
اجتهد ولكني لا أذكر على وجه التحديد شيئاً إلا بعد المعركة بأسبوع، حين انتصف الجميع مرة أخرى، ولكن هذه المرة أشد فرقة.
كانت وتيرة الأحداث قد هدأت، وكانت المشاجرات اليومية أصبحت أقل وطأة، أحاول أن أجمع الأحداث المتفرقة في دماغي، كنت أناهض وجودهم وبشدة وكنت سعيداً بخبر الفض، ولكن ما تلا ذلك من أحداث كان يلطمني واحداً تلو الآخر.. وأتمتم "غير الدم محدش صادق".
تعلو وتيرة المشاجرات مرة أخرى، الكثير من الأحداث السياسية، الكثير من المناقشات الفارغة، الكثير من التخمينات للمرحلة المقبلة، كنت قد اتخذت قراري من فترة بألا أشارك في الهرج، ولكن ذلك الزميل يصر أن يسحبني لتبني وجهة نظرة، أهرب، فيصر، أهرب فيهاجمني، أسكت فيتهمني بالمشاركة في القتل!.
في المقهي أقابل تلك الصديقة التي تعرفت عليها مؤخراً، نضحك، نتكلم، نسكت، نسأل أسئلة شخصية سخيفة، نضحك مرة أخرى، ندخن، ننتقل إلى مكان آخر، تطلب أن أكتب عنها فلا أفعل، تطلب أن أقابلها في بيتها فلا أفعل، تنقطع عني مهاتفتي وتختفي.
زخم الأحداث في تلك الفترة سواء الشخصية أو العامة، يجعلني أحياناً أشعر أني لم أحيا من قبل، وأني ولدت على الدم والخمر، وكأن حياتي قد لُعنت بلعنة أفريقية ما، لا يستطيع أن يعكس التعويذة إلا شيخ قد عُرف أنه يكتب الأعمال ويدفنها تحت ألسن الموتى حتى لا يتكلموا ويشوا بمكانها، أشم رائحة الموت في كل شيء، كنت قد عرفته منذ فترة والآن لا يكاد يفارقني.
قبل أن أجد الجميع ينظرون إليَّ في ريبة وخيفة، لا أذكر إلا وجودي على ذاك السرير الناعم، أنهج في ارتشاف الذكريات، وبقايا ليلة مليئة بالأحداث.
أحياناً أكون ممتناً لذاكرتي التي تُسقط بعض الأحداث أو كلها، متفهمة أن لم يعد للقلب حيل.
(مصر)
لا أتذكر على وجه التحديد كيف كان شكل حياتي قبيل الحدث ولا أكاد ألملم شتات تفكيري بعدها. يحمل الجميع ذكريات لذاك اليوم بالذات، أما أنا فأشعر وكأني قد فقدت الذاكرة جزئياً، لا أذكر إلا صوراً متقطعة، وأصوات أصدقاء هنا وهناك، أحدهم ينشر صورة لأخيه قد فارق الحياة، وأحدهم يسأل إذا رأى أحد قريبه الذي لا يستطيع أحد الوصول إليه، وإحداهن تنشر صورة لأسماء.
الكثير من الصور والكثير من التفاصيل الموجعة، ولكن لا أستطيع ربطها، وكأن كلاً منها حدث في أماكن شتى من العالم، وكأني معزول في غرفة التسجيل الصوتي لصوت القاهرة والمذيع يبدأ البث: هؤلاء المتقون، هل ألحدوا!
اجتهد ولكني لا أذكر على وجه التحديد شيئاً إلا بعد المعركة بأسبوع، حين انتصف الجميع مرة أخرى، ولكن هذه المرة أشد فرقة.
كانت وتيرة الأحداث قد هدأت، وكانت المشاجرات اليومية أصبحت أقل وطأة، أحاول أن أجمع الأحداث المتفرقة في دماغي، كنت أناهض وجودهم وبشدة وكنت سعيداً بخبر الفض، ولكن ما تلا ذلك من أحداث كان يلطمني واحداً تلو الآخر.. وأتمتم "غير الدم محدش صادق".
تعلو وتيرة المشاجرات مرة أخرى، الكثير من الأحداث السياسية، الكثير من المناقشات الفارغة، الكثير من التخمينات للمرحلة المقبلة، كنت قد اتخذت قراري من فترة بألا أشارك في الهرج، ولكن ذلك الزميل يصر أن يسحبني لتبني وجهة نظرة، أهرب، فيصر، أهرب فيهاجمني، أسكت فيتهمني بالمشاركة في القتل!.
في المقهي أقابل تلك الصديقة التي تعرفت عليها مؤخراً، نضحك، نتكلم، نسكت، نسأل أسئلة شخصية سخيفة، نضحك مرة أخرى، ندخن، ننتقل إلى مكان آخر، تطلب أن أكتب عنها فلا أفعل، تطلب أن أقابلها في بيتها فلا أفعل، تنقطع عني مهاتفتي وتختفي.
زخم الأحداث في تلك الفترة سواء الشخصية أو العامة، يجعلني أحياناً أشعر أني لم أحيا من قبل، وأني ولدت على الدم والخمر، وكأن حياتي قد لُعنت بلعنة أفريقية ما، لا يستطيع أن يعكس التعويذة إلا شيخ قد عُرف أنه يكتب الأعمال ويدفنها تحت ألسن الموتى حتى لا يتكلموا ويشوا بمكانها، أشم رائحة الموت في كل شيء، كنت قد عرفته منذ فترة والآن لا يكاد يفارقني.
قبل أن أجد الجميع ينظرون إليَّ في ريبة وخيفة، لا أذكر إلا وجودي على ذاك السرير الناعم، أنهج في ارتشاف الذكريات، وبقايا ليلة مليئة بالأحداث.
أحياناً أكون ممتناً لذاكرتي التي تُسقط بعض الأحداث أو كلها، متفهمة أن لم يعد للقلب حيل.
(مصر)