24 سبتمبر 2020
ما بقي من القضية الفلسطينية
قبل الإجابة عن سؤال القضية الفلسطينية، وماذا بقي منها، علينا بدايةً الإجابة عن السؤال الأهم: ماذا بقي من فلسطين؟ فلسطين الأرض والشعب والهوية، فلسطين الوطن الذي كان يوما ما حلماً في وجدان شعب وأمة. فلسطين الأرض التي كانت الأرض الممتدة من البحر إلى النهر، وهي تلك الأرض التي حول المسجد الأقصى، والتي يرى بعض المفسرين أنها المقصودة بقول الله تعالى في محكم آياته .."سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ...".. تلك هي أرض فلسطين التي تضم بيت المقدس والمسجد الأقصى، واحتلتها بريطانيا في العام 1917 فى نهايات الحرب العالمية الأولى، ثم جعلتها من حصتها في اتفاقية سايكس - بيكو، وبخلاف كل الأقطار العربية التي شملتها الاتفاقية لم تضع عليها بريطانيا ملكاً، ولا أميراً، ولا سلطاناً، ولا شيخاً، ولكنها وضعتها تحت الإدارة المباشرة لسلطتها، في ظل وضعها تحت الانتداب، بغرضٍ كان واضحاً في إعلان بريطانيا وعد بلفور الذي أعطى اليهود الحق في إقامة وطن قومي على أرض فلسطين.
تلك كانت أرض فلسطين العربية في العام 1917، فماذا بقى منها، بصبغة عربية، في العام 2020؟ بقي منها قطاع غزة بمساحته المحدودة (حوالي 650 كيلومترا مربعا)، وكثافته السكانية المرتفعة (حوالى 1,7مليون نسمة)، والأهم أن تلك الشريحة من الأرض الفلسطينية محاصرة براً وبحراً. وبقي أيضاً من أرض فلسطين الضفة الغربية لنهر الأردن، والقدس الشرقية، ولكنهما ترزحان تحت احتلال دولة العدو الإسرائيلي، المباشر وغير المباشر. ليس هذا فقط، بل هي ممزقّة إلى مناطق، وكانتونات، تحيط بها مستوطنات يهودية، وتعزلها جدران خرسانية. هذا ما بقي من أرض فلسطين، ويحمل صبغة عربية فلسطينية، مجرّد رقعتين منفصلتين من الأرض، بلا مياه إقليمية، ولا مجال جوي، ولا حدود برية مفتوحة، إلا بقدر ما تسمح به دولة العدو الإسرائيلي.
فلسطين الشعب الذي كان يعيش على أرضه فلسطين، من البحر إلى النهر، عندما وقعت تحت
الاحتلال البريطاني في العام 1917، ومن ثم الانتداب البريطاني منذ 1922، ماذا بقي من ذلك الشعب العربي، الفلسطيني، ذي النسيج الواحد؟ تقطعت أوصاله، وتفرّقت بأبنائه السبل، وأصبح هناك فلسطينيو 1948، تعود أصولهم القريبة إلى الآباء الذين بقوا على أرضهم صامدين فى إطار دولة الكيان الإسرائيلي عندما قامت في العام 1948. وهناك فلسطينيو المخيمات في مناطق اللجوء، في الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، وتعود أصولهم القريبة إلى الآباء الذين خرجوا مطاردين من بيوتهم وأرضهم، في المناطق التي قامت عليها دولة إسرائيل، إبّان حرب فلسطين عام 1948، أو ما عُرفت بالنكبة. وهناك فلسطينيو الشتات الذين هاجروا، وتفرّقوا في العالم، شرقه وغربه. ويبقى من يمثلون الكتلة الحرجة من الشعب الفلسطيني، فلسطينيو الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
ماذا تبقى من فلسطين الوطن؟ تبقى الحلم في وجدان كل أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، بينما الوطن يبقى رهينة.
هذا عن فلسطين الأرض والشعب والوطن، وماذا تبقى منها مادياً، فماذا عن فلسطين القضية؟ ليس من الممكن أن نحدّد متى بدأ بالضبط تداول مصطلح "القضية الفلسطينية" في الأدبيات العربية، ثم الدولية. ولكن يمكن القول إن المصطلح بدأ في الظهور، مع صدور وعد بلفور، وإطلاق سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين، يد الوكالة اليهودية في تنظيم موجات الهجرة اليهودية الواسعة إلى الأراضى الفلسطينية وإقامة المستوطنات والمستعمرات والكيبوتزات، بل وإقامة المدن والمؤسسات المدنية والمنظمات/ العصابات العسكرية، ذلك كله على حساب أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى الأرض الفلسطينية، حتى اكتمل للوكالة اليهودية على أرض فلسطين ما يمكن أن يُقيم دولة.
بدأت القضية الفلسطينية برفع شعار معارضة الهجرة اليهودية، والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، ودعم الفلسطينيين للحفاظ على أرضهم، ثم تطورت الأمور بشكل حاد، عندما أنهت بريطانيا انتدابها على فلسطين في 14 مايو/ أيار 1948. وعلى الفور، أعلن ديڤيد بن غوريون، مسؤول الوكالة اليهودية فى الداخل الفلسطيني، قيام دولة إسرائيل. واندلعت على الفور حرب فلسطين الأولى، بمشاركة عدد من الدول العربية، في مقدمتها مصر والأردن، باتفاق بين الملك فاروق وملك الأردن، عبدالله بن الحسين، وانضم إليهما كل من سورية والسعودية والعراق ولبنان، وكان شعار تلك الحرب طرد العصابات الصهيونية من أرض فلسطين. وانتهت تلك الحرب نهاية مأساوية، بهزيمة تلك الجيوش العربية، على يد العصابات الصهيونية، وتكريس قيام دولة إسرائيل.
ليس المقام هنا استعراض الحروب العربية - الإسرائيلية، وإنما تناول فكرة القضية الفلسطينية،
وماذا بقى منها. المهم تحول الأمر ما بعد هزيمة 1948 إلى قضية مزمنة تحمل اسم قضية فلسطين، وكان شعارها "تحرير فلسطين"، وزاد من زخم تلك القضية ما شهده العالم العربي من تحولات جوهرية، مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي، بقيام الثورات الانقلابية، أو الانقلابات الثورية التى قادتها النخب العسكرية في دول رئيسية في المشرق العربي، في مقدمتها مصر والعراق وسورية وغيرها، ورفعت تلك النظم القومية الثورية شعار تحرير فلسطين عالياً، وكأن تحرير فلسطين أحد مقومات وجودها.
على مدى سنوات عديدة، جرت في الأنهار مياه كثيرة، وأريقت على ساحات القتال دماء غزيرة، وتعرضت الأمة لهزائم عسكرية مروّعة، لعل أهمها، والتى لا زالت أثارها باقية، هزيمة يونيو/ حزيران 1967، والتي حولت شعار "تحرير فلسطين" إلى شعار "إزالة آثار العدوان". ثم جاءت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والتي أعادت إلى مصر سيناء، ولكنها حوّلت شعار القضية، مرة أخرى، من "إزالة آثار العدوان" إلى إطلاق "عملية السلام" مع إسرائيل.
في هذا المناخ، طرح الرئيس الأميركي، ترامب، "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية تماماً، وأيضاً. وليس المقام هنا الحديث عن تفاصيل الصفقة ومحتواها، وإنما ردود الفعل العربية، والتى كانت ترفع يوماً شعار "تحرير فلسطين"، وعندما خفضت من سقف المطالب، رفعت شعار "إزالة آثار العدوان". للأسف، جاءت بعض ردود الفعل العربية متسقة مع ما طرحه ترامب. أما بشأن ما تبقى من القضية الفلسطينية، لم يعد متبقيا من تلك القضية سوى اسمها، وحتى الاسم هناك هجمة إعلامية شرسة، عبر أعمال درامية تروج التطبيع مع إسرائيل، وتسعى إلى تغييب الوعي العربي عمّا تعرّضت له فلسطين الأرض والشعب والهوية، فلسطين الوطن، من جريمة إنسانية واحتلال استيطانى بشع.
إذا كان ذلك ما تبقى من فلسطين، ومن القضية الفلسطينية، بشكل مادي، على الأرض، فإن هناك ما هو أهم، أن الشعب الفلسطينى باق، وفي كل مكان، ويملك الإيمان العميق بحقه في الأرض وفى الوطن، ويملك إرادة المقاومة.
فلسطين الشعب الذي كان يعيش على أرضه فلسطين، من البحر إلى النهر، عندما وقعت تحت
ماذا تبقى من فلسطين الوطن؟ تبقى الحلم في وجدان كل أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، بينما الوطن يبقى رهينة.
هذا عن فلسطين الأرض والشعب والوطن، وماذا تبقى منها مادياً، فماذا عن فلسطين القضية؟ ليس من الممكن أن نحدّد متى بدأ بالضبط تداول مصطلح "القضية الفلسطينية" في الأدبيات العربية، ثم الدولية. ولكن يمكن القول إن المصطلح بدأ في الظهور، مع صدور وعد بلفور، وإطلاق سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين، يد الوكالة اليهودية في تنظيم موجات الهجرة اليهودية الواسعة إلى الأراضى الفلسطينية وإقامة المستوطنات والمستعمرات والكيبوتزات، بل وإقامة المدن والمؤسسات المدنية والمنظمات/ العصابات العسكرية، ذلك كله على حساب أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى الأرض الفلسطينية، حتى اكتمل للوكالة اليهودية على أرض فلسطين ما يمكن أن يُقيم دولة.
بدأت القضية الفلسطينية برفع شعار معارضة الهجرة اليهودية، والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، ودعم الفلسطينيين للحفاظ على أرضهم، ثم تطورت الأمور بشكل حاد، عندما أنهت بريطانيا انتدابها على فلسطين في 14 مايو/ أيار 1948. وعلى الفور، أعلن ديڤيد بن غوريون، مسؤول الوكالة اليهودية فى الداخل الفلسطيني، قيام دولة إسرائيل. واندلعت على الفور حرب فلسطين الأولى، بمشاركة عدد من الدول العربية، في مقدمتها مصر والأردن، باتفاق بين الملك فاروق وملك الأردن، عبدالله بن الحسين، وانضم إليهما كل من سورية والسعودية والعراق ولبنان، وكان شعار تلك الحرب طرد العصابات الصهيونية من أرض فلسطين. وانتهت تلك الحرب نهاية مأساوية، بهزيمة تلك الجيوش العربية، على يد العصابات الصهيونية، وتكريس قيام دولة إسرائيل.
ليس المقام هنا استعراض الحروب العربية - الإسرائيلية، وإنما تناول فكرة القضية الفلسطينية،
على مدى سنوات عديدة، جرت في الأنهار مياه كثيرة، وأريقت على ساحات القتال دماء غزيرة، وتعرضت الأمة لهزائم عسكرية مروّعة، لعل أهمها، والتى لا زالت أثارها باقية، هزيمة يونيو/ حزيران 1967، والتي حولت شعار "تحرير فلسطين" إلى شعار "إزالة آثار العدوان". ثم جاءت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والتي أعادت إلى مصر سيناء، ولكنها حوّلت شعار القضية، مرة أخرى، من "إزالة آثار العدوان" إلى إطلاق "عملية السلام" مع إسرائيل.
في هذا المناخ، طرح الرئيس الأميركي، ترامب، "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية تماماً، وأيضاً. وليس المقام هنا الحديث عن تفاصيل الصفقة ومحتواها، وإنما ردود الفعل العربية، والتى كانت ترفع يوماً شعار "تحرير فلسطين"، وعندما خفضت من سقف المطالب، رفعت شعار "إزالة آثار العدوان". للأسف، جاءت بعض ردود الفعل العربية متسقة مع ما طرحه ترامب. أما بشأن ما تبقى من القضية الفلسطينية، لم يعد متبقيا من تلك القضية سوى اسمها، وحتى الاسم هناك هجمة إعلامية شرسة، عبر أعمال درامية تروج التطبيع مع إسرائيل، وتسعى إلى تغييب الوعي العربي عمّا تعرّضت له فلسطين الأرض والشعب والهوية، فلسطين الوطن، من جريمة إنسانية واحتلال استيطانى بشع.
إذا كان ذلك ما تبقى من فلسطين، ومن القضية الفلسطينية، بشكل مادي، على الأرض، فإن هناك ما هو أهم، أن الشعب الفلسطينى باق، وفي كل مكان، ويملك الإيمان العميق بحقه في الأرض وفى الوطن، ويملك إرادة المقاومة.