05 نوفمبر 2024
ما لم يقله الريسوني
محمد طلبة رضوان
الشيخ أحمد الريسوني هو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو في هيئات شرعية تضم كبار العلماء، تصنيفه العلمي في "المقاصد" يجعله في مقدمة قائمة المشتغلين بهذا التخصص في العالم كله. فجأة أصبح علمانياً، هذا ما قرأته وقرأه غيري في مئات التعليقات على مقال الرجل أخيراً "مستقبل الإسلام بين الشعوب والحكام"، كتب فيه: "لا نجد في شرع الله تعالى نصاً صريحاً آمراً ومُلزماً بإقامة الدولة، كما لا نجد في شأنها نصوصاً في الترغيب والترهيب على غرار ما نجد في سائر الواجبات، وإنما تقرّر وجوب إقامة الدولة، ووجوب نصب الخليفة، من باب الاجتهاد والاستنباط، ومن باب النظر المصلحي والتخريج القياسي، وامتداداً للأمر الواقع الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
الدولة شأن مصلحي، إذن، تفرضه الدنيا، لا الدين. الأمر إذن أقل رتبة، بتعبيره، من خيالات الإسلاميين بشأن الدولة التي أزهقت بسببها آلاف الأرواح، وأهدرت من ورائها عشرات، بل مئات الآلاف من الآجال والآمال، وشرّدت في بلاد الله أسر كاملة.
أثار المقال حفيظة أصحاب المصلحة المباشرة في استمرار أوهام الخلافة والدولة الإسلامية، فضلاً عن المقتنعين، لهم الله. مناقشات قليلة وشتائم كثيرة، واتهامات للرجل بالعلمانية، تلك التي تحولت من تجربة تاريخية إلى حرام ديني، لا يستند إلى نص، لكنه يستند إلى أصحابه! ومن حكم في ماله ما ظلم. هكذا، ببساطةٍ، يلقى الرجل الذي قضى سني عمره في الحقل الشرعي وخلف الشيخ يوسف القرضاوي في رئاسة أهم مؤسسة سنية، لها صفة المرجعية بعد الأزهر، إلى متّهم في دينه، فهل قال الريسوني ما لم يقله غيره؟
فعلها من قبل علي عبد الرازق، وهو عضو هيئة كبار العلماء، ومرشّح لإمامة الأزهر ومشيخته، فتحول، بين عشية وضحاها، إلى جاهل ومتآمر مع الغرب، ومضحوك عليه من المستشرقين، و"أهبل"، هكذا بتوصيف مفكر إسلامي كبير، فصلوه وشلحوه من المشيخة، وصار أثراً بعد عين. وإلى الآن، يتحرّج كل من يتحدث في شأن الدولة من مجرّد التعرّض للشيخ عبد الرازق، بل ينفي عن نفسه ابتداءً تهمة أنه يتابع عبد الرازق في رأيه، ويحاول أن يجد مدخلاً آخر، ليخلص إلى النتيجة نفسها!
فعلها خالد محمد خالد، في كتابه "من هنا نبدأ"، ثم تراجع بعد ثلاثة عقود من المحاولة، من دون جدوى، ليكتب "الدولة في الإسلام"، ويخلص إلى النتائج نفسها التي خلص إليها في كتابه الأول ولكن بأدلة شرعية. وحين سئل، في آخر حوار صحافي معه قبل وفاته عن مفهومه للشورى، قال هي الديمقراطية كما يمارسها الغرب!
صياغات الريسوني، الأكثر صراحة الآن، سبقتها صياغاتٌ أخف وطأة في تسعينيات القرن الماضي، في برنامج "الشريعة والحياة" في قناة الجزيرة. قال نصاً: "إن تسعة أعشار الشريعة لا تحتاج إلى الدولة في شيء". وفي حواراتٍ صحافيةٍ وتلفزيونيةٍ متنوعة معه، يكرّر الشيخ الأمر نفسه، بصياغاتٍ تحاول "التسلل" إلى متلقٍ موتور، لن يرضى بغير ما تعوّد أن يسمع، ولن يؤثر فيه، أو يحرّكه حشد عشرات الأدلة النقلية والعقلية، فالحقيقة يصنعها سياقه المأزوم، ثم تستدعى الأدلة المنتحلة لتعزيزها.
عشرات من العلماء والباحثين المتخصصين، الأكاديميين، المؤهلين، أبناء المدرسة الأصولية، ألتقيهم، بحكم انشغالي المهني بالملف الديني، لديهم من الآراء في شؤون الدولة والاجتماع ما يوفر علينا دماء وأعماراً كثيرة مهدرة، والحرج، لكنهم يخشون مجرّد التلميح بها، فهي كفيلة بالقضاء عليهم تماماً، بل إن بعضهم لا يكتفي بالسكوت عنها، إنما يصرّح بضدها، اتقاءً لغضبة "أولتراس" الدعوة، ومزايدات الأقران، وفقدان العمل، وسلطة التأثير، فهل قال الريسوني كل شيء؟
أثار المقال حفيظة أصحاب المصلحة المباشرة في استمرار أوهام الخلافة والدولة الإسلامية، فضلاً عن المقتنعين، لهم الله. مناقشات قليلة وشتائم كثيرة، واتهامات للرجل بالعلمانية، تلك التي تحولت من تجربة تاريخية إلى حرام ديني، لا يستند إلى نص، لكنه يستند إلى أصحابه! ومن حكم في ماله ما ظلم. هكذا، ببساطةٍ، يلقى الرجل الذي قضى سني عمره في الحقل الشرعي وخلف الشيخ يوسف القرضاوي في رئاسة أهم مؤسسة سنية، لها صفة المرجعية بعد الأزهر، إلى متّهم في دينه، فهل قال الريسوني ما لم يقله غيره؟
فعلها من قبل علي عبد الرازق، وهو عضو هيئة كبار العلماء، ومرشّح لإمامة الأزهر ومشيخته، فتحول، بين عشية وضحاها، إلى جاهل ومتآمر مع الغرب، ومضحوك عليه من المستشرقين، و"أهبل"، هكذا بتوصيف مفكر إسلامي كبير، فصلوه وشلحوه من المشيخة، وصار أثراً بعد عين. وإلى الآن، يتحرّج كل من يتحدث في شأن الدولة من مجرّد التعرّض للشيخ عبد الرازق، بل ينفي عن نفسه ابتداءً تهمة أنه يتابع عبد الرازق في رأيه، ويحاول أن يجد مدخلاً آخر، ليخلص إلى النتيجة نفسها!
فعلها خالد محمد خالد، في كتابه "من هنا نبدأ"، ثم تراجع بعد ثلاثة عقود من المحاولة، من دون جدوى، ليكتب "الدولة في الإسلام"، ويخلص إلى النتائج نفسها التي خلص إليها في كتابه الأول ولكن بأدلة شرعية. وحين سئل، في آخر حوار صحافي معه قبل وفاته عن مفهومه للشورى، قال هي الديمقراطية كما يمارسها الغرب!
صياغات الريسوني، الأكثر صراحة الآن، سبقتها صياغاتٌ أخف وطأة في تسعينيات القرن الماضي، في برنامج "الشريعة والحياة" في قناة الجزيرة. قال نصاً: "إن تسعة أعشار الشريعة لا تحتاج إلى الدولة في شيء". وفي حواراتٍ صحافيةٍ وتلفزيونيةٍ متنوعة معه، يكرّر الشيخ الأمر نفسه، بصياغاتٍ تحاول "التسلل" إلى متلقٍ موتور، لن يرضى بغير ما تعوّد أن يسمع، ولن يؤثر فيه، أو يحرّكه حشد عشرات الأدلة النقلية والعقلية، فالحقيقة يصنعها سياقه المأزوم، ثم تستدعى الأدلة المنتحلة لتعزيزها.
عشرات من العلماء والباحثين المتخصصين، الأكاديميين، المؤهلين، أبناء المدرسة الأصولية، ألتقيهم، بحكم انشغالي المهني بالملف الديني، لديهم من الآراء في شؤون الدولة والاجتماع ما يوفر علينا دماء وأعماراً كثيرة مهدرة، والحرج، لكنهم يخشون مجرّد التلميح بها، فهي كفيلة بالقضاء عليهم تماماً، بل إن بعضهم لا يكتفي بالسكوت عنها، إنما يصرّح بضدها، اتقاءً لغضبة "أولتراس" الدعوة، ومزايدات الأقران، وفقدان العمل، وسلطة التأثير، فهل قال الريسوني كل شيء؟
دلالات
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024