تتعدّد مشاريع الترجمة المؤسسية الكبرى في العالم العربي. ثمة بضعة مشاريع عربية ترفد سوق النشر بانتظام، إلى جانب جهود المترجمين ودور النشر المستقلة. لكنك إن بحثت، لن تجد بيانات واضحة عن كيفية عمل سوق الترجمة، وماذا ينتج وكم ينتج وكم يبيع.
يضاف إلى ذلك، أسئلة أكثر إلحاحاً عن المترجم؟ من هو، وكيف يجري اختياره، وكيف ينتقل هذا من شخص يتقن لغة أجنبية إلى رتبة أعلى، فيصير ناقلاً لوعي ومعرفة ومفاهيم وأدب ومجازات. السؤال من الأهمية بمكان، إذ لا يخفى على القارئ المتمكّن حجم المغالطات والغموض والاستسهال الذي يتعرّض له النص على يد مترجمين هواة.
"العربي الجديد" حملت بعض هموم وأسئلة الترجمة، واستطلعت آراء بعض المترجمين بخصوصها.
يعكس سوق الترجمة بواقعه الحالي إيجابيات وسلبيات عدّة، وفقاً للمترجم السوري هفال يوسف، حيث يتحوّل الكِتاب فيها إلى سلعة كأي منتجات أخرى، يخضع لقانون العرض والطلب. هنا، يصبح الناشر بوصفه "تاجر كتب" مضطراً للتجاوب مع متطلبات الزبون "القارئ"، ومعرفة إمكانية بيع الكتاب وعدد النسخ التي ستُباع.
أمّا المعايير الأخرى من أهمية الموضوع وجودة العمل فتأتي تالياً. وكثيرٌ من الناشرين يقبلون نشر كتب يعتقدون أنها رائجة، ويرفضون كتباً رغم أهميتها وعمقها، ربما لأن الكاتب غير معروف للقارئ العربي، بينما يمكن أن ينشر أعمالاً متهافتة لأنها تبيع.
من جهة جودة الترجمات، يقول يوسف إن هناك مترجمين ممتازين ومترجمين جيدين، وطبعاً هناك ترجمات رديئة، لكن كثرة هذه الأخيرة تعود إلى آليات السوق المحكوم بضعف الإقبال على شراء الكِتاب وقلّة القرّاء في العالم العربي قياساً إلى عدد السكّان، وبالتالي يحاول الناشر التقليل من التكاليف، فهو يفضّل أن يدفع من خمسة إلى عشرة دولارات على ترجمة الصفحة لمترجم "لا بأس به" بدلاً من دفع 30 دولاراً لمترجم جيّد، علماً أن هناك مترجمين أقل جودة يتقاضون أجوراً أعلى من أساتذة ترجمة، وذلك بفضل تسويقهم الجيّد لأنفسهم وعلاقاتهم المتشعبة بدور النشر.
من وجهة نظر المترجم السوري الحارث النبهاني، لا حاجة لأن تكون فيزيائياً أو رجل أعمال لتترجم كتاباً يتعلق بكلا الموضوعين، إلا أن الأمر يختلف تماماً حين يتعلق بالأدب. يضيف مؤكداً على أهمية أن يكون ناقل النص الأدبي أديباً أو شخصاً قادراً على تذوّق الأدب ويمتلك الإحساس الجمالي باللغة العربية.
يضيف أن ما يزيد من مشاكل الترجمة، قلّة المعرفة بقيمة الكتب والعناوين الأجنبية وضرورة ترجمتها، وهو أمر يعاني منه المترجم والقارئ العربي على السواء، لا سيما الأخير، الذي قد يفتقر إلى القدرة على تمييز الجيّد من السيئ فيستوي لديه المترجم المحترف والرديء.
يتفق الشاعر والمترجم المصري محمد عيد إبراهيم مع النبهاني، معتبراً أن غالبية دور النشر لا تعتني بهذه الأساسيات الضرورية من ناحية اختيار العناوين المهمة والمترجم المناسب للنص المناسب، ما يعطي منتوجاً أدبياً مترجَماً بأخطاء قاتلة ومضحكة لا يليق ربطها بأسماء مؤلفيها الكبار.
لا يجد إبراهيم مشكلة في زيادة أعداد المترجمين والكتب المترجمة، فالمترجم "رسول الحضارات، والترجمة هي عملية التعرف إلى الآخر عدواً كان أم صديقاً، إلا أن على ممتهني الترجمة امتلاك مداخلها كإتقان اللغة الأجنبية، والاطلاع الواسع على ثقافة هذه اللغة، يقابل ذلك براعة وتمكّن من اللغة العربية"، مشدداً على ضرورة الاعتماد على ترجمة ما هو جديد ومحاكٍ للعصر الراهن في الأدب، دون تكرار طحن الطحين، في إشارة إلى ترجمة ما تم نقله سابقاً.
من جهته، تطرّق المترجم السوري جمال سعد إلى موضوع وضوح النص المترجَم للقارئ. بالنسبه إليه، فإن الأمر مرتبط بتمكّن المترجم نفسه من فهمه في المقام الأول، فضلاً عن مشكلة غياب "القارئ الأول" أو المحرّر الذي يساعد المترجم على إعادة النظر في ما تمّ نقله، ناهيك عن استعجال دور النشر وتواطؤها على تسويق عنوان ما على حساب مستوى الترجمة.
يلزم التفريق بين الترجمات التي تشوبها بعض الهنات والترجمات الرديئة، بحسب المترجم السوري محمد حبيب، فالأولى ستكون غير قادرة على بلوغ المعنى الصحيح للفكرة والصورة الأدبية، وهنا يمكن قراءتها مع بعض الإرباك للقارئ. أما الثانية، فزاخرة بالأخطاء والتجاوزات التي تصبح معها الترجمة غير صالحة للقراءة.
يذكر حبيب ترجمته التي صدرت عن "دار المدى" لرواية "العمى" لـ جوزيه ساراماغو، مؤكداً أن ترجمة أولى كانت قد صدرت عن دار أخرى لم تكن لائقة باسم الكاتب وروايته، مشيراً إلى ما يجري في الكثير من دور النشر التي تتوجه إلى مترجمين قليلي الخبرة أو "ورشات" ترجمة تعتمد السرعة في عملها من دون أي اعتبارات أخرى.