تراوحت ردود الفعل حيال مضمون التقرير السنوي لمجلس الأمن الدولي، الذي أصدره يوم الثلاثاء الماضي، بخصوص نزاع الصحراء الغربية، بين إشادة المغرب بفحواه، وتحفظ أبدته الجزائر بشأن بعض توصياته، فيما ندّدت جبهة "البوليساريو" بما ورد فيه.
وحملت لغة التقرير الجديد لمجلس الأمن الدولي، إشادة بموقف المغرب من ملف الصحراء، وبالتوصية بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء دون تعديلها، كما كانت تطالب الجزائر والبوليساريو. لكن هذه اللغة حملت تساؤلاً يتعلق بمدى انعطاف المسار الأممي في قضية الصحراء.
اقرأ أيضاً: أميركا اللاتينية باحة صراع بين المغرب والبوليساريو
ورأى مراقبون أنّ هناك "انعطافا في مسار الأمم المتحدة في تعاطيها مع نزاع الصحراء، وميل الكفة هذه السنة، بخلاف السنوات السابقة، إلى الجانب المغربي"، وأنّ سرّاً وراء هذا الانعطاف ويكمن في ورقة حقوق الإنسان، التي طالما كانت تلعب بها البوليساريو، وتنتقد ما تصفه بانتهاكات حقوق الإنسان بالصحراء.
ورقة حقوق الإنسان
وفسّر الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك، عمر هلال، هذا الموقف لمجلس الأمن من قضية الصحراء، بقيام المغرب بالانفتاح والتعاطي الإيجابي مع الآليات الأممية المختلفة، ما جعل صورة المملكة تبدو جيدة أمام المنظمة الأممية.
وقال هلال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المغرب بادر في الآونة الأخيرة إلى إصلاح قانون القضاء العسكري، وصار مطبوعاً بنظرة تحترم أكثر حقوق الإنسان، إضافة إلى أنّ الرباط فتحت الباب أمام زيارات المقرّرين الأمميين، ومنهم المندوب السامي لحقوق الإنسان، ودعته لزيارة الأقاليم الصحراوية".
ولفت هلال إلى أن أحد الأسباب الأخرى التي دفعت مجلس الأمن إلى إصدار تقريره، الذي وصفه بالواقعية والاتزان، تكمن في الاتصال الهاتفي الذي دار بين الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قبل أسابيع خلت، طالبه من خلالها بتقرير واقعي، "دون منح هدايا لأي طرف".
وسرد السفير بعض معالم التغيير في تعاطي الأمم المتحدة مع ملف الصحراء، ومن ذلك حديث تقرير مجلس الأمن لأول مرة عن إنجازات حقوق الإنسان التي قام بها المغرب، وإشارته إلى دعوة الأطراف للتحلي بالهدوء والمبادرة إلى المفاوضات، مؤكداً أن التقرير أعاد عقارب الساعة إلى مكانها الطبيعي.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الحسن بوقنطار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المغرب فطن بذكاء إلى الورقة الحقوقية التي كانت تراهن عليها جبهة البوليساريو ومن يساندها، فحوّلها من ورقة ضغط عليه إلى ورقة سياسية رابحة في ملف الصحراء".
ويشير بوقنطار إلى أن تقرير مجلس الأمن الدولي توقف عند عدد من الإنجازات في مجال حقوق الإنسان حققتها المملكة في الشهور الماضية، ومنها على الخصوص القبول بزيارة مقرري الأمم المتحدة لزيارة الصحراء، وانخراط المغرب في اتفاقية مناهضة التعذيب، وتعزيز الآليات الحقوقية في مدن الصحراء.
وبخصوص طلب مجلس الأمن بإحصاء سكان مخيمات تندوف، يقول بوقنطار إنّ هذا مطلب يأتي لصالح المغرب، ويدعم رؤيته لمسار حلّ مشكلة الصحراء، فيما ترفضه الجهات المتنازعة الأخرى، لأنها تستغله لتضخيم عدد اللاجئين بالمخيمات للاستفادة من المساعدة الإنسانية التي تتم إعادة بيعها.
البوليساريو ممتعضة
لكن في المقابل، ندّدت جبهة "البوليساريو"، المطالبة بانفصال الصحراء، بمضمون تقرير مجلس الأمن، وقال مسؤولوها إنه جاء مناقضاً لتصريحات بان كي مون السابقة، التي تؤكّد أنّه يتعيّن على مجلس الأمن أن يفرض الحل في الصحراء إذا لم يحصل تقدّم ملموس في المفاوضات.
واعتبر القيادي في جبهة "البوليساريو"، عبد القادر الطالب عمر، أنّ "مصداقية الأمم المتحدة تبقى مرهونة بإيجاد حلّ يفضي إلى تقرير مصير الشعب الصحراوي، وإيجاد آليات محايدة لمراقبة حقوق الإنسان، واحترام القانون الدولي في ما يخص استغلال الثروات الطبيعية للصحراء الغربية".
وبعدما دعا الطالب عمر منظمة الأمم المتحدة إلى ضرورة وضع "حد فاصل" لما سماه "مماطلات ومناورات النظام المغربي المرفوضة"، سجل بارتياح "موقف الجزائر الثابت والمبدئي كحليف استراتيجي لكفاح الشعب الصحراوي"، في إشارة إلى دعم الجزائر لجبهة البوليساريو.
من جهتها، بدت الجزائر متحفظة إزاء بعض ما جاء في تقرير مجلس الأمن الدولي، إذ دعا المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية، عبد العزيز بن علي شريف، الأمم المتحدة إلى العمل من أجل التوصل لحل سياسي عادل يفضي إلى تقرير مصير الشعب الصحراوي.
لكنها أعربت عن ارتياحها لاهتمام الأمم المتحدة بمسألة مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، مطالبة مجلس الأمن بالعمل من أجل وضع وتطبيق إجراءات مستقلة وذات مصداقية تضمن الاحترام التام لحقوق الإنسان في إقليم الصحراء الغربية.
اقرأ أيضاً: المغرب والجزائر .. حرب الرمال مستمرة