أغلقت شرطة محافظة دمشق، اليوم الخميس، محل صناعة بوظة بكداش الكائن بسوق الحميدية وسط العاصمة السورية، بتهمة "مخالفات صحية".
وأصدر محافظ دمشق بشر الصبان، قراراً بإغلاق "نهائي" لمحل بوظة بكداش الذي يعود تأسيسه إلى عام 1895، بسبب وجود مخالفات صحية جسيمة لدى المحل، بحسب قرار المحافظ.
وجاء قرار الإغلاق النهائي بحسب نص القرار الذي اطلع عليه "العربي الجديد" بناءً على اقتراح من لجنة مشتركة من التموين والشؤون الصحية زارت المحل، ورفعت مقترحاً بالإغلاق نتيجة المخالفات التي تم ضبطها داخله، وسيتم تنفيذ القرار من قبل شرطة مجلس المحافظة غداً أو بعد غد على أبعد تقدير.
ويصف الاقتصادي السوري صلاح يوسف، القرار بـ"الجريمة" لأن بوظة بكداش هي من السلع الشامية الأشهر، كما أن المحل الذي أغلقته حكومة النظام اليوم، كان بمثابة زيارة إجبارية لأي مسؤول عالمي يزور العاصمة منذ نحو قرن، ووثق أصحاب المحل زيارة الرؤساء والمسؤولين، السوريين والعرب والعالميين، على جدران المحل.
ويعتبر يوسف في تصريحٍ إلى "العربي الجديد" أنه ليس من المعقول أن تجازف دولة بعلامة تجارية بمستوى "بكداش" والتي نقلت صناعة البوظة العربية لمعظم دول الجوار والعالم، كما أن عذر المخالفات الصحية هو حجة واهية على ما أعتقد، "بل ربما عدم دفع الأتاوة هو السبب"، على حد قول الاقتصادي السوري.
وكانت مصادر خاصة من دمشق قد أكدت لـ"العربي الجديد" خلال اتصال هاتفي، أن السبب الحقيقي هو تمنّع ورثة بكداش عن دفع الرسوم والضرائب التي فرضتها المحافظة أخيراً لجباية المال.
وأشارت إلى أن مبيعات "بوظة بكداش" بدمشق تراجعت كثيراً خلال سنوات الثورة، بسبب الضائقة المالية التي يعيشها السوريون، ولفتت المصادر إلى أن "بكداش" نقل علامته وصناعة البوظة إلى أكثر من دولة خلال الحرب، وأشهرها الكويت والأردن وبلاد أوروبية.
ويعود تاريخ التأسيس إلى عام 1895، حين قرر شاب دمشقي يدعى محمد حمدي بكداش، كان يعمل في بيع عصير الليمون البارد، أن يغامر ويجرب في تصنيع مادة غذائية متطورة عن العصائر، من خلال إضافة نبات ينمو بشكل بري في الجبال المرتفعة بشمال سورية المتاخمة للحدود التركية تدعى "السحلبة"، وهو نبات معروف يمكن إضافته للحليب لتتشكل منه مادة البوظة العربية أو "الإيما". وقرر بكداش أن يفتح محلاً في وسط سوق الحميدية الشهير، وتحديداً في الجزء الثاني منه المتجه للجامع الأموي.
وبعد أن أطلع الحكومة العثمانية على فكرته ومغامرته، قررت دعمه بإرسال وفد حكومي رفيع المستوى عند افتتاح محله، وبالفعل حقق بكداش ما كان يحلم به وافتتح المحل الذي أخذ شهرة واسعة ليس في سورية فحسب، بل في البلاد العربية والغربية. وورث ولداه (موفق وهشام) المحل، بحيث ما زالا مستمرين في تحضير وبيع البوظة العربية.
لا يزال المحل كما أسسه الوالد، بديكوراته حتى أصبح معلماً من معالم سوق الحميدية ودمشق القديمة، وأصبحت بوظة بكداش ضمن نسيج دمشق الفلكلوري والتراثي، بحيث ارتبط اسمه بشكل وثيق بسوق "الحميدية" الشعبي التراثي المحلي، فما أن تذكر اسم "الحميدية" حتى تتذكر "بوظة بكداش" في قلب هذا السوق.