محمد الشيخ خليل.. طبيب التوليد الناجح في الدنمارك

15 اغسطس 2015
الدكتور محمود الشيخ خليل (العربي الجديد)
+ الخط -
من النادر جدا أن لا يكون والدان دنماركيان، حديثي العهد بالأبوة، غير متفقين على اسم لمولودهما. فجأة تنقلب الأمور رأسا على عقب، يستدعى كبير الأطباء بقسم الولادة، في مشفى كولدينغ الدنماركي، محمد الشيخ خليل في بداية الشهر الماضي بسبب تعقيدات كبيرة وخطيرة واجهتها قابلات التوليد. كان الخطر محدقا بالجنينين والوالدة بسبب تعسر كبير في التوليد. يتخذ الطبيب قرارا سريعا ينقذ من خلاله حياة الثلاثة بطريقة أثارت إدارة المشفى والوالدين والصحافة المحلية.
يقول الطبيب خليل في لقاء خاص بـ "العربي الجديد": " في العادة وحين يكون البنج موضعيا والأم في حالة وعي تام ويقف زوجها بجانبها أقوم كطبيب بتلطيف الأجواء بدردشة بسيطة وأنا أخيط مكان العمل الجراحي. سألتهما: ما هو الاسم الذي ستطلقونه على الولد والبنت؟ ابتسمت حين قال الأب، وهو يعمل مدرس، سنسميه "خليل". اعتقدت بأنها مجرد مجاملة. لكنه بدأ يسأل عن معنى الإسم وشرحت له".
بعد يومين تلقت المشفى رسالة من الوالدين "وإذ بالأمر بالفعل جدي يشكران العمل الذي قمت به ويخبران بأنهما أطلقا اسم خليل على مولودهما". تلك القصة سبقها بأشهر عملية ولادة متعسرة وخطيرة وكان ذات الأمر أن سأل الوالدان الشابان عن اسم الطبيب ليفاجأ بعد الولادة الثانية بأنه بالفعل صار هناك مولودين دنماركيين يحملان اسم الطبيب خليل.

مسيرة هجرة ونجاح في الغربة
بدأت مسيرة الطبيب محمود الشيخ خليل، وهو لأب عكاوي وأم بيروتية، في برج البراجنة ببيروت في عام 1985 ورغبته بدراسة الطب في أوج "حرب المخيمات"، حيث اضطرته الظروف وهو في الثامنة عشر وبعد أن أنهى دراسته في "ثانوية الروضة" على مغادرتها بعد أن اقنع والديه القلقين "لأني لم أكن بعد قد دخلت معترك الحياة" بحسب ما يتذكر.
لم تكن أحوال فلسطينيي لبنان على ما يرام في بيروت فقد تهجرت العائلة إلى صيدا ويتذكر خليل:" كانت أمي تدفع دائما باتجاه الدراسة، وخافت علي من حمل السلاح فقد كان أهلي بمن فيهم خالي اللبناني منضويين في العمل الفدائي، ولم أجد بدا سوى السفر إلى برلين الشرقية ومنها إلى الغربية هربا تحت كرسي قطار قديم".
من غرب ألمانيا قطع الشاب خليل الغابة الفاصلة بينها والدنمارك مشيا على الأقدام في أكتوبر من عام 1985، وقد صمم على الدراسة:" تعلمت اللغة وسألتني موظفة البلدية عن رغبتي، فقلت لها أريد دراسة الطب. صدمتني حين قالت لي: لا يحق لك... الطب فقط للدنماركيين. لكنني كنت أعرف بأن الأمر يتعلق فقط بالمعدل وليس بالجنس" لذا حين التحق خليل بمدرسة مهنية بعد أن أجبرته "المرشدة الاجتماعية" على ذلك قال له أحد المدرسين: أنت يجب أن تأخذ الثانوية بشكل مكثف وتتقدم بدراسة جامعية فالمدرسة المهنية ليست مكانك.
في عام 1989 وبعد أن تقدم لدراسة الهندسة أو الطب حصل محمود على مقعد في كلية طب جامعة أودنسة، نسي كل ما قالته تلك الموظفة وأصر أن يقطع شوطه الطويل رغم الفارق بينه وبين الطلبة الدنماركيين. كشاب في المهجر اندمج سريعا في الحياة لكن كلمات أمه بقيت ترافقه "الدراسة كفاح أيضا إذا كنت تريد فعل شيء لفلسطين"، هكذا يتذكر وهو يسرد مسيرته وحديثه مع والدته التي فرحت لنجاحه.
في ذات الجامعة لم يكن يدرس الطب سوى هو واثنان من الفلسطينيين، كأول طلبة عرب في تاريخ تلك الكلية، وشاءت الظروف أن يكون الثلاثة في ذات المشفى اليوم. تخصص في الجراحة النسائية والعقم.
نجاحات محمد خليل في مسيرته الطبية جعلته منذ 10 أعوام يتنقل بين سكنه في جزيرة فيون والمشفى في كولدينغ، ويقول بأن زملاء العمل لم يكونوا سوى مرحبين وسعداء. أما المرضى فلا يخفي خليل توجسهم في البداية من "محمد خليل" لكن "تعاليمي وحضارتي وتربيتي جعلتني أفكر بأن الابتسامة في وجه هؤلاء جزء أساسي من كسب الثقة". وبالفعل ترقى في وظيفته حتى أصبح كبير أطباء التوليد في مشفى كولدينغ، يثني عليه مدراء العمل والمرضى ويقيم علاقات واسعة بالسياسيين المحليين وقيادة الشرطة في أودنسة حيث يعتبره محيطه نموذجا لقصة نجاح يمكن لأي شاب أن يحققها.
المساهمون