في ختام الدورة الـ22 (29 أكتوبر/ تشرين الأول ـ 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) لـ"المهرجان القومي للسينما المصرية"، فاز "أخضر يابس" لمحمد حمّاد بـ3 جوائز: جائزة الإنتاج الثانية (200 ألف جنيه) لحمّاد وخلود سعد ومحمد الشرقاوي و"فيلم كلينك"، وجائزة إخراج أول عمل (20 ألف جنيه) لحماد، وجائزة أفضل ممثلة (30 ألف جنيه) لهبة علي.
لا أحداث في الفيلم، بل يوميات شابّة تواجه واقعها كامرأة قدر ما تستطيع، بل وأكثر. المخرج حمّاد (37 عامًا) مُشارك في لجنة تحكيم "مسابقة أسبوع النقّاد الدولي"، في الدورة الـ40 (20 ـ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، فكانت مناسبة لحوار معه حول الفيلم والمهرجان وتساؤلات أخرى.
(*) قبل حفلة افتتاح الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي، تبادلنا حوارًا سريعًا عن العمل الأول، وأهمية حرية المخرج فيه للتعبير عن نفسه.
ـ تتوافر في العمل الأول الفرص كلّها للأخطاء الممكنة كلّها، وللتجريب الممكن أيضًا. ربما يكون أسوأ عمل، أو أفضل عمل. لكن، على المخرج أن يعبّر ويعرّف من خلاله، بصدق ومن دون حسابات، عن نفسه وأفكاره فقط. إنها فرصته، إذ تدخل فيما بعد أمور أخرى في الحسبان. الفيلم الأول حوار مع نفسي. الفيلم الثاني حوار معها ومع السينما ومع تساؤلات عامة، فالأمر لم يعد يتعلّق بأسلوبي فقط، بل بماهية الموضوع أيضًا. طبعًا، تواجهنا مشكلة في العمل الأول: رغبة الحديث عن كلّ شيء في الوقت نفسه، كأنّه آخر فيلم.
مع أول فيلم، أطرح 4 أسئلة: ماذا أقول؟ لماذا أقول؟ كيف أقول؟ لمن أقول؟
(*) بالنسبة إلى "كيف"، يتجلّى في "أخضر يابس" أسلوبك الخاص في السرد، كأن الزمن لا يمرّ. كيف تحدّده؟ أما بالنسبة إلى "من"، فهل تضع الجمهور في اعتبارك عند الكتابة؟
ـ المضمون يفرض الأسلوب. مفتاح الشكل يكمن في الشخصية والمضمون، وإن لم يرتبط بهما فستكون المشكلة كبيرة. مثلاً: عند تناول حالة نفسية، تفرض الشخصيات شكل الفيلم، من إضاءة وزوايا وأسلوب معالجة. لنأخذ فيلم افتتاح "مهرجان القاهرة" ("كتاب أخضر" للأميركي بيتر فاريلّي) مثلاً: هو عن العنصرية، ويستهدف شريحة معيّنة من الجمهور. هذا يفرض أسلوب المعالجة. المخرج يعرف جيّدًا وجهته. لعلّ ما قدّمه غير متناسبٍ مع ذوقي وأفكاري، وهو ليس فيلمي المفضّل سينمائيّا. لكن، طالما أنه استطاع إيصال فكرته إلى الناس، فهذا جيّد.
(*) ما هي مواصفات فيلمك المفضّل سينمائيًا؟
ـ أميل إلى السينما الأقرب إلى الشعر. القصيدة هي الشكل الأقرب إلى السينما. هي الوحيدة التي تُحدث في النفس هذا الأثر القوي. هناك تكثيف فيها، وعلى الفيلم أن يشبهها في هذا. هناك أفلام غير مؤثّرة، وبعد مُشاهدتها تشعر أنّك لم تمتلئ بها ولم يبق منها أثر فيك. أسماء معدودة فقط لها قوّة التأثير الداخلي تلك. الفيلم الذي كالوجبة الخفيفة شيء، والسينما كفن وإيصال الأحاسيس شيء آخر.
(*) في فيلمك القصير "أحمر باهت" (2009)، ثمّ في "أخضر يابس" (2016)، اقتراب حميم من عالم المرأة. كيف توصّلت إلى مقاربة مشاعر المرأة، وتلك التفاصيل الخاصة بها، على هذا النحو؟
ـ لا أفكّر مُسبقًا بأن الفيلم سيكون عن المرأة. "أخضر يابس" ليس فيلمًا عن المرأة. إنه فيلم وجودي، يتكلم عن الوقت والإشارات كلّها التي فيه، والتي تُحيل إلى ذلك. كان يُمكن لإيمان (هبة علي) أن تكون رجلاً أو شابًا أو عجوزًا. همّي الإنسان أولاً، ولا أقصد المرأة. الحياة حقيبة نضع فيها ما نلتقطه من أشياء وتفاصيل، ثم نفتحها في البيت ونفرز ما فيها. أكثر ما عثرت عليه في حقيبتي هذه هو الشخصيات الظاهرة في "أحمر باهت" و"سنترال" (2006، تأليف محمد حماد وإخراجه ـ المحرِّر) و"أخضر يابس". شعرتُ أن حكاياتهم تستحق أن تُروى. هذه شخصيات حقيقية صادفتها. إيمان صلبة، وشكلها الخارجي يوحي بقوّتها. لكنها هشّة ومأزومة أيضًا. أتحسّس مشاعرها الجوّانية، وأنبّه إليها. هذه هي السينما. ربما لا يشعر صنّاع الأفلام والجمهور بالارتياح إلى مثل هذا النوع.
(*) لماذا؟ هل بسبب أسلوب السرد، أم نوعية الشخصيات؟
ـ لأنها أفلام مستفِزّة. أنا ضد فكرة جلوس المُشاهد في أمان وهو يتفرّج على الشخصيات. في هذا شيء من الأنانية. عليه أن يدخل الفيلم، وأن يتورّط في عوالمه. السينمائيّ مُطالب بأن يكون مهمومًا بالبشر حوله. هذه مسؤولية اجتماعية وهمّ إنساني، وعلى المُشاهد المشاركة فيهما. لا تنفع تسليته فقط، حتى في الأفلام الهزلية، إذ يجب عليه، عند خروجه من الصالة، أن يشعر كأنّه نال "عَلْقة"، وأن الفيلم داخله.
هناك أسئلة: هل حصل تأثير؟ هل سيبقى التأثير داخله حتى وإنْ لم يُحبّ الفيلم؟ حين يرى في الواقع شخصية مشابهة لما رآه في الفيلم، هل يبقى موقفه منها كالسابق؟ هذا هو الفن.
(*) كيف كان أثر "أخضر يابس"، وهو فيلم بلا أحداث، على الجمهور في مصر؟
ـ حين عُرض، كان في آخر قائمة الأكثر مُشاهدة، ثم بدأ يصعد، إلى أن تجاوزت إيراداته إيرادات الأفلام التجارية. لم أكن أتوقّع هذا إطلاقا. هذه إشارة إلى وجود نوع جديد من الجمهور، لديه رغبة في اكتشاف الجديد. جمهور مثقّف نوعًا ما. علينا مراكمة هذا النوع من الأفلام، كي ينمو جمهور كهذا. إيرادات فيلمي أرتني نوع الجمهور، إذْ كنتُ أمرّ على الصالات لملاحظة كيفية تفاعله مع الفيلم. هذا ليس جمهور مهرجانات. عدده يتصاعد تدريجيًا، وهذه أيضًا إشارة مهمّة. كانت فرحة حقيقية لي وأجمل إحساس. يمكن أن يكون فيلمًا "كويس وثقيل"، لكنه كان يحرّض على المجيء إلى الصالات. الناس محتاجون إلى رؤية شيء آخر غير التفاهة، وهم لا يريدون التدجين الفكري كذلك.
(*) ماذا تقصد بهذا: أفلام الوعظ والخطب؟
ـ الأفلام الأخلاقية غير المباشرة. كأن يرغب المخرج في تمرير حكمة ما، أو أن تكون لديه تساؤلات وجد حلولاً لها، أو وصل إلى نتيجة معينة في الحياة فصنع فيلمًا كي يوصلها. هذا لا علاقة له بالسينما. أنا أريد الاكتشاف.
(*) هناك 7 أفلام مصرية في "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ40". هل ترى أن هناك ما يمكن اعتباره تيارًا جديدًا في السينما المصرية؟
ـ ليس تيارًا، لأن الأفلام ليست متشابهة فيما بينها. كل فيلم يُقيم في حيّز خاص به، وله طريقته وتوجّهاته. لكن، هناك حاجة كبيرة جدًا إلى صنع أفلامٍ بالطرق الممكنة، حتى لو ابتعدنا عن التقليد. حاجة هذا الجيل إلى عمل فيلم، لأن لديه ما يقوله. وطالما أن الحاجة موجودة، فهذه الحركة ستبقى. حركة؟ نعم. إنها التسمية الأنسب.
(*) شاهدتُ في المهرجان نفسه أفلامًا مختلفة في أساليبها عن السينما المصرية التقليدية. هل ترى أن التطوّر هو فقط في عمل شيء مختلف؟
ـ يلزم وقت قبل التقييم. أنا ضد الاستعجال في توصيف الحالة. لندعها تسير، ولندع الأفلام تُنجز، ثم نرى. نحن نتحمّس للتوصيف. شيء "جديد"؟ لنتركه كما هو، ولا نضعه في تيار واحد. في كل حال، لا أستطيع القول إنه تيار واقعية جديدة، كأفلام محمد خان وداوود عبد السيد وخيري بشارة. هي أفلام على حدة، منها من حاول الاقتراب من الجمهور، وبينها من هو مخلص جدًا لطريقته. لغتنا في الأعوام الـ10 الأخيرة مختلفة جدًا عن تلك التي أنجزها الجيل السابق. بعد حصولي على جوائز كثيرة، وصلت إلى حقيقتين: الأولى أنّ الجوائز حسابات وآراء، ولا أستطيع القول إنها مؤشّر خالص، لا هي ولا الاشتراك في المهرجانات الكبرى. المؤشّر الوحيد هو الفرجة على الفيلم. هل مَسَّني؟ الجمهور هو الأهم مهما كانت شريحته. الثانية أنّ المهم هو عمل ما يرضيني كفن، ما أريده بالضبط. يمكن تحقيق فيلم يناسب الجوائز، ويتمّ إخراجه بأسلوب يجعل المتفرّج يخرج بإحساس طيب. هذا سهل. عندما أنجزت "أخضر يابس"، كان إحساسي أنّ الناس ستجده صعبًا، وأنه لن ينال جوائز. كنت أقول لفريق العمل معي إنّه فيلم لنا. لكن توقّعاتي لم تُصب.
(*) هل ترى تطوّرًا في السينما العربية الراهنة؟
ـ أحاول متابعتها. في فلسطين، هناك انتصار في السينما. هناك تجارب ملهمة، آخرها مثلاً "اصطياد أشباح" لرائد أنضوني. كما أن هناك محمود درويش في الشعر، هناك إيليا سليمان في السينما. التجربة العربية الثانية في تونس. سينما المغرب عامة عالية المستوى. في سورية كذلك، هناك سينما رائعة. الوثائقيان "طعم الإسمنت" (زياد كلثوم) و"آباء وأبناء"(طلال ديركي). لكن، ستبقى السينما المصرية مُسيطرة، لأنها صناعة، ولا صناعة سينمائية حقيقية في البلاد العربية.
(*) إذًا، هل يمكن الحديث عن سينما مصرية جديدة في إطار سينما عربية جديدة؟
ـ لدينا عوامل مشتركة كونها سينما مستقلة تمامًا، وخارج النظام. أيضًا الهموم واحدة. لذلك، فإنّ اللغة السينمائية بين أفلامها متقاربة. في أعماق هذا الجيل قدرٌ كبير من الحزن، وقدره أنه يعيش زمنًا صعبًا جدًا في المستويات كلّها، وتحوّلات كبيرة في العالم. منطقتنا متأجّجة. حظّه أنه مُقيم هنا.
ـ تتوافر في العمل الأول الفرص كلّها للأخطاء الممكنة كلّها، وللتجريب الممكن أيضًا. ربما يكون أسوأ عمل، أو أفضل عمل. لكن، على المخرج أن يعبّر ويعرّف من خلاله، بصدق ومن دون حسابات، عن نفسه وأفكاره فقط. إنها فرصته، إذ تدخل فيما بعد أمور أخرى في الحسبان. الفيلم الأول حوار مع نفسي. الفيلم الثاني حوار معها ومع السينما ومع تساؤلات عامة، فالأمر لم يعد يتعلّق بأسلوبي فقط، بل بماهية الموضوع أيضًا. طبعًا، تواجهنا مشكلة في العمل الأول: رغبة الحديث عن كلّ شيء في الوقت نفسه، كأنّه آخر فيلم.
مع أول فيلم، أطرح 4 أسئلة: ماذا أقول؟ لماذا أقول؟ كيف أقول؟ لمن أقول؟
(*) بالنسبة إلى "كيف"، يتجلّى في "أخضر يابس" أسلوبك الخاص في السرد، كأن الزمن لا يمرّ. كيف تحدّده؟ أما بالنسبة إلى "من"، فهل تضع الجمهور في اعتبارك عند الكتابة؟
ـ المضمون يفرض الأسلوب. مفتاح الشكل يكمن في الشخصية والمضمون، وإن لم يرتبط بهما فستكون المشكلة كبيرة. مثلاً: عند تناول حالة نفسية، تفرض الشخصيات شكل الفيلم، من إضاءة وزوايا وأسلوب معالجة. لنأخذ فيلم افتتاح "مهرجان القاهرة" ("كتاب أخضر" للأميركي بيتر فاريلّي) مثلاً: هو عن العنصرية، ويستهدف شريحة معيّنة من الجمهور. هذا يفرض أسلوب المعالجة. المخرج يعرف جيّدًا وجهته. لعلّ ما قدّمه غير متناسبٍ مع ذوقي وأفكاري، وهو ليس فيلمي المفضّل سينمائيّا. لكن، طالما أنه استطاع إيصال فكرته إلى الناس، فهذا جيّد.
(*) ما هي مواصفات فيلمك المفضّل سينمائيًا؟
ـ أميل إلى السينما الأقرب إلى الشعر. القصيدة هي الشكل الأقرب إلى السينما. هي الوحيدة التي تُحدث في النفس هذا الأثر القوي. هناك تكثيف فيها، وعلى الفيلم أن يشبهها في هذا. هناك أفلام غير مؤثّرة، وبعد مُشاهدتها تشعر أنّك لم تمتلئ بها ولم يبق منها أثر فيك. أسماء معدودة فقط لها قوّة التأثير الداخلي تلك. الفيلم الذي كالوجبة الخفيفة شيء، والسينما كفن وإيصال الأحاسيس شيء آخر.
(*) في فيلمك القصير "أحمر باهت" (2009)، ثمّ في "أخضر يابس" (2016)، اقتراب حميم من عالم المرأة. كيف توصّلت إلى مقاربة مشاعر المرأة، وتلك التفاصيل الخاصة بها، على هذا النحو؟
ـ لا أفكّر مُسبقًا بأن الفيلم سيكون عن المرأة. "أخضر يابس" ليس فيلمًا عن المرأة. إنه فيلم وجودي، يتكلم عن الوقت والإشارات كلّها التي فيه، والتي تُحيل إلى ذلك. كان يُمكن لإيمان (هبة علي) أن تكون رجلاً أو شابًا أو عجوزًا. همّي الإنسان أولاً، ولا أقصد المرأة. الحياة حقيبة نضع فيها ما نلتقطه من أشياء وتفاصيل، ثم نفتحها في البيت ونفرز ما فيها. أكثر ما عثرت عليه في حقيبتي هذه هو الشخصيات الظاهرة في "أحمر باهت" و"سنترال" (2006، تأليف محمد حماد وإخراجه ـ المحرِّر) و"أخضر يابس". شعرتُ أن حكاياتهم تستحق أن تُروى. هذه شخصيات حقيقية صادفتها. إيمان صلبة، وشكلها الخارجي يوحي بقوّتها. لكنها هشّة ومأزومة أيضًا. أتحسّس مشاعرها الجوّانية، وأنبّه إليها. هذه هي السينما. ربما لا يشعر صنّاع الأفلام والجمهور بالارتياح إلى مثل هذا النوع.
(*) لماذا؟ هل بسبب أسلوب السرد، أم نوعية الشخصيات؟
ـ لأنها أفلام مستفِزّة. أنا ضد فكرة جلوس المُشاهد في أمان وهو يتفرّج على الشخصيات. في هذا شيء من الأنانية. عليه أن يدخل الفيلم، وأن يتورّط في عوالمه. السينمائيّ مُطالب بأن يكون مهمومًا بالبشر حوله. هذه مسؤولية اجتماعية وهمّ إنساني، وعلى المُشاهد المشاركة فيهما. لا تنفع تسليته فقط، حتى في الأفلام الهزلية، إذ يجب عليه، عند خروجه من الصالة، أن يشعر كأنّه نال "عَلْقة"، وأن الفيلم داخله.
هناك أسئلة: هل حصل تأثير؟ هل سيبقى التأثير داخله حتى وإنْ لم يُحبّ الفيلم؟ حين يرى في الواقع شخصية مشابهة لما رآه في الفيلم، هل يبقى موقفه منها كالسابق؟ هذا هو الفن.
(*) كيف كان أثر "أخضر يابس"، وهو فيلم بلا أحداث، على الجمهور في مصر؟
ـ حين عُرض، كان في آخر قائمة الأكثر مُشاهدة، ثم بدأ يصعد، إلى أن تجاوزت إيراداته إيرادات الأفلام التجارية. لم أكن أتوقّع هذا إطلاقا. هذه إشارة إلى وجود نوع جديد من الجمهور، لديه رغبة في اكتشاف الجديد. جمهور مثقّف نوعًا ما. علينا مراكمة هذا النوع من الأفلام، كي ينمو جمهور كهذا. إيرادات فيلمي أرتني نوع الجمهور، إذْ كنتُ أمرّ على الصالات لملاحظة كيفية تفاعله مع الفيلم. هذا ليس جمهور مهرجانات. عدده يتصاعد تدريجيًا، وهذه أيضًا إشارة مهمّة. كانت فرحة حقيقية لي وأجمل إحساس. يمكن أن يكون فيلمًا "كويس وثقيل"، لكنه كان يحرّض على المجيء إلى الصالات. الناس محتاجون إلى رؤية شيء آخر غير التفاهة، وهم لا يريدون التدجين الفكري كذلك.
(*) ماذا تقصد بهذا: أفلام الوعظ والخطب؟
ـ الأفلام الأخلاقية غير المباشرة. كأن يرغب المخرج في تمرير حكمة ما، أو أن تكون لديه تساؤلات وجد حلولاً لها، أو وصل إلى نتيجة معينة في الحياة فصنع فيلمًا كي يوصلها. هذا لا علاقة له بالسينما. أنا أريد الاكتشاف.
(*) هناك 7 أفلام مصرية في "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ40". هل ترى أن هناك ما يمكن اعتباره تيارًا جديدًا في السينما المصرية؟
ـ ليس تيارًا، لأن الأفلام ليست متشابهة فيما بينها. كل فيلم يُقيم في حيّز خاص به، وله طريقته وتوجّهاته. لكن، هناك حاجة كبيرة جدًا إلى صنع أفلامٍ بالطرق الممكنة، حتى لو ابتعدنا عن التقليد. حاجة هذا الجيل إلى عمل فيلم، لأن لديه ما يقوله. وطالما أن الحاجة موجودة، فهذه الحركة ستبقى. حركة؟ نعم. إنها التسمية الأنسب.
(*) شاهدتُ في المهرجان نفسه أفلامًا مختلفة في أساليبها عن السينما المصرية التقليدية. هل ترى أن التطوّر هو فقط في عمل شيء مختلف؟
ـ يلزم وقت قبل التقييم. أنا ضد الاستعجال في توصيف الحالة. لندعها تسير، ولندع الأفلام تُنجز، ثم نرى. نحن نتحمّس للتوصيف. شيء "جديد"؟ لنتركه كما هو، ولا نضعه في تيار واحد. في كل حال، لا أستطيع القول إنه تيار واقعية جديدة، كأفلام محمد خان وداوود عبد السيد وخيري بشارة. هي أفلام على حدة، منها من حاول الاقتراب من الجمهور، وبينها من هو مخلص جدًا لطريقته. لغتنا في الأعوام الـ10 الأخيرة مختلفة جدًا عن تلك التي أنجزها الجيل السابق. بعد حصولي على جوائز كثيرة، وصلت إلى حقيقتين: الأولى أنّ الجوائز حسابات وآراء، ولا أستطيع القول إنها مؤشّر خالص، لا هي ولا الاشتراك في المهرجانات الكبرى. المؤشّر الوحيد هو الفرجة على الفيلم. هل مَسَّني؟ الجمهور هو الأهم مهما كانت شريحته. الثانية أنّ المهم هو عمل ما يرضيني كفن، ما أريده بالضبط. يمكن تحقيق فيلم يناسب الجوائز، ويتمّ إخراجه بأسلوب يجعل المتفرّج يخرج بإحساس طيب. هذا سهل. عندما أنجزت "أخضر يابس"، كان إحساسي أنّ الناس ستجده صعبًا، وأنه لن ينال جوائز. كنت أقول لفريق العمل معي إنّه فيلم لنا. لكن توقّعاتي لم تُصب.
(*) هل ترى تطوّرًا في السينما العربية الراهنة؟
ـ أحاول متابعتها. في فلسطين، هناك انتصار في السينما. هناك تجارب ملهمة، آخرها مثلاً "اصطياد أشباح" لرائد أنضوني. كما أن هناك محمود درويش في الشعر، هناك إيليا سليمان في السينما. التجربة العربية الثانية في تونس. سينما المغرب عامة عالية المستوى. في سورية كذلك، هناك سينما رائعة. الوثائقيان "طعم الإسمنت" (زياد كلثوم) و"آباء وأبناء"(طلال ديركي). لكن، ستبقى السينما المصرية مُسيطرة، لأنها صناعة، ولا صناعة سينمائية حقيقية في البلاد العربية.
(*) إذًا، هل يمكن الحديث عن سينما مصرية جديدة في إطار سينما عربية جديدة؟
ـ لدينا عوامل مشتركة كونها سينما مستقلة تمامًا، وخارج النظام. أيضًا الهموم واحدة. لذلك، فإنّ اللغة السينمائية بين أفلامها متقاربة. في أعماق هذا الجيل قدرٌ كبير من الحزن، وقدره أنه يعيش زمنًا صعبًا جدًا في المستويات كلّها، وتحوّلات كبيرة في العالم. منطقتنا متأجّجة. حظّه أنه مُقيم هنا.