لم يتمالك والد الشهيد، محمد عبد المجيد سنقرط (16 عاماً)، نفسه، بعدما رفع أطباء مستشفى "هداسا" الإسرائيلي في القدس المحتلة، ظهر الأحد، الأجهزة الطبية عن جسد ابنه، فأجهش بالبكاء، مفصحاً عن ألم أصاب أفراد العائلة، التي لم تغادر المستشفى على مدى أسبوع كامل، آملة استعادة محمد لوعيه.
وكان محمد، المتحدّر من حي وادي الجوز، شمالي بلدة القدس القديمة، قد أصيب بكسر في جمجمته، ونزيف في الدماغ، عقب إصابته برصاصة مطاطية أطلقها نحوه جنود وحدة خاصة، اقتحمت حي وادي الجوز، مساء الأحد الماضي. وأصيب الشاب في الجهة اليمنى من مؤخرة رأسه، بينما كان على بعد خطوات من مسجد عابدين ليؤدي صلاة العشاء فيه.
سقط محمد أرضاً، وفي لمح البصر، اجتمع حوله جنود الاحتلال، وركلوه بأحذيتهم العسكرية في رأسه ووجهه. وبرغم فقدانه للوعي، واصل الجنود ركله بوحشية تفتقد للإنسانية، وفق ما يؤكد والده، عبد المجيد سنقرط، لـ"العربي الجديد".
ولم يكتفِ جنود الاحتلال بذلك، بل أطلقوا قنبلتي صوت وغاز، باتجاه المسعف والمصور الصحافي، أمين صيام، الذي حاول الاقتراب من محمد، الذي وصل إلى المستشفى بعد نحو عشرين دقيقة من إصابته والاعتداء عليه، بمساعدة الأهالي الذي احتشدوا في المكان.
وأوضح المسعف أحمد التميمي، الذي شاهد الحادثة، لـ"العربي الجديد"، أن "محمد كان يتحدث بالهاتف حين جرى قنصه، فأصيب وسقط على الأرض فوراً، ونقلناه بمركبة خصوصية، عقب رفض إسعاف "نجمة داود الحمراء" الإسرائيلي الدخول للحي إلا برفقة شرطة الاحتلال".
وفي مستشفى "هداسا"، عين كارم، حيث استشهد محمد، حدث جدال ومشادات بين عائلة الشهيد وضباط من شرطة الاحتلال، الذين أصروا على الاحتفاظ بالجثة، ليسلموها في وقت لاحق يحددونه، لكن العائلة أصرت على تسلّمه، وطلبت تشريح جثته، عقب ادعاء شرطة الاحتلال بأن إصابته البالغة نتجت عن ارتطامه بالأرض بقوة، ولم يكن بفعل نوع جديد من الرصاص الأسود المغلّف بطبقة رقيقة من المطاط.
في المكان نفسه، الذي سقط فيه محمد مضرجاً بدمائه، كان أصدقاؤه ورفاقه في مدرسة الرشيدية يتذكرون اللحظات الأخيرة التي جمعتهم به.
فقد كان الشهيد يعدّ نفسه لليوم الأول من العام الدراسي الجديد الذي انتظم فيه الجميع، باستثناء محمد وصديقيه محمد الشرباتي ومحمد حجازي، اللذين لم يتمالكا نفسيهما وهما يرويان اللحظة الأخيرة التي جمعتهما به، فقد تحدث ثلاثتهم في ساعات ما قبل الظهيرة عن ترتيبات اليوم التالي، وأبلغهم محمد بأنه اشترى ما يلزم من قرطاسية ومن حقيبة جديدة لمدرسته.
قال صديقه، محمد حجازي، لـ"العربي الجديد": "بعد اليوم سنذهب بدونه إلى المدرسة، فلا ندري كيف"، ثم لمعت عيناه بالدموع، قبل أن يغادر على عجل.
أما والدة الشهيد محمد، إلهام سنقرط، فقد أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن "ابنها أتمّ استعداداته للعام الدراسي الجديد، ورافقها قبل ذلك إلى المكتبة، واشتريا ما يلزم من قرطاسية"، وتضيف: "في العطلة الصيفية كان يساعدني في أعمال المنزل، وكان دائم الحضور، ويحبه الجميع".
ثم تتذكر بألم لحظة رؤيته ملقى على وجهه والدم ينزف منه، فيما القيء والزبد يخرج من فمه: "لقد سمعتُ أنفاسه تتسارع، ورأيت جسده حينها ينبض بالحياة، لكن الدم كان يتدفق بغزارة من مؤخرة رأسه". أما حلمه، كما تقول والدته، فـ"كان أن يكمل تعليمه كطبيب، وهو حلم لكل العائلة رحل مع استشهاد محمد".
وبعد ساعات قليلة على إعلان استشهاد سنقرط، تحولت القدس إلى كتلة من الغضب، فانتفض مسقط رأس الشهيد، وادي الجوز، وعم الإضراب الشامل مدينة القدس، وامتدت المواجهات إلى العديد من الأحياء المقدسية.
كما اندلعت مواجهات عنيفة، ليل أمس الأحد، في عدة أحياء وقرى بالقدس المحتلة. وتركزت المواجهات في شارع حي المطار، شمالي القدس المحتلة، وفي أحياء عين اللوزة، بسلوان، والطور، وكذلك وادي الجوز، مسقط رأس الشهيد سنقرط، فضلاً عن بلدة سلوان، وقرية العيسوية، ومخيم شعفاط.
وهاجم العشرات من الشبان الملثمين بالزجاجات الحارقة، محطة وقود إسرائيلية على المدخل الغربي لقرية العيسوية، شمالي شرق القدس المحتلة، ما أدى إلى اندلاع النيران والتسبب بأضرار كبيرة فيها.
وأفاد ناشطون في القرية، لـ"العربي الجديد"، بأن "عدداً من جنود الاحتلال فروا من المكان خلال الهجوم المفاجئ على المحطة، ثم عادوا بقوات كبيرة، وأغلق المدخل الغربي الرئيس للبلدة بالصخور والأتربة ومكعبات الإسمنت، كما أغلق المدخل الجنوبي للبلدة، والمتصل بالجامعة العبرية، ومدخل آخر يربط القرية بمخيم شعفاط المجاور، فيما عززت قوات الاحتلال من وجودها على المدخل الشرقي للقرية".
ووصف عضو لجنة المتابعة في العيسوية، محمد أبو الحمص، هذا الإجراء من قبل قوات الاحتلال بأنه "عقاب جماعي يستهدف أهالي القرية".
وفي السياق، أفاد ناشطون في حي وادي الجوز، بأن شباناً ألقوا زجاجات حارقة على دوريات عسكرية للاحتلال وعلى مركبات للمستوطنين.
وفي مخيم شعفاط، شمالي القدس، اندلعت مواجهات عنيفة عند الحاجز العسكري المقام على مدخل المخيم.
وأفاد ناشطون في المخيم، لـ"العربي الجديد"، بأن "أعداداً كبيرة من الشبان هاجمت بالحجارة والزجاجات الحارقة جنود الاحتلال على الحاجز، الذين أطلقوا الرصاص المطاطي وقنابل الغاز والصوت، ما أسفر عن وقوع إصابتين بالمطاط على الأقل، والعديد من الحالات بالاختناق بالغاز المسيل للدموع".
وامتدت المواجهات إلى بلدة سلوان، جنوبي القدس، حيث هاجم الشبان البؤر الاستيطانية القريبة من حي بطن الهوى ودوريات الحراسة الخاصة بالمستوطنين بالحجارة والزجاجات الحارقة، في وقت دفعت فيه قوات الاحتلال بقوات من حرس الحدود إلى مواقع المواجهات.