في محاضرته التي ألقاها مساء أمس الثلاثاء في مقرّ "الجمعية الفلسفية الأردنية" في عمّان تحت عنوان "محطّات إيطالية في فكر إدوارد سعيد"، اعتبر الباحث الأردني، محمود جَرن، أن مشروع المفكر الفلسطيني الراحل (1935 - 2003) ينقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية؛ هي: مرحلة البدايات التي عرض فيها الأسس النظرية للنقد الأدبي، ومرحلة كتابه "الاستشراق" التي توجّه فيها إلى الدراسات حول الإمبريالية والمركزية الثقافية الأوروبية، ثم المرحلة المتأخرة التي بلور فيها رؤيته حول النقدية الإنسانية والأسلوب المتأخّر.
يُشير المحاضر إلى أن أسماء عديدة في الفلسفة والثقافة الإيطاليتين تبرز خلال المرحلة الثالثة؛ أبرزها: جيامباتيستا فيكو وأنطونيو غرامشي، وبشكل أقلّ: الموسيقي جوزيبي فيردي والروائي تومازي دى لامبيدوزا والمخرج السينمائي لوكينو فيسكونتي.
ويرى أستاذ اللغات الأوروبية في "الجامعة الأردنية" أن تلك الأسماء لعبت دوراً أساسياً في إثراء فكر سعيد وانتشار فكره على المستوى العالمي، مستدلّاً، هنا، بتصريح للمفكّر الفلسطيني قال فيه إنه استوحى من فيكو أثر التاريخ على الجغرافيا؛ فـ "شرق/ غرب ليست ثنائية جغرافية، بل إن التاريخ الإنساني هو الذي جعل من الشرق شرقاً والغرب غرباً، فالكرة الأرضية على الصعيد الجغرافي لا تفرّق بين نقطة وأخرى على سطحها، ولكن الذي يفرّق هو التاريخ".
في المقابل، يعتبر جرن أن سعيد كان له الفضل في إعادة فيكو وغرامشي إلى دائرة الضوء، بعد الانتشار الكبير الذي حقّقه كتابه "الاستشراق"؛ حيث أصبحا يتصدّران، مجدّداً، مكانة مرموقة في المشهد الفلسفي والفكري العالمي، وفق تعبيره.
برأي المحاضر، فإن سعيد استلهم ثنائية شرق/غرب من غرامشي، الذي يقول المفكّر الفلسطيني إنه كان "يفكّر من خلال الجغرافيا"، مشيراً إلى أن أصل هذه الثنائية قد يعود إلى ثنائية شمال/ جنوب التي شكلت همّاً عند غرامشي، وهي تتعلّق بالفجوة الكبيرة بين الشمال والجنوب الإيطالي، والتي رأى أنه لا يمكن جسرها إلّا بمشروع ثقافي قومي.
هنا، يلفت إلى العامل الشخصي في بلورة مشروع إدوارد سعيد الفكري، مشيراً إلى اعتراف الأخير في كتابه "الاستشراق"، بأن الإقصاء والتهميش الذي تعرّض له في المجتمع الأميركي بوصفه شرقياً من أصل فلسطيني متمسّكاً بقضيته، ساهما في بلورة هذه الثنائية التي كرّسها في كتابه الأبرز.