شنّ الكاتب حازم صاغية مؤخّراً ما يشبه حملة على الشاعر الراحل محمود درويش، حملةٌ تحاول ربطه بماكينة "البعث" الاستبدادية. كتب صاغية أن درويش كان من مادحي "البلاط الأسدي" واتّهمه بإطلاق لقب "قائد الأمل العربي" على "الطوطم السوري" (موقع "الأورينت نيوز"، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي).
كما يصدمنا صاغية من تعامله مع فيروز والرحابنة الذين يتّهمهم أيضاً بالاحتفال بمجزرة تل الزعتر في منزلهم مع طاقم "البعث" الموجود في لبنان في ذلك الوقت. ثم يُكمل فيتّهم درويش بأنه كانت تربطه "علاقات طيّبة" مع نظام صدّام حسين.
على ما استند صاغية في إطلاقه اتهامات كهذه؟ ولماذا كل هذه الداعشية في هدم ماضينا الثقافي القريب؟
قد تكون ذاكرتنا خانتنا ومن الممكن أن غوغل عجز أن يدلّنا على المقال أو الحوار الذي أطلق فيه درويش هذا اللقب على الأسد. ولذلك، كان من المفترض على صاغية بعد هكذا اتهام خطير أن يورد المصدر.
نجد صعوبة بالغة في تصديق أن صاحب قصيدة "أنا يوسف يا أبي" قد نطق بهكذا لقب لأي حاكم عربي، والأسد خاصة.
في أحد أيام لبنان المظلمة، وبينما كانت "حركة أمل" تحاصر الفلسطينيين في حرب المخيّمات، بأمر وتغطية من النظام السوري، نشر درويش سلسلة شعرية في مجلة "اليوم السابع" الباريسية، في الفترة بين الأول من آب/ أغسطس 1986 وحتى الأول من حزيران/ يونيو 1987. وبذلك، يكون قد تزامن هذا العمل مع "حرب المخيمات" التي بدأت في أيار/ مايو 1985 وانتهت بعد بداية الانتفاضة في تموز/ يوليو 1988.
كتب درويش في إحدى هذه المونولوغات على لسان الديكتاتور العربي: "سأختار شعبي/ سأختار أفراد شعبي/ سأختاركم واحداً واحداً/ من سلالة أمي ومن مذهبي". وكأنه كان يقرأ مآلات دكتاتورية الأسد.
قد يكون شعر محمود درويش، كما يقول صاغية، سمح للنظام السوري بالاختباء وراء قافية رنّانة ليريح نفسه من عناء المجابهة الفعلية مع إسرائيل. ولذلك فالسؤال كان أجدر بأن يُطرح بطريقة مختلفة. يخطئ صاغية حين يعتقد أن الاهتمام السوري بفلسطين سببه أن الأسد غسل دماغ الشعب.
كان من الأجدى أن يسأل الكاتب لماذا كانت فلسطين بتلك الأهمية إلى درجة أنه حتى سفّاح تل الزعتر قد اضطر أن يجاري الشعب ويدّعي أنه يدافع عنها؟
نحن نعيش زمن الداعشية في تعاطينا مع ماضينا ومخزوننا الثقافي، ومن قرأ درويش يدرك بأن قتل الماضي هو صفة ديكتاتورية بامتياز. يحاكَم محمود درويش اليوم بوصفه مكوّناً من مكوّنات الهوية الفلسطينية. ويُصدر صاغية هذه الاتهامات المريبة، كأنه يروّج لفكرة أن القضية "مستهلكة"، وأن قضية أخرى جاءت لتحلّ مكانها.
كان الأجدى بالكاتب أن يسأل نفسه عن أسباب التودّد البعثي لرموز الثقافة الفلسطينية ومن بينها درويش نفسه. فهذا التودّد إذا، كان صحيحاً، يبرهن بأن نظام الأسد لعب على الشعور السوري العميق والتاريخي بأهمية القضية الفلسطينية.
لا البعث ولا الأسد اخترعا درويش أو غيره، ولم يكن هذا النظام يوماً متذوّقاً لأي شعر كان، ولكنه اضطرّ، أحياناً، لأن يمثّل على أبناء شعبه بأنه يهتم بقضاياهم. وتعلُّق قضاياهم هذه بالقضية الفلسطينية هو لب الموضوع.
* كاتبة وأكاديمية لبنانية
اقرأ أيضاً: محمود درويش.. يحبّونني ميتاً