05 سبتمبر 2019
محنة المثقف
عبد الحق مفيد
شاعر وكاتب مهتم بالبحث والكتابة. يؤمن بمقولة محمود درويش القائلة: "إذا كان ماضيك تجربة؛ فاجعل الغد معنى ورؤيا/ لنذهب... لنذهب إلى غدنا واثقين"
"حينما أسمع كلمة مثقف، أتحسس مسدسي". .. هذا ما كان يقوله غوبلز، وزير إعلام هتلر. كان مستعدا لإطلاق النار لأنه يعرف أن المثقف لا يمكن أن يساند حكما نازيا أو حكما مطلقا.
هذه هي طبيعة المثقفين عبر التاريخ، ونحن نتحدث عمن لم يبيعوا مواقفهم، وقد أدوا ثمن ذلك غاليا من حرياتهم، وحتى من حياتهم. وهنا نضرب بعض الأمثلة، على سبيل الذكر لا الحصر.
في أثينا حكم على سقراط بأن يتجرع السم ليموت وسط من حاكموه بتهمة إفساد عقول تلامذته بأفكاره. وفي الإسكندرية تم رجم هيباتيا عالمة الفلك والرياضيات بعد أن جرّدتها الغوغاء من ملابسها، وتم سحلها حتى فاضت روحها، بدعوى تأثيرها على الحاكم بأفكارها الشيطانية.
وفي عالمنا العربي، صلَب سفيان بن معاوية كاتب "كليلة ودمنة" ابن المقفع، وقام بتقطيع أطرافه وحرقها أمام عينيه ليموت بالتقسيط.
وبالعبور إلى العصر الحديث، كان جزاء إبراهام لنكولن، محرر العبيد، رصاصة في الرأس، وعلى الأشهاد في مسرح فورد بالعاصمة واشنطن. وتم دفن كارل هاسلر حيا في الثلج، وهو كاتب تشيكي، حيث كان من أشد المناهضين للنازية. وتمت تصفية فرج فودة في مصر بسبب كتاباته، ومحاولة نحر الأديب نجيب محفوظ في الشارع العام. وحينما سأل القاضي مرتكب الجرم إن كان قرأ للروائي أحد كتبه، أجاب بالنفي. ما يدفع إلى القول إن تهمة تصفية هؤلاء المثقفين تكون جاهزة للإجهاز عليهم.
فغالبا ما يعاكس المثقفون ما هو سائد، إذ إنهم لا يستكينون للأجوبة الجاهزة والمتداولة. وبالتالي، فإنهم يقوّضون دعائم المألوف. بل إن هذا المألوف يصبح نمط حياة، فالعادات والتقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد تصبح مع مرور الزمن مقدسات، ويصبح من الصعب مساءلتها أو وضعها موضع شك أو ريبة.
قامت السلطات الحاكمة، وبتحريض، في أحيان كثيرة، من الجماهير الهائجة، بنفي المثقفين أو سجنهم وإعدامهم، وحتى حرقهم، بل إن نعت مثقف أصبح في بعض المواقف يثير الخوف والفزع. لقد عانى المثقفون من سوء فهم وتسلّط من طرف العامة والسلطة الحاكمة على حد سواء.
ولا يبدو أن هذه العلاقة أصبحت على ما يرام، ولنا في محاكمة مجموعة من الكتاب أو منع كتبهم من التداول، أو حجب بعض المواقع أو المناداة بغلق منابر إعلامية، أو منع كاتب من الدخول إلى بلد ما بدعوى حيازته لأفكار لا تتلاءم مع البلد المستضيف، مما يوقعه في المحظور، خير مثال على ذلك.
هذا وعلى الرغم من التصفية الجسدية والاغتيال لمجموعة من المفكرين والمثقفين، فإن أفكارهم بقيت خالدة من بعدهم، بل إن التخلص منهم بتلك الطرق، لم يزد أفكارهم إلا توهجا وخلودا.
خلّد التاريخ اسم سقراط، وثأر من قاتليه، ولم يذكر ولو واحدا منهم، كما حفظ فلسفة ابن رشد على الرغم من إحراق كتبه، وبقيت أشعار المتنبي محفوظة في قلوب العرب وغيرهم، على الرغم من استقرار حربة غادرة في قلبه.
هذه هي طبيعة المثقفين عبر التاريخ، ونحن نتحدث عمن لم يبيعوا مواقفهم، وقد أدوا ثمن ذلك غاليا من حرياتهم، وحتى من حياتهم. وهنا نضرب بعض الأمثلة، على سبيل الذكر لا الحصر.
في أثينا حكم على سقراط بأن يتجرع السم ليموت وسط من حاكموه بتهمة إفساد عقول تلامذته بأفكاره. وفي الإسكندرية تم رجم هيباتيا عالمة الفلك والرياضيات بعد أن جرّدتها الغوغاء من ملابسها، وتم سحلها حتى فاضت روحها، بدعوى تأثيرها على الحاكم بأفكارها الشيطانية.
وفي عالمنا العربي، صلَب سفيان بن معاوية كاتب "كليلة ودمنة" ابن المقفع، وقام بتقطيع أطرافه وحرقها أمام عينيه ليموت بالتقسيط.
وبالعبور إلى العصر الحديث، كان جزاء إبراهام لنكولن، محرر العبيد، رصاصة في الرأس، وعلى الأشهاد في مسرح فورد بالعاصمة واشنطن. وتم دفن كارل هاسلر حيا في الثلج، وهو كاتب تشيكي، حيث كان من أشد المناهضين للنازية. وتمت تصفية فرج فودة في مصر بسبب كتاباته، ومحاولة نحر الأديب نجيب محفوظ في الشارع العام. وحينما سأل القاضي مرتكب الجرم إن كان قرأ للروائي أحد كتبه، أجاب بالنفي. ما يدفع إلى القول إن تهمة تصفية هؤلاء المثقفين تكون جاهزة للإجهاز عليهم.
فغالبا ما يعاكس المثقفون ما هو سائد، إذ إنهم لا يستكينون للأجوبة الجاهزة والمتداولة. وبالتالي، فإنهم يقوّضون دعائم المألوف. بل إن هذا المألوف يصبح نمط حياة، فالعادات والتقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد تصبح مع مرور الزمن مقدسات، ويصبح من الصعب مساءلتها أو وضعها موضع شك أو ريبة.
قامت السلطات الحاكمة، وبتحريض، في أحيان كثيرة، من الجماهير الهائجة، بنفي المثقفين أو سجنهم وإعدامهم، وحتى حرقهم، بل إن نعت مثقف أصبح في بعض المواقف يثير الخوف والفزع. لقد عانى المثقفون من سوء فهم وتسلّط من طرف العامة والسلطة الحاكمة على حد سواء.
ولا يبدو أن هذه العلاقة أصبحت على ما يرام، ولنا في محاكمة مجموعة من الكتاب أو منع كتبهم من التداول، أو حجب بعض المواقع أو المناداة بغلق منابر إعلامية، أو منع كاتب من الدخول إلى بلد ما بدعوى حيازته لأفكار لا تتلاءم مع البلد المستضيف، مما يوقعه في المحظور، خير مثال على ذلك.
هذا وعلى الرغم من التصفية الجسدية والاغتيال لمجموعة من المفكرين والمثقفين، فإن أفكارهم بقيت خالدة من بعدهم، بل إن التخلص منهم بتلك الطرق، لم يزد أفكارهم إلا توهجا وخلودا.
خلّد التاريخ اسم سقراط، وثأر من قاتليه، ولم يذكر ولو واحدا منهم، كما حفظ فلسفة ابن رشد على الرغم من إحراق كتبه، وبقيت أشعار المتنبي محفوظة في قلوب العرب وغيرهم، على الرغم من استقرار حربة غادرة في قلبه.
عبد الحق مفيد
شاعر وكاتب مهتم بالبحث والكتابة. يؤمن بمقولة محمود درويش القائلة: "إذا كان ماضيك تجربة؛ فاجعل الغد معنى ورؤيا/ لنذهب... لنذهب إلى غدنا واثقين"
عبد الحق مفيد
مقالات أخرى
17 اغسطس 2019
14 اغسطس 2019
08 اغسطس 2019