19 ابريل 2021
مخاطر غياب الدولة
.. والدولة التي أعنيها هي دولة الثورة السورية، وليست دولة بيت الأسد التي لم تكن دولةً في أيٍّ من أيام حكمها الأسود. أعني دولة الثورة الغائبة إلى الآن، مع أن غيابها يعني افتقار الشعب السوري إلى مؤسسات سيادية، ووجود نقصٍ جوهريٍ في كيانيته الخاصة، باعتباره الجهة الحاملة للدولة والمجسّدة شرعيتها، وكذلك الوطنية التي تجعل من مؤسسات الثورة تعبيراً شرعياً وقانونياً عن واقعٍ، الشعب فيه مصدر السلطات والسيادة، وصاحب إرادةٍ جامعةٍ لا تقوم دولة في غيابها، والدليل ما نراه من لا دولة بيت الأسد التي ألغت نفسها وشرعيتها بإلغاء مصدر السيادة ومنبع الشرعية: شعب سورية. كما فقدت أي تمثيلٍ وطنيٍّ جامع، وما يكمن وراءه، وينبثق عنه من إرادةٍ حرةٍ ومستقلة، وأحلت محلهما إرادة عصابة مركزية عليا، تفرعت إلى عصاباتٍ دنيا، نشرتها في كل مكان، جسّد وجودها حجم ونمط اختراق العصابة العليا للمجتمع، ومدى تحكّمها بمقدراته، وقدرتها على منعه من إقامة دولته الشرعية التي لن يكتمل نجاح الثورة في غيابها. والآن، وقد قضمت الثورة منذ قيامها عصاباتٍ أسدية عديدة، وألغت وجودها منطقةً بعد أخرى، وقوّضت بشدة سلطة (وقدرات) عصابتها العليا، يغدو قيام الدولة السورية الحرة والسيدة أمراً حتمياً، يرتبط بإنجازه سقوط النظام برمته.
ما الذي يجعل قيام الدولة ضرورياً اليوم، على صعيد تعبيراتها السياسية والمؤسسية؟ ثمّة ظواهر عديدة تفرض قيامها، تتظاهر اليوم في حاجتين بارزتين:
ـ الحاجة إلى وضع حد لتمزّق المعارضة، وعجزها عن قيادة الحراك الثوري، بإرادةٍ موحدةٍ تضبطه، وتوجهه بفاعلية ونجاح، نحو هدفه الرئيس: الحرية، مع ما يترتب على أوضاعها الراهنة من خلافاتٍ مستشريةٍ، لا تني تتفاقم، وتنتقل من فوق إلى تحت: من أحزابها ومؤسساتها المتناحرة إلى الشارع الثائر، حيث تتحول خلافاتها وتناقضاتها إلى خلافاتٍ وتناقضاتٍ، تتموضع فيه وتعطل انتصاره، بحؤولها دون توحيد صفوف إرادته. يعني تمزق المعارضة بالضرورة عجزها عن تأدية دور إيجابي، متماسك وواضح، لصالح الثورة والشعب، وغيابها عن ساحة العمل الثوري العام، مع ما يترتب على ذلك من فراغٍ تقوم السلطة بملئه، وتفيد منه في استعادة حضورها لدى فئاتٍ اجتماعيةٍ وقطاعاتٍ وطنيةٍ، عارضتها في بداية الثورة، لكن تمزق المعارضة وضعفها زعزعا موقفها من المآل النهائي للحراك الثوري، على الرغم من أن الحرية كانت خيارها، مثلما كانت رغبتها في الديمقراطية واضحةً كل الوضوح عند معظم من ينتمون إليها.
ـ بروز قوى وتيارات أصولية وإرهابية تعادي مبدأ الدولة وفكرتها، وترفض الحرية كمبدأ،
وتنشر قدراً من الفوضى في صف الثوار، والعنف ضد الثائرين يأخذ سورية إلى خرابٍ شاملٍ، هو نقيض ما يريده شعبها، ويناضل من أجله. نشرت هذه القوى قدراً من الإرهاب في المناطق التي تنشط فيها، أو تسيطر عليها، دمر حياة سكانها، وكيف لا يدمرها إن كان بعضها قد قطع أصابع شبانٍ شوهدوا يدخنون السجائر، بذريعة أن التدخين من الكبائر، فالتبغ لم يكن معروفاً أيام البعثة النبوية الشريفة. وللعلم، ينصرف جهد هذه القوى إلى مقاتلة الجيش الحر، واغتيال ضباطه وعناصره، وإلى وضع يدها على الممتلكات العامة، ونهب الثروات الوطنية، فهي تلاقي اللادولة الأسدية، بلا دولة إرهاب فوضوي، تخدم النظام الذي درب قسماً كبيراً من قياداتها، وساعدها بالمال والسلاح، لتقاتل من يقاتلونها من الثوار، وتنشر قدراً من الإرهاب يساوي، أو يفوق، ما ينشره النظام، مع بقاء الهدف واحداً في الحالتين: شعب سورية، حامل الثورة والدولة والشرعية ومادتها.
ـ بالتمزق والفراغ من جهة، وبالامتلاء المخابراتي الرسمي والإرهابي من جهةٍ مقابلة، يصير البدء في بناء الدولة الوطنية السورية حتمياً، بقيادة هيئةٍ عامةٍ، تعمل لإنهاء تمزق الصف المعارض وفوضى اللادولة: أسديةً كانت أم إرهابية، ولإخراج سورية من مأزقٍ عصيبٍ، ينحدر بها إلى مهاو تفتيتية، ستطيح فرص إعادة إنتاج الدولة، أية دولة، وسيدفع شعبها ثمنها الفادح، بينما ينمو، بالتكامل مع السرطان الأسدي السلطوي في القمة، سرطان أسدي إرهابي في القاعدة، بدأت تنشئته قبل الثورة، وتسارع نموه معها، وشرع يؤتي ثماره، ويلبي الغرض من خلقه، بعدها، كما نشاهد، اليوم، في الاغتيالات التي تستهدف الجيش الحر والقوى الديمقراطية، وفي اعتماد مبدأ التكفير أساساً لإلغاء أية مواطنة، أو حقوق، أو مشتركات وقيم وطنية أو إنسانية.
ثمّة اليوم خطان رئيسان في سورية: واحد يقوده النظام، بين مساراته نسق إرهابي يرعاه قتلة محترفون، يمكّنون النظام من وضع العالم أمام أحد خيارين: القبول به نظاماً علمانياً مزعوماً، أو السماح بوصول نظام جهادي/ إرهابي، يعادي العالم إلى السلطة. وخط آخر غامض الملامح، لا بد أن يفضي إلى قيام دولةٍ تمثل الشعب، وتعبر عن إرادته، يجب أن تقوده هيئة عامة، أو يتولاه مجلس مفوضين، يعمل بإشرافها، ويحلها محل اللادولة الأسدية، ولادولة الإرهاب الفوضوي، فلا يبقى من خيارٍ أمامها غير أن يفاضل بينها وبين إرهاب اللادولة الأسدي/ الأصولي المتكامل.
يتوقف على إنجاز هذه المهمة بقاء سورية وطن شعب حر، ودولةً سيدةً ومستقلة. لذلك، لا مفرّ من وضع أسسها، والقيام بها بأقصى قدر من التفاني والجدّية، وإلا أكلتنا الفوضى، وقتلنا الإرهاب، واختنقت ثورتنا تحت وطأتهما، مثلما بدأنا نرى ونلاحظ في أكثر من مكان.
ما الذي يجعل قيام الدولة ضرورياً اليوم، على صعيد تعبيراتها السياسية والمؤسسية؟ ثمّة ظواهر عديدة تفرض قيامها، تتظاهر اليوم في حاجتين بارزتين:
ـ الحاجة إلى وضع حد لتمزّق المعارضة، وعجزها عن قيادة الحراك الثوري، بإرادةٍ موحدةٍ تضبطه، وتوجهه بفاعلية ونجاح، نحو هدفه الرئيس: الحرية، مع ما يترتب على أوضاعها الراهنة من خلافاتٍ مستشريةٍ، لا تني تتفاقم، وتنتقل من فوق إلى تحت: من أحزابها ومؤسساتها المتناحرة إلى الشارع الثائر، حيث تتحول خلافاتها وتناقضاتها إلى خلافاتٍ وتناقضاتٍ، تتموضع فيه وتعطل انتصاره، بحؤولها دون توحيد صفوف إرادته. يعني تمزق المعارضة بالضرورة عجزها عن تأدية دور إيجابي، متماسك وواضح، لصالح الثورة والشعب، وغيابها عن ساحة العمل الثوري العام، مع ما يترتب على ذلك من فراغٍ تقوم السلطة بملئه، وتفيد منه في استعادة حضورها لدى فئاتٍ اجتماعيةٍ وقطاعاتٍ وطنيةٍ، عارضتها في بداية الثورة، لكن تمزق المعارضة وضعفها زعزعا موقفها من المآل النهائي للحراك الثوري، على الرغم من أن الحرية كانت خيارها، مثلما كانت رغبتها في الديمقراطية واضحةً كل الوضوح عند معظم من ينتمون إليها.
ـ بروز قوى وتيارات أصولية وإرهابية تعادي مبدأ الدولة وفكرتها، وترفض الحرية كمبدأ،
ـ بالتمزق والفراغ من جهة، وبالامتلاء المخابراتي الرسمي والإرهابي من جهةٍ مقابلة، يصير البدء في بناء الدولة الوطنية السورية حتمياً، بقيادة هيئةٍ عامةٍ، تعمل لإنهاء تمزق الصف المعارض وفوضى اللادولة: أسديةً كانت أم إرهابية، ولإخراج سورية من مأزقٍ عصيبٍ، ينحدر بها إلى مهاو تفتيتية، ستطيح فرص إعادة إنتاج الدولة، أية دولة، وسيدفع شعبها ثمنها الفادح، بينما ينمو، بالتكامل مع السرطان الأسدي السلطوي في القمة، سرطان أسدي إرهابي في القاعدة، بدأت تنشئته قبل الثورة، وتسارع نموه معها، وشرع يؤتي ثماره، ويلبي الغرض من خلقه، بعدها، كما نشاهد، اليوم، في الاغتيالات التي تستهدف الجيش الحر والقوى الديمقراطية، وفي اعتماد مبدأ التكفير أساساً لإلغاء أية مواطنة، أو حقوق، أو مشتركات وقيم وطنية أو إنسانية.
ثمّة اليوم خطان رئيسان في سورية: واحد يقوده النظام، بين مساراته نسق إرهابي يرعاه قتلة محترفون، يمكّنون النظام من وضع العالم أمام أحد خيارين: القبول به نظاماً علمانياً مزعوماً، أو السماح بوصول نظام جهادي/ إرهابي، يعادي العالم إلى السلطة. وخط آخر غامض الملامح، لا بد أن يفضي إلى قيام دولةٍ تمثل الشعب، وتعبر عن إرادته، يجب أن تقوده هيئة عامة، أو يتولاه مجلس مفوضين، يعمل بإشرافها، ويحلها محل اللادولة الأسدية، ولادولة الإرهاب الفوضوي، فلا يبقى من خيارٍ أمامها غير أن يفاضل بينها وبين إرهاب اللادولة الأسدي/ الأصولي المتكامل.
يتوقف على إنجاز هذه المهمة بقاء سورية وطن شعب حر، ودولةً سيدةً ومستقلة. لذلك، لا مفرّ من وضع أسسها، والقيام بها بأقصى قدر من التفاني والجدّية، وإلا أكلتنا الفوضى، وقتلنا الإرهاب، واختنقت ثورتنا تحت وطأتهما، مثلما بدأنا نرى ونلاحظ في أكثر من مكان.