أخيرا قرر الجنرال السيسي استيراد مصر للأرز، وواكب الخطوة إعلان وزير الموارد المائية والري، محمد عبد العاطي، تخفيض المساحة المزروعة بالأرز من 1.1 مليون فدان العام الماضي، إلى 724 ألف فدان هذا العام، وبالتالي تحولت مصر أخيرًا من دولة مُصدّرة للأرز لها مكانتها في السوق الدولية إلى مستورد من الخارج.
ونقلت وكالة رويترز عن وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، إن مصر تتوقع استيراد ما يتراوح بين 500 و700 ألف طن من الأرز الشعير.
كما استحدث نظام السيسي تعديلات على قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، تقضي بعقوبة المزارعين المصريين بالحبس حتى 6 أشهر، وبالغرامة المالية حتى 20 ألف جنيه، لمن يزرع الأرز في مناطق غير مصرح بها، بعد أن كانت تقتصر العقوبة على غرامة مالية لا تزيد على خمسين جنيهًا.
والأرز هو الغذاء الرئيس لـ 80% من المصريين، وهو بديل رغيف الخبز، وهو أنجح محصول غذائي في مصر على الإطلاق، وتكتفي منه ذاتيًا. وأعلنت الأمم المتحدة أن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) شهدت بأن أكبر إنتاج قُطري كمعدل عالمي للأرز لعام 2005 سجلته مصر ومقداره 9.5 أطنان لكل هكتار، وهي شهادة دولية للباحثين والفلاحين المصريين.
وبالرغم من نفي وزير الري العلاقة بين قرار تخفيض مساحة الأرز وأزمة سد النهضة التي تهدد حصة مصر من مياه النيل، تصر الحكومة على تدمير المحصول الأكثر نجاحًا في مصر، وتحارب زراعته.
إهدار المياه
يشن نظام الجنرال السيسي حربًا على الأرز بحجة أنه يهدر مياه الري، واتهمت وزارة الموارد المائية في بيان رسمي محصول الأرز باستهلاك 9 آلاف متر مكعب من المياه للفدان، وقالت إن هذه الكمية تكفي لزراعة 3 أفدنة من المحاصيل الأخرى، وأن الأرز يستهلك 15 مليار متر مكعب من المياه، وهي تعادل 27% من مياه النيل.
ويدعي وزير الزراعة، عز الدين أبو ستيت أن استيراد الأرز يحقق مكاسب كثيرة لمصر، وأن تصدير المحصول كان عبئا علي مواردنا المائية. بل ويرى مستشاره رئيس اللجنة التنسيقية للنهوض بمحصول الأرز، سعد نصار، أن محصول الأرز يستهلك أكثر من ثلث كمية المياه المخصصة للزراعة، وأن تصدير الأرز هو تصدير للمياه، وفق ما نقلته عنهم جريدة المساء، الحكومية في 9 يوليو/تموز الجاري.
وفي المقابل تتجاهل الحكومة إهدار المياه في ري ملاعب الغولف، وحمامات السباحة في التجمعات السكنية المنتشرة في الساحل الشمالي، وطريق الإسكندرية الصحراوي، والقطامية في شرق القاهرة، والسويس، بالرغم من أن استهلاك الفدان الواحد من ملاعب الجولف يبلغ 15 ألف متر مكعب من المياه سنويا، بحسب إحصائيات وزارة الري، وهي كمية تكفي لزراعة 3 أفدنة من الأرز، ويوجد 40 ملعب غولف في مصر على مساحة 40 ألف فدان، وهناك مطالب برلمانية لوزارة الري بالكشف عن كمية هذه المياه وعدم التستر على جريمة إهدارها، ولكنها تكتفي بمحاربة زراعة الأرز.
استيراد رغم الوفرة
بعد ثورة يناير 2011، وأثناء تولي المجلس العسكري إدارة شؤون الدولة، امتنعت حكومة كمال الجنزوري عن شراء الأرز المصري من الفلاحين وتأمين مخزون استراتيجي يغطي استهلاك أصحاب البطاقات التموينية، بالرغم من توافر الأرز بكميات تفوق الاستهلاك المحلي لدى التجار والمزارعين.
وبعد تولي الجنرال السيسي الحكم، رفضت الحكومة شراء الأرز من الفلاحين أيضًا، وتوقفت عن بناء احتياطي استراتيجي، ثم رفعت السعر في منظومة البطاقات التموينية من 1.5 جنيه للكيلو في 2013، إلى 6.5 جنيه للكيلو، وكررت الخطأ الذي وقعت فيه حكومة الجنزوري، وقامت باستيراد كميات من الأرز الفيليبيني، في عامي 2016، و2017، بالرغم من الاكتفاء الذاتي ووفرة الإنتاج أيضًا.
وعلى عكس القمح والسكر والسلع الأساسية الأخرى التي تستوردها مصر لتغطية الطلب الذي يفوق الإنتاج المحلي، فإن محصول الأرز الضخم يفوق بكثير حجم الطلب المحلي، وقدرت وزارة الزراعة الأميركية إنتاج حقول الأرز بمصر في نفس الشهر بنحو 5.1 ملايين طن متري، مقابل استهلاك سنوي يبلغ نحو 3.95 ملايين طن، وبالرغم من الوفرة، طرحت الهيئة المصرية العامة للسلع التموينية مناقصة عالمية لشراء ما لا يقل عن 100 ألف طن من الأرز في مستهل حملة حكومية لشراء 500 ألف طن.
المستفيدون من الاستيراد
المستفيد الأول من تخفيض مساحة الأرز في مصر هي أميركا باعتبارها المنافس الأكبر للأرز المصري، والمتضرر الأكبر من وجوده في السوق الدولية، وبالتالي هي الرابح الأكبر، علما بأن نوعية الأرز المصري يتم زراعته في خارج مصر في منطقتين فقط، هما كاليفورنيا في الولايات المتحدة، وأستراليا، وكانت مصر تستحوذ على 20% من حجم التجارة العالمية للأرز، وبعد تخفيض مصر المساحة وتوقف تصدير الأرز خرجت من السوق العالمي. وفي حالة استيراد هذه النوعية من الأرز فسوف يصل السعر إلى ألف دولار، أي 18 جنيهاً للكيلوغرام في مصر.
في إبريل/نيسان من العام الماضي، وبالتزامن مع قرار الحكومة بحظر تصدير الأرز، زارت مصر بعثة من وزارة الزراعة الأميركية، وقال غريغ يلدنغ، عضو البعثة وممثل رابطة منتجي الأرز من القطاع الخاص الأميركي، إن مزارعي الأرز الأميركيين استفادوا من غياب الأرز المصري في أسواق الشرق الأوسط، وأن الأرز الأميركي حل محله في دول الخليج، وتركيا، والأردن بسبب حظر تصديره.
أما المستفيد الثاني من استيراد مصر للأرز فهي مافيا استيراد الأرز الهندي التي ضغطت على الحكومة في سنوات سابقة، بالرغم من وفرة الإنتاج المحلي.
وهنا أستشهد بتصريحات اللواء محمد أبو شادي وزير التموين والتجارة الداخلية في حكومة حازم الببلاوي، والذي قال إن عضوا في جمعية مصدري الأرز في الحكومة الهندية، وخبير إنكليزي في الأرز، ورئيس لجنة تصدير الأرز بجمعية رجال الأعمال المصريين، قدموا عرضًا لتوريد أرز هندي أثناء توليه الوزارة، وذلك في اجتماع بديوان عام الوزارة، بالرغم من وجودة فائض في الإنتاج المحلي.
وبعد ترك الوزارة، كشف أبو شادي، عن أن رجال الأعمال باتحاد الغرف التجارية، ووزارة التجارة والصناعة، إضافة إلى قيادات من وزارة التموين، شاركوا فيما أسماها "مؤامرة" من أجل رجل أعمال هندي حضر إلى مقر الوزارة ومعه أرز هندي سيئ لعرضه على مجلس الوزراء للموافقة على استيراده من الهند.
استيراد الحكومة المصرية الأرز الهندي في عهد المجلس العسكري، وفي عهد السيسي يؤكد دور مافيا استيراد الأرز الهندي التي كشف عنها وزير التموين الأسبق أبو شادي.