كعادتها، كلما هلّ رمضان، قصدت عائلات في قطر ساحة البريد عند كورنيش الدوحة، غروب أوّل أيّام الشهر، لمتابعة إطلاق "مدفع رمضان"، ولكنّها فوجئت بأنّ المدفع لم يكن هناك! وقبل أن يسود الاستياء عُلم أنّ المدفع انتقل إلى مكان جديد، هو ساحة مسجد الامام محمد بن عبد الوهاب، على مقربة من الكورنيش أيضاً.
انتقل قاصدو المدفع إلى مكانه الجديد، وسرعان ما تجدّدت فرحتهم السنوية بتلك اللحظة المتميّزة التي يواظبون عليها جيلاً بعد جيل، قبل أن يعودوا إلى بيوتهم لتناول طعام الإفطار والصلاة.
عرفت الدوحة إطلاق "مدفع رمضان" لأوّل مرّة في ستينيات القرن الماضي، ومذاك الوقت يعدّ المدفع من أبرز وأهمّ سمات رمضان في الدوحة، فما زال صوته مسموعاً حتى اليوم، وعلى وقع صوته المدوّي، يفطر القطريون والمقيمون، فمن لا يتسنى له مشاهدة إطلاق المدفع عياناً، يشاهده عبر تلفزيون قطر، الذي يبثّ يومياً في رمضان إطلاقه عند الغروب.
وكما في كلّ سنة، نجح مدفع رمضان في نثر الفرح والبهجة على وجوه الكبار والصغار، الذين التفّوا للّعب حوله في مكانه الجديد. وكان الأطفال وأهلهم قد بدأوا في التجمّع عند موقع مدفع رمضان قبل غروب الشمس بحوالي نصف الساعة، وبلغ العدد ذروته قبل إطلاق المدفع بدقائق، كما اتّسم المشهد قبل لحظات الإفطار الأخيرة بالحرص على التقاط صور تذكارية أمام المدفع، وبين الجنود الذين يتولون إطلاقه، وهم من رجال قوى الأمن الداخلي "لخويا"، الذين يحمون المكان ويطلقون المدفع وأيضاً يقومون بخدمات إنسانية، إذ يوزّعون وجبات الإفطار على الجميع.
وقال الوكيل عبد الله الهاجري لـ"العربي الجديد" إنّ "لخويا" تحرص على مشاركة الأطفال والكبار فرحتهم بشهر رمضان المبارك، وهي تقوم كعادتها في كلّ عام بتخصيص آلاف علب الإفطار المؤلّفة من الماء والتمر، وتوزيعها على المحتفلين بمدفع رمضان، حيث خصّصت هذا العام 10 آلاف وجبة رمضانية لهذا الغرض.
ويرى السيّد "حسين"، الذي جاء برفقة أبنائه لمشاهدة إطلاق المدفع، أنّ أجمل ما في هذه اللحظات التي يحرص سنوياً على المشاركة فيها، استعادة ذكرى طفولته، حيث كان والده يحرص على اصطحابه هو وأشقّائه لمشاهدة إطلاق المدفع سنويّاً، وهو يمارس الآن الدور نفسه مع أطفاله، وما اختلف هو نوع المدفع وشكله.
وتتوارث المجتمعات العربية والإسلامية منذ مئات السنين عادة إطلاق المدفع للإعلان عن حلول وقت الإفطار خلال شهر رمضان.
ويذكر المؤرّخون أنّ القاهرة هي أوّل مدينة انطلق فيها مدفع رمضان، وهناك عدد من الروايات حول الأمر كلها تعتمد فرضية "المصادفة"، بينها رواية تفيد بأنّ ظهور المدفع جاء عن طريق الصدفة، فلم تكن هناك نية لاستخدامه لهذا الغرض، حيث كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظنّ الناس أنّ الحكومة اتبعت تقليداً جديداً للإعلان عن موعد الإفطار، وصاروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرماناً يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفى الأعياد الرسمية. ومن ثم انتشر هذا التقليد في بلاد الشام، ثم وصل إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت عام 1907، وإلى كل أقطار الخليج، وكذلك اليمن والسودان ودول غرب أفريقيا وآسيا.