وحسب محللين، فإن مردود الاستثمارات التي دخلت بالفعل للسوق المصري ضعيف جداً ولا يحقق قيمة مضافة عالية للاقتصاد، حيث تركزت في قطاع استخراج النفط الذي لا يخلق فرص عمل كافية، في حين أحجمت الاستثمارات عن قطاعات أخرى مهمة ومنها الصناعة والسياحة والزراعة.
وتوجد منذ عامين ونصف محاولة لرسم صورة عامة، يظهر من خلالها أن شلالًا من الاستثمارات الخليجية سوف يتجه صوب مصر، ستساهم في حل مشاكل العاطلين والفقراء في مصر، إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن، حيث بلغت نسبة الفقر 26%، والبطالة تجاوزت 12%، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي.
وتتصدر السعودية والإمارات دول الخليج مؤخراً في الوعود بضخ استثمارات ضخمة في مصر، ويأتي ذلك بعد مرحلة الدعم السخي الذي قدمته السعودية والإمارات والكويت، من منح لا ترد، سواء كانت نقدية أو نفطية، ثم الودائع والقروض لدعم احتياطي النقد الأجنبي.
وقدرت المبالغ الخاصة بالمنح والمساعدات النفطية والودائع والقروض الخليجية لمصر بنحو 40 مليار دولار خلال الفترة التي تلت الانقلاب العسكري منذ عامين ونصف.
ولكن خلال الفترة الأخيرة وفي ظل الأزمة المالية التي تعاني منها بسبب تهاوي أسعار النفط عالمياً، اتجهت الدول الخليجية إلى الحديث عن ضخ استثمارات والإحجام عن إعطاء المنح، وكان آخرها ما أعلنته السعودية عن ضخ نحو 30 مليار ريال سعودي (8 مليارات دولار) على مدار السنوات القادمة.
وحسب المحللين، لم تحدد السعودية فترة زمنية بعينها ولا نوعية مشروعات، ولكن كان الإعلان عن هذه الاستثمارات نوعاً من التوظيف السياسي لضم مصر للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وكذلك كان بمثابة تحسين الصورة العامة للاقتصاد المصري الذي يعاني أزمة تمويلية من جهة، وأزمة في موارد الطاقة من جهة أخرى، ليؤكد على أن الدعم الخليجي لمصر لايزال قوياً قبل ذكرى ثورة 25 يناير الخامسة التي تحل بعد أسبوع.
وتعهدت السعودية الأسبوع الماضي بتزويد مصر باحتياجاتها من المواد البترولية لمدة ثلاثة أشهر بداية من فبراير/شباط المقبل بتسهيلات في السداد.
اقرأ أيضاً: السعودية تدعم مصر بـ 3.2 مليارات دولار
كما أعلنت حكومة الإمارات عن استمرار دعمها لمصر، وذلك خلال حضور وزيرة التعاون الدولي د سحر نصر لمفاوضات مع المؤسسات المالية العربية بالإمارات خلال الشهر الماضي.
وكانت الإمارات قد أعلنت مؤخراً، أن حجم مساعدتها لمصر بلغ في عام 2014 نحو 3.2 مليارات دولار، من إجمالي 5.8 مليارات دولار قدمتها الإمارات لمصر خلال الفترة من 2010 إلى 2014.
وعادة ما يعلن عن مفاوضات ومنتديات اقتصادية بين الحكومة المصرية ومؤسسات وهيئات تابعة للحكومة الإماراتية، وكان آخر هذه الفعاليات مؤتمر مرسى مطروح، الذي كان عبارة عن نسخة مكررة من مؤتمر شرم الشيخ، ولكن بصورة مصغرة، وحضر الشهر الماضي، مجموعة من رجال الإعمال المصريين والإماراتيين والسعوديين، وأعلن في نهاية الاجتماع عن مجموعة من مذكرات التفاهم لمشروعات استثمارية، تقام في محافظة مرسى مطروح.
وأظهرت بيانات رسمية للمصرف المركزي المصري، أن حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر خلال الفترة من يوليو/تموز 2014 إلى مارس/آذار 2015، بلغ 10.3 مليارات دولار، بينما قدرت مبالغ الاستثمارات الخارجة من مصر خلال نفس الفترة 4.6 مليارات دولار، وبذلك يكون صافي الاستثمارات الأجنبية لمصر في هذه المدة 5.7 مليارات دولار.
ووفقاً لبيانات المركزي، تصدر الاتحاد الأوروبي الاستثمارات الأجنبية بقيمة 5.3 مليارات دولار، في حين بلغ إجمالي مساهمة استثمارات الدول العربية 2.1 مليار دولار، وأميركا 1.7 مليار دولار.
وحسب مجالات الاستثمارات الأجنبية لمصر، خلال هذه الفترة توزعت كالتالي: نسبة 60.4% منها في مجال استخراج النفط، و11.5% منها في قطاع الخدمات، و6% في قطاع الإنشاءات، و2.1% في قطاع الصناعة، وباقي النسب في مجالات أخرى.
وكان وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان، قد أوضح مؤخراً أن صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية لمصر بنهاية عام 2014 /2015، قد بلغ 6.4 مليارات دولار، مقابل 4.1 مليارات دولار في عام 2013 /2014، أي أن هناك زيادة قدرها 2.3 مليار دولار بين عامي المقارنة، وبنسبة زيادة قدرها 56%.
وأكد المحللون أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، ضعيفة المردود للاقتصاد المصري، فهي لا تحقق قيمة مضافة عالية، فقطاع استخراج النفط الكثيف رأس المال الذي تتركز فيه الاستثمارات لا يخلق فرص عمل بالحجم الذي تحتاج إليه مشكلة البطالة في مصر.
كما أن قطاع الصناعة الذي تحتاج إليه مصر بشكل ضروري وملح، يحصل على أقل حصة من الاستثمارات الأجنبية، وهو الأمر الذي يفقد الاستثمارات الأجنبية بشكل عام مضمونها.
اقرأ أيضاً: مصر تسعى إلى جذب مزيد من الاستثمارات الخليجية
وحتى حينما فكرت الاستثمارات الخليجية بالتوجه للمجال الصناعي، تواجدت في الصناعات الغذائية، عبر شراء شركات مصرية قائمة، أو شراء حصص كبيرة منها، وعادة ما كانت هذه الصناعات تعتمد على استيراد مستلزمات إنتاجها من الخارج، ولم تدخل الاستثمارات الجديدة في حلقة متكاملة من التصنيع الغذائي، الذي يبدأ بالزراعة وينتهي بالتصنيع، ليزيد من القيمة المضافة لاقتصاديات الزراعة المصرية، وبالتالي يساهم في تحسين التنمية بهذا القطاع المهم.
وشهدت وجهة المال الخليجي تغيرات خلال السنوات الماضية من حيث الوظيفة والدور، فقبل سنوات، كانت توصف المعونات العربية بأنها بلا أجندة سياسية، وبلا شروط على أجندة التنمية بالدول التي تستفيد منها.
إلا أنه بعد التطورات السياسية والأمنية التي أحاطت بالمنطقة، وكذلك التغيرات التي طرأت على خريطة القوى الإقليمية في المنطقة، أصبحت دول الخليج تبحث عن دور، في ظل تنامي الدور الإيراني والتركي.
وبرز الدور السياسي للمال في دول الربيع العربي بشكل رئيس، حيث أسقط أنظمة عربية، وساعد على بروز أنظمة جديدة، ويعد النموذج المصري الأبرز في هذا الإطار.
وتسعى دول الخليج للحفاظ على دور محدد في توظيف أموالها في مصر، سواء في شكل منح ومساعدات لا ترد، أو ودائع وقروض بسعر فائدة معين، أو ضخ استثمارات في مجالات معينة، وبخاصة في مجالات القطاعات الخدمية، وكذلك القطاع السياحي والعقاري.
وقد لا تقف مصر مكتوفة الأيدي خلال المرحلة المقبلة، تجاه السياسة الاستثمارية الخليجية ذات التوظيف السياسي، وبخاصة أن إيران تداعب النظام المصري كل فترة بحزمة من العلاقات الاقتصادية على رأسها السياحة الإيرانية لمصر، وإمكانية أن تدفع إيران بتدفق نحو مليوني سائح سنويًا للمزارات الدينية بمصر، وزيادة حجم الاستثمارات الإيرانية بمصر، والتي توقفت على ما هي عليه منذ نهاية السبعينيات من القرن العشرين، حسب المحللين.
اقرأ أيضاً:
العاهل السعودي يأمر بزيادة الاستثمارات بمصر لـ8 مليارات دولار
مصر تتفاوض مع السعودية على منح وقروض ووديعة جديدة