لا يزال المشهد في الشارع السياسي الكويتي ضبابياً بانتظار الحكم النهائي لمحكمة التمييز في قضية دخول مجلس الأمة (البرلمان) في مايو/أيار المقبل، إذ ستتحدد ملامح العملية السياسية من خلال حكم المحكمة، إما بالسجن للمتهمين باقتحام المجلس إبان الاحتجاجات الشعبية ضد رئيس مجلس الوزراء السابق، الشيخ ناصر المحمد الصباح، في العام 2011، أو البراءة.
وكانت محكمة الاستئناف قد حكمت بالسجن على 70 شخصاً، بينهم نواب سابقون وحاليون، لمدد تراوحت بين السنة والـ7 سنوات، لكن محكمة التمييز قررت وقف نفاذ الحكم إلى حين صدور القرار النهائي. لكن أجواء حل مجلس الأمة (البرلمان) تلوح في الأفق بقوة هذه المرة، إذ بدأت العديد من الكتل السياسية والقبائل المقربة من دوائر صنع القرار والطوائف تنظيم نفسها، وإجراء انتخابات فرعية لاختيار مرشح عنها، رغم استمرار عمل المجلس، وعدم قدوم الانتخابات إذا ما استمر في عمله، إلا في أواخر العام 2020، ما يوحي بأن هذه التيارات قد تناهى إلى سمعها قرب حل المجلس وعدم استمراريته.
وأجرت عدد من القبائل، أهمها مطير، ثاني أكبر قبيلة كويتية، انتخابات فرعية تم عبرها اختيار المرشحين عنها للانتخابات المقبلة، فيما ستجري بقية القبائل انتخاباتها قريباً. كما استقرت الكتل الليبرالية والإسلامية على أسماء مرشحيها، بعد عمليات تصويت يجرمها القانون الكويتي. وأعلن عدد من المستقلين أيضاً مشاركتهم في الانتخابات، وأوعز أعضاء مجلس الأمة الحاليون لمندوبيهم التأكد من الكشوف الانتخابية وتضمين الأسماء في الدوائر الانتخابية والاستعداد في أي لحظة لانتخابات مرتقبة. ويمنع القانون الكويتي إجراء انتخابات فرعية بين القبائل أو الكتل السياسية، لكن الحكومة غضت النظر هذه المرة عن الانتخابات، في سبيل دفع العملية السياسية إلى الأمام، ومحاولة الحصول على دعم شعبي أكبر للانتخابات المقبلة، خصوصاً أن الانتخابات الأخيرة جرت أواخر 2016. وقال النائب وليد الطبطبائي، لـ"العربي الجديد"، "نعم هناك إشارات واضحة لحل المجلس، فالتخبطات الحكومية في تعيين وإقالة الوزراء، وهو ما حدث عقب تخلي وزير الشباب والرياضة، خالد الروضان، عن منصبه، توضح أن وجود هذه الحكومة مؤقت، ونحن مستعدون للانتخابات البرلمانية"، فيما رفض النائب خالد العتيبي استباق الأحداث. وقال، لـ"العربي الجديد"، "مسؤوليتي أن أقر القوانين فقط، وإذا أعلن الأمير عن انتخابات فسنخوضها".
وتعود أسباب الحل المرتقب لمجلس الأمة إلى عدة أمور، أولها تصاعد الخلافات بين النواب والوزراء، على خلفية العديد من القضايا، أبرزها قضية قانون العفو العام، الذي تحاول المعارضة تمريره لإنهاء قضية دخول مجلس الأمة، وقضية سحب جنسيات المعارضين، بالإضافة إلى قضية رفع الإيقاف الرياضي. فيما يعود السبب الثاني إلى رغبة السلطة في فتح صفحة جديدة على الصعيد السياسي والاجتماعي عقب صدور حكم محكمة التمييز، إذ ستصدر قراراً بالعفو العام والشامل عن المتهمين حال إدانتهم، فيما ستعفو عن المتهمين في قضايا سياسية أخرى إذا ما صدر حكم البراءة بحق المتهمين في قضية دخول البرلمان، بالإضافة إلى إعادة الجنسيات للذين سحبت منهم لأسباب سياسية، والتقليل من الضغوط المفروضة على فئة "البدون".
ويرتبط السبب الثالث بالسبب الثاني، وهو الصعود المتوقع لنجل أمير البلاد ووزير الدفاع الحالي والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ومسؤول ملف خطة التنمية الاقتصادية، الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، ليصبح رئيساً لمجلس الوزراء بديلاً للرئيس الحالي جابر المبارك الصباح. وسيمهد حل مجلس الأمة الطريق أمام ناصر للتحالف مع رئيس مجلس أمة جديد، وكتل سياسية ونيابية جديدة، بعد إصدار قانون العفو المتوقع، في سعيه لخلق اقتصاد كويتي لا يعتمد على النفط، وفق رؤية صاغها، تسمى "رؤية 2035"، إذ سيتم تطوير الجزر الكويتية وبناء موانئ ضخمة فيها، في محاولة لمزاحمة دول المنطقة تجارياً. لكن ناصر يحتاج إلى تأييد برلماني كامل، وهو ما سيضمنه له التحالف مع رئيس مجلس أمة جديد وكتل نيابية جديدة في برلمان جديد.
وتجاوز البرلمان الحالي عدة أزمات واستجوابات، واستطاع الصمود في وجه محاولات حلّه من قبل بعض النواب المحسوبين على أطراف خرجت من العملية السياسية. لكن الصراع الشديد بين الكتل السياسية والحكومة من جهة، وأعضاء الكتل فيما بينهم من جهة أخرى، أدى إلى تعطيل إقرار الكثير من القوانين، إذ تصاعدت معركة علنية بين النائبين محمد براك المطير ورياض العدساني على خلفية تورط الأول في الاكتتاب بأسهم شركة استثمارية تابعة للحكومة أثناء وجوده في البرلمان، وهو ما يعد مخالفة قانونية. كما تمزقت كتلة المعارضة إلى أجزاء، عقب وقوف أعضاء منها في صف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند الصبيح، والتي استجوبها نواب ينتمون إلى كتلة المعارضة، بحجة وجود تجاوزات مالية وإدارية في وزارتها. ويجيز الدستور الكويتي، وفقاً للمادة 107 منه، لأمير البلاد حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات عاجلة، إذ يقول "للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، وإذا حل المجلس وجب إجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل". وقال الأكاديمي والباحث السياسي، عبد الرحمن المطيري، لـ"العربي الجديد"، إن إعلان الأشخاص المقربين من الديوان الأميري، ومن دوائر صنع القرار في الكويت، ترشحهم للانتخابات المقبلة، بالرغم من أن موعدها الرسمي لن يكون إلا بعد سنتين ونصف السنة، يعني أن هؤلاء سمعوا شيئاً أكيداً حول حل مرتقب، فهم لن يخاطروا بسمعتهم إلا بعد أن يتأكدوا. وأضاف "أعتقد أن الوقت قد حان، في ظل هذه الفوضى الانتخابية، لسن قانون انتخابي جديد يكون أكثر عدالة وأكثر تنظيماً، لأن ما يحدث الآن يساهم بتدمير العملية السياسية في البلد".