23 أكتوبر 2024
مسرحية التقزيم وفاتورة رامي مخلوف
لو تجاوزنا قليلاً الجانب الهزلي الذي راح يظهره السوري بعد فيديوهات "محرك" اقتصاد النظام في سورية حسب ما تريد عائلة الأسد، لاستطعنا فهم صلابة الدولة العميقة التي كانت ولا تزال على استعداد لقلب كل أشكال التوازن من ميادين القتال وصولاً إلى الدوائر الحساسة لبنية الحكم الطائفي للبلاد.
كان مكتوبا لرامي مخلوف أن يقول ذلك كله بمشهد من إخراج الروس الذين يأوون أطرافاً من عائلته، وصار معروفاً حجم الدَين الكارثي الذي سجله الرئيس الروسي، بوتين، على أي نظام حكم يأتي إلى سورية، فالمواقع الاستراتيجية المحتلة والملاحة البحرية المُستثمرة على الساحل السوري وإبرام صفقات الغاز والتوسع والظهور الدولي المستمر ممثلا لنظام الأسد، هي القيود الحديدية الروسية الضامنة لبقاء هذا النموذج من دولة العصابات.
أضف إلى ذلك أن الخطاب الذي تناوله مخلوف في ظهوره المتواضع على "فيسبوك" كان بصبغة سعودية، نظراً إلى طبيعة الداعم الخليجي الذي ساهم بكتابة سيناريو ذاك الظهور ورتب خطابه كتلميذ حديث الولادة في صفوف "الهدايا" المزعومة والخوف من عواقب هدر دم ذوي القربى، وهذا أيضاً باقتراح روسي، حسب رأيي.
رجال النظام السوري مهما كانت مواقعهم وسلطتهم، يمكن تصفيتهم بهدوء، قتلاً أو بتراً للأجنحة والامتيازات. هذه المعضلة التي لم يفهمها السوري مهما اعتقد أن الثورة العفوية بفاتورتها القاسية
والدامية، لن تحل سطراً من شيفرة البقاء للمصالح الدولية في نظام بشار الأسد أو غيره على أراضي سورية. والطاعة المطلوبة لا تواجهها فرعنة الأفراد أو حتى الجماعات ولو كانوا من طائفة رأس النظام، والمقتلة تكمن في إفشاء خصومة "مزعومة" للعوام، وهذا تماماً ما يريد الأسد أن يحدث ليقول للعالم: أنا أصحّح المسارات حتى في صلب عائلتي (...) وسأنهي أي شخص يصوّر ويعلّق ويجعل منّا مادة "هزلية" للتحليل والتناول!
وفي أكثر من مناسبة، كان إعلام النظام يعتبر حكم الإعدام بحق من يقول حقائق تدينه، ويوثقها ويكتبها وينشرها أبسط أشكال الجزاء، لأن التعتيم بالنسبة للوعي الأسدي هو أساس الحكم في هذا النظام، فكيف لو كان الأمر من بطولة رجلٍ صنعه النظام، ومنحه دور ممثل الشراكة المطلقة مع أي مشروع اقتصادي أو أي مبادرة ربحية لسورية تعود بفوائدها إلى جيب الطاغية؟
تلك المصيدة تماماً هي ما كان يريدها الأسد للتضحية بابن خاله "شكلياً" وتقزيمه وجعله مادة سائلة تُشعر المواطن أن تغيراً ما حدث في البلاد، سواء في الداخل أو الخارج، لكن الهدف الرئيسي لتلك المصيدة، حسب ما يدور في الأروقة، أن مشغّلاً جديداً للخطوط الخلوية في سورية يريد النظام أن يضعه بتصرف أحد رجاله كشركة بكيان جديد يواكب الاحتلالات الدولية والاستثمارات على أعناق السوريين، وسيكون في الخدمة في غضون أسابيع، وهذا في الظاهر.
كانت قصة المشغل الخلوي الجديد واردة منذ نحو عقد، ولكن بالاتفاق مع مخلوف وشراكة جديدة لعملاء للنظام في دول أجنبية لضخ الأموال في حسابات عائلة الأسد، لأن حصة مخلوف – النظام من شركة "إم تي إن" العالمية في سورية كانت بسيطة، ومنذ العام 2019 ومحاسبة مخلوف وتحجيمه أمام عيون العالم باتا مسألة وقت، فانتزع النظام منه "جمعية البستان" العملاقة في تمويل "المشاريع الخيرية" للموالين للأسد وأحد الداعمين لمليشيا "الفيلق الخامس" التابعة لقوات النظام، ودخول الإيرانيين على خط الاستثمار لتكون شركة المحمول الجديدة لهم بشكل كلي إدارة وتنظيماً ومعدّات، وحتى اختيار الموظفين من الموالين لهم في بيت الاقتصادي الداعم للنظام. اعترض مخلوف على ذلك، وكان على وشك تسوية الأمر، لكن الضربة القاضية كانت هي مطالبته، أيضاً، بسداد فاتورة الدعم الروسي كاملة من أرباح وأسهم الشركات التي يديرها، وهذا ما رفضه بشكل قاطع، حسب الأخبار الواردة من دمشق.
الاقتراح باختراق صلابة مخلوف متعدد الجنسيات والأملاك في العالم، والتي هي
ملك للعائلة الحاكمة، بنسائها ورجالها وأحفادها، هو لبناء إمبراطورية مالية جديدة، سوف تنزل مخلوف عن وحدانية هذه السلطة المربحة، ولكن "الداعية رامي" الذي اقترح عليه الروس، ربما، إحراج النظام السوري والتوجه مباشرة إلى ابن عمته بشار بفيديوهات تحمل تلميحات وإسقاطات على من حوله، بلغة تضرّع كأنه عبد مكسور الخاطر، كان قد وقع في انتقاد أهل بيته وتأكيدات روسيا أنها سوف تحميه كما تحمي والده وأخاه في الإقامة الجبرية على أراضيها أو في مكان ما!
في سورية، لا يستطيع المرء تقدير المواقف، ولا التحليل إلا من خلال اللاعبين الدوليين ومصالحهم وتفاهماتهم، لا وجود لأعداء حقيقيين في سياسة الحرب هناك، مثلاً زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، أبو محمد الجولاني، في إدلب، والذي ظهر قبل أيام في صور مع أطفال بمناسبة عيد الفطر، يظهر كبطل "ثوري"، وهو بطبيعة الحال رجل مطيع تعلم في أقبية المخابرات السورية، والآن يخدم في مناطق تركيا الصديقة لروسيا، والأخيرة مرحّبة بالتهدئة مع إسرائيل، والتي تشجب دائماً أفعال الولايات المتحدة في المنطقة وضد الأسد، من فوق الطاولة، وتنفذ اتفاقاتها بشراكة إيران والأسد من تحت الطاولة.
إذاً، احتمالات التخوين في بيت النظام السوري هي أبرز الأدوات التي يستخدمها رجال النظام في الظل، وتخوين مخلوف بشأن ما قيل عن اقتحام مسلحي المعارضة من جهة العباسيين لدمشق، ومن خلال خطوط الصرف الصحي في منطقة الزاهرة جنوب دمشق باستخدام الشبكة الخلوية، هو مجرّد مسرحية تقزيم ساذجة ابتكرتها أجهزة الإشاعة الأمنية في إعلام الأسد، فالمسألة خلاف بسيط "أهلي" وتغيير مواقع لوجوه النظام، بينما السوريون يخسرون مزيدا من وقتهم أمام دروس التربية الأسدية لعملاء القتل في سورية.
أضف إلى ذلك أن الخطاب الذي تناوله مخلوف في ظهوره المتواضع على "فيسبوك" كان بصبغة سعودية، نظراً إلى طبيعة الداعم الخليجي الذي ساهم بكتابة سيناريو ذاك الظهور ورتب خطابه كتلميذ حديث الولادة في صفوف "الهدايا" المزعومة والخوف من عواقب هدر دم ذوي القربى، وهذا أيضاً باقتراح روسي، حسب رأيي.
رجال النظام السوري مهما كانت مواقعهم وسلطتهم، يمكن تصفيتهم بهدوء، قتلاً أو بتراً للأجنحة والامتيازات. هذه المعضلة التي لم يفهمها السوري مهما اعتقد أن الثورة العفوية بفاتورتها القاسية
وفي أكثر من مناسبة، كان إعلام النظام يعتبر حكم الإعدام بحق من يقول حقائق تدينه، ويوثقها ويكتبها وينشرها أبسط أشكال الجزاء، لأن التعتيم بالنسبة للوعي الأسدي هو أساس الحكم في هذا النظام، فكيف لو كان الأمر من بطولة رجلٍ صنعه النظام، ومنحه دور ممثل الشراكة المطلقة مع أي مشروع اقتصادي أو أي مبادرة ربحية لسورية تعود بفوائدها إلى جيب الطاغية؟
تلك المصيدة تماماً هي ما كان يريدها الأسد للتضحية بابن خاله "شكلياً" وتقزيمه وجعله مادة سائلة تُشعر المواطن أن تغيراً ما حدث في البلاد، سواء في الداخل أو الخارج، لكن الهدف الرئيسي لتلك المصيدة، حسب ما يدور في الأروقة، أن مشغّلاً جديداً للخطوط الخلوية في سورية يريد النظام أن يضعه بتصرف أحد رجاله كشركة بكيان جديد يواكب الاحتلالات الدولية والاستثمارات على أعناق السوريين، وسيكون في الخدمة في غضون أسابيع، وهذا في الظاهر.
كانت قصة المشغل الخلوي الجديد واردة منذ نحو عقد، ولكن بالاتفاق مع مخلوف وشراكة جديدة لعملاء للنظام في دول أجنبية لضخ الأموال في حسابات عائلة الأسد، لأن حصة مخلوف – النظام من شركة "إم تي إن" العالمية في سورية كانت بسيطة، ومنذ العام 2019 ومحاسبة مخلوف وتحجيمه أمام عيون العالم باتا مسألة وقت، فانتزع النظام منه "جمعية البستان" العملاقة في تمويل "المشاريع الخيرية" للموالين للأسد وأحد الداعمين لمليشيا "الفيلق الخامس" التابعة لقوات النظام، ودخول الإيرانيين على خط الاستثمار لتكون شركة المحمول الجديدة لهم بشكل كلي إدارة وتنظيماً ومعدّات، وحتى اختيار الموظفين من الموالين لهم في بيت الاقتصادي الداعم للنظام. اعترض مخلوف على ذلك، وكان على وشك تسوية الأمر، لكن الضربة القاضية كانت هي مطالبته، أيضاً، بسداد فاتورة الدعم الروسي كاملة من أرباح وأسهم الشركات التي يديرها، وهذا ما رفضه بشكل قاطع، حسب الأخبار الواردة من دمشق.
الاقتراح باختراق صلابة مخلوف متعدد الجنسيات والأملاك في العالم، والتي هي
في سورية، لا يستطيع المرء تقدير المواقف، ولا التحليل إلا من خلال اللاعبين الدوليين ومصالحهم وتفاهماتهم، لا وجود لأعداء حقيقيين في سياسة الحرب هناك، مثلاً زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، أبو محمد الجولاني، في إدلب، والذي ظهر قبل أيام في صور مع أطفال بمناسبة عيد الفطر، يظهر كبطل "ثوري"، وهو بطبيعة الحال رجل مطيع تعلم في أقبية المخابرات السورية، والآن يخدم في مناطق تركيا الصديقة لروسيا، والأخيرة مرحّبة بالتهدئة مع إسرائيل، والتي تشجب دائماً أفعال الولايات المتحدة في المنطقة وضد الأسد، من فوق الطاولة، وتنفذ اتفاقاتها بشراكة إيران والأسد من تحت الطاولة.
إذاً، احتمالات التخوين في بيت النظام السوري هي أبرز الأدوات التي يستخدمها رجال النظام في الظل، وتخوين مخلوف بشأن ما قيل عن اقتحام مسلحي المعارضة من جهة العباسيين لدمشق، ومن خلال خطوط الصرف الصحي في منطقة الزاهرة جنوب دمشق باستخدام الشبكة الخلوية، هو مجرّد مسرحية تقزيم ساذجة ابتكرتها أجهزة الإشاعة الأمنية في إعلام الأسد، فالمسألة خلاف بسيط "أهلي" وتغيير مواقع لوجوه النظام، بينما السوريون يخسرون مزيدا من وقتهم أمام دروس التربية الأسدية لعملاء القتل في سورية.