لم يسلم مشروع دستور ليبيا، الذي من المقرر أن ينهي فترة الانتقال السياسي فيها، من الخلافات السياسية والاستقطابات الحادة. وبعد مرور ثلاث سنوات على انطلاق عملها، تمكنت هيئة صياغة الدستور من التصويت بالموافقة بأغلبية ساحقة على مسودته الأخيرة، وإحالتها إلى الأطراف المعنية في البلاد، خصوصاً برلمان طبرق، لإحالته إلى الاستفتاء الشعبي. مواد وأبواب بعينها كانت محل الإشكال والخلافات التي دبت سريعاً خلال اجتماعات الهيئة، بسبب رفض مكونات عرقية وثقافية المبادئ الأولى التي تقرر أن يبنى عليها الدستور، فانسحبت مكونات التبو والأمازيغ، قبل أن يدخل تيار جديد فاعل في الشرق الليبي، المطالب بالنظام الفدرالي وأن يكون للبلاد عاصمتان، طرابلس وبنغازي، ليدخل الخلاف بشكل حاد إلى المواد المتعلقة بشكل الحكم في البلاد.
وإثر الإعلانات المتتالية للمقاطعين من أعضاء الهيئة، تقرر الإعلان عن تشكيل لجنة التوافقات التي عملت لأشهر من أجل حشد التوافق على نصوص ومواد بعينها استجد حولها الخلاف. ويبدو أن أساس المشكلة يتمثل في مواد الحكم وشكل الدولة وشروط الترشح للمناصب السياسية، إذ أهملت موادها الحديث عن مسائل كانت محل جدل في الوقت السابق، مثل مشاركة الشباب في العمل السياسي، وتحديد سن الترشح إلى مجلس النواب، كما أن الحديث عن الحقوق الثقافية للأقليات الليبية، التي يقاطع ممثلوها الجلسات، غابت نسبياً عن المسودة الجديدة، في مقابل حديث "المسودة الرابعة" عن آليات وشروط الترشح لرئاسة البلاد.
وفي مايو/أيار الماضي سربت وسائل إعلام محلية عن لجنة التوافق أن أطرافاً تضغط من أجل تمرير عدد من النقاط في المسودة الرابعة والأخيرة للدستور، يبدو أنها فصّلت لترضي طموحات رجل عسكري بعينه، قد يكون اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، إذ طالبت هذه الأطراف بعدم تحديد زمن معين لاستقالة العسكري من وظيفته للترشح إلى منصب سياسي، مقابل مطالب أخرى لأعضاء في لجنة التوافق، يبدو أنهم الأغلبية، طالبوا بتحديد سنتين للاستقالة قبل الترشح لشغل منصب سياسي. وثار جدل آخر بشأن العسكري المتقدم لمنصب سياسي، إذ إنه مطالب بالتخلي عن جنسيته الأخرى والإبقاء على الجنسية الليبية قبل خمس سنوات من تقديمه ترشيحه. لكن لجنة التوافقات تمكنت من التصويت على تضمين المسودة الرابعة والنهائية، في الباب الثالث المتعلق بنظام الحكم، نصوصاً تتعلق بشروط المترشح لمنصب سياسي، لا سيما رئاسة البلاد، وسط اعتراضات من قبل أعضاء في الهيئة معروفين بولائهم للحراك العسكري الذي يقوده حفتر في البلاد. ومن بين شروط الترشح ألا يكون المترشح حاصلاً على جنسية أجنبية، ما لم يكن تنازل عنها قبل سنة من ترشحه. كما تنص مواد أخرى على قبول ترشح العسكري لمنصب سياسي، لا سيما رئاسة البلاد، بشرط أن يكون تنازل عن منصبه العسكري قبل سنتين من ترشحه.
اقــرأ أيضاً
ومن بين المواد الخلافية في باب نظام الحكم اعتماد النظام الجمهوري بديلاً عن النظام المختلط أو البرلماني الذي كان موجوداً في المسودات السابقة، وغاب عن المسودة الأخيرة. فقد أوصت لجنة التوافق، بعد التصويت بالأغلبية على تقريرها في مايو الماضي، على أن النظام الجمهوري يكفل تفاصيل اختصاص الأجسام التنفيذية والتشريعية ويمنع تضارب الاختصاصات في كثير من الأحيان، كما أنه يفضي إلى حالة استقرار النظام السياسي من خلال تعزيز فرص نجاح التحول الديمقراطي وتقليص فرص اندلاع الحروب الأهلية من جديد. ويرى التقرير أن "النظام البرلماني يمكن رئيس البرلمان من الاستحواذ على اختصاصات رئيس الجمهورية والأجسام الأخرى، وباعتباره صاحب أعلى سلطة يمكنه حل وإلغاء المؤسسات الأخرى، والعودة بشكل تدريجي إلى حكم الفرد والعودة إلى الديكتاتورية". وخلال مسار التغييرات في عمل الهيئة، والتي يبدو أن نتائجها لم ترض الجناح العسكري للبرلمان في شرق البلاد، طالب رئيس البرلمان، عقيلة صالح، في يونيو/حزيران الماضي، بحل الهيئة بسبب "انتهاء مدتها القانونية". وإثر مطالب صالح أعلنت هيئة صياغة الدستور، في بيان، رفضها هذه المطالب، معتبرة أن "إنهاء الهيئة المنتخبة، وإنشاء جسم بديل بموجب التعيين، تعدٍ على إرادة الشعب الذي انتخب أعضاءه فيها"، مضيفة "كان على البرلمان، بموجب القوانين، تذليل الصعوبات التي تعيق عمل الهيئة، بدل تهديدها كل مرة، لعدم اتفاقه مع ما يخرج عنها من مقترحات، لن يكون الفصل فيها إلا للشعب". وكشفت الهيئة عن أن تياراً، لم تسمه، يمارس "الضغط على الهيئة لفرض نظام حكم معين للدولة، مستخدماً في ذلك كل الوسائل للإطاحة بالهيئة، بعد فشل محاولاته، وأن تصريحات عقيلة صالح تصب في هذه الخانة".
لكن مساعي صالح والموالين للحكم العسكري، كشفت حقيقتها تصريحات النائب زياد دغيم، المقرب من حفتر، إذ تساءل، خلال تصريح صحافي، "كيف يقبل بدستور من دون علم ونشيد، يتجاوز الأمازيغ ويهمش برقة ويستكثر تسمية بنغازي عاصمة اقتصادية وتشريعية، ويكرس المركزية ويضع موانع ضد حقوق أشخاص، وتحديداً ضد القائد العام للجيش، المشير خليفة حفتر، ويمنعه من حقه في الترشح لانتخابات رئاسية؟"، واعتبر، بشكل أوضح، أن مسودة الدستور "تحاول خلق فتنة بين رئيس البرلمان وقائد الجيش (حفتر) من جهة، وبين الشعب من جهة أخرى". وبالتوازي مع تصاعد رفض حلفاء حفتر للمسودة الأخيرة للدستور، يبدو أن حفتر استبق الإعلان عن هذه المسودة، التي تمنعه من الوصول إلى حكم البلاد، بالموافقة بشكل مفاجئ على الاتفاق السياسي، خلال اجتماعه برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، في باريس أخيراً، والتشديد على الدعوة إلى انتخابات عاجلة في محاولة منه للالتفاف على نتائج مسودة الدستور، التي يبدو أنها الوثيقة السياسية الجديدة التي سترث وثيقة الاتفاق السياسي في سلسلة العقبات التي تواجه طموح حفتر.
وإثر الإعلانات المتتالية للمقاطعين من أعضاء الهيئة، تقرر الإعلان عن تشكيل لجنة التوافقات التي عملت لأشهر من أجل حشد التوافق على نصوص ومواد بعينها استجد حولها الخلاف. ويبدو أن أساس المشكلة يتمثل في مواد الحكم وشكل الدولة وشروط الترشح للمناصب السياسية، إذ أهملت موادها الحديث عن مسائل كانت محل جدل في الوقت السابق، مثل مشاركة الشباب في العمل السياسي، وتحديد سن الترشح إلى مجلس النواب، كما أن الحديث عن الحقوق الثقافية للأقليات الليبية، التي يقاطع ممثلوها الجلسات، غابت نسبياً عن المسودة الجديدة، في مقابل حديث "المسودة الرابعة" عن آليات وشروط الترشح لرئاسة البلاد.
ومن بين المواد الخلافية في باب نظام الحكم اعتماد النظام الجمهوري بديلاً عن النظام المختلط أو البرلماني الذي كان موجوداً في المسودات السابقة، وغاب عن المسودة الأخيرة. فقد أوصت لجنة التوافق، بعد التصويت بالأغلبية على تقريرها في مايو الماضي، على أن النظام الجمهوري يكفل تفاصيل اختصاص الأجسام التنفيذية والتشريعية ويمنع تضارب الاختصاصات في كثير من الأحيان، كما أنه يفضي إلى حالة استقرار النظام السياسي من خلال تعزيز فرص نجاح التحول الديمقراطي وتقليص فرص اندلاع الحروب الأهلية من جديد. ويرى التقرير أن "النظام البرلماني يمكن رئيس البرلمان من الاستحواذ على اختصاصات رئيس الجمهورية والأجسام الأخرى، وباعتباره صاحب أعلى سلطة يمكنه حل وإلغاء المؤسسات الأخرى، والعودة بشكل تدريجي إلى حكم الفرد والعودة إلى الديكتاتورية". وخلال مسار التغييرات في عمل الهيئة، والتي يبدو أن نتائجها لم ترض الجناح العسكري للبرلمان في شرق البلاد، طالب رئيس البرلمان، عقيلة صالح، في يونيو/حزيران الماضي، بحل الهيئة بسبب "انتهاء مدتها القانونية". وإثر مطالب صالح أعلنت هيئة صياغة الدستور، في بيان، رفضها هذه المطالب، معتبرة أن "إنهاء الهيئة المنتخبة، وإنشاء جسم بديل بموجب التعيين، تعدٍ على إرادة الشعب الذي انتخب أعضاءه فيها"، مضيفة "كان على البرلمان، بموجب القوانين، تذليل الصعوبات التي تعيق عمل الهيئة، بدل تهديدها كل مرة، لعدم اتفاقه مع ما يخرج عنها من مقترحات، لن يكون الفصل فيها إلا للشعب". وكشفت الهيئة عن أن تياراً، لم تسمه، يمارس "الضغط على الهيئة لفرض نظام حكم معين للدولة، مستخدماً في ذلك كل الوسائل للإطاحة بالهيئة، بعد فشل محاولاته، وأن تصريحات عقيلة صالح تصب في هذه الخانة".