تكثّف السلطات المصرية من تحركاتها في الملف الليبي، مدفوعة باعتبارات سياسية وأمنية عدة. وبينما نجحت في عقد جولة أولى بين رئيس حكومة الوفاق فائز السرّاج، ورئيس برلمان طبرق (المطعون في شرعيته من المحكمة الدستورية) عقيلة صالح، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أي اختراق في ظل استمرار التباين حول عدد من الملفات، في مقدمتها عقدة اللواء خليفة حفتر والتباين في المواقف حول كيفية معالجة وضع الجيش، وتعديل اتفاق الصخيرات وتغيير هيئة الحوار السياسي.
من جهتها، تكشف مصادر حكومية وسياسية مصرية اطّلعت على مجريات بعض هذه الاجتماعات، لـ"العربي الجديد"، أن "جميع الأطراف اتفقت على أن تكون اجتماعات القاهرة بداية لسلسلة من اللقاءات، لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف لحماية ليبيا من خطر التقسيم، في ظلّ الاستقطاب الحاد بين القوى الإقليمية والدولية للتيارات المتصارعة في ليبيا، وعلى رأسها مجموعة برلمان طبرق والمجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق".
وفي السياق، توضح مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماعاً عقد بين السراج ونوابه من جانب، وعقيلة صالح وبعض مرافقيه من جانب آخر، فور وصول الأول للقاهرة مساء الأربعاء، في غياب حفتر، إلا أنه لم يستمر طويلاً بسبب حدة المناقشات بين الجانبين، وهو ما عجّل بإنهائه لعقد جلسة أخرى بعد التوصل لصيغ توافقية للرؤى المطروحة". وتشير المصادر إلى أنه "حتى الآن هناك صعوبة في إقناع اللواء خليفة حفتر بحضور اجتماع يضمّ البرغثي".
وبحسب المصادر المصرية، فإن المبادرة المصرية الجديدة تهدف لإنهاء الأزمة عبر منح مجلس النواب (مجلس طبرق) الثقة لحكومة الوفاق، والاتفاق على صيغة لشكل القوات المسلحة الليبية، بما يضمن أن تكون هناك سيطرة مركزية عليها، بشكل لا يسمح بتسرّب شخصيات أو قوات تحمل أفكاراً متطرفة إلى هيكلها.
وتشير المصادر نفسها إلى أن "الأزمة التي تعيق التوصل لاتفاق بشأن الحكومة الليبية، هو وضع الجيش"، لافتة إلى أنه "من بين الأطروحات الخاصة بوضع الجيش، هو أن يكون الفريق المهدي البرغثي وزير دفاع في الحكومة، على أن يكون حفتر قائداً عاماً للجيش، في حين أن هناك طرحاً آخر متعلقاً بأن تكون هناك ثلاثة مجالس عسكرية في الشرق والغرب والجنوب، على أن يكون البرغثي أشبه بمنسّق بينهم. وهو الطرح الذي لا تفضّله القاهرة بنسبة كبيرة، خصوصاً أنه يسمح بأن يكون لقيادات مسلحة ترى القاهرة أنها تحمل أفكاراً متطرفة دورٌ في الجيش الليبي".
وتضيف المصادر أن "التحرّك المصري لرعاية هذه اللقاءات يتمّ بتنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا، لكن هذا لا يمنع وجود أجندة مصرية يريد السيسي فرضها، من خلال إصراره على تواجد حفتر في أي لقاءات لمناقشة الأزمة الليبية، لضمان منصب أو دور فعّال له في خارطة المستقبل هناك، بعد توحيد البرلمان وحكومة الوفاق". وتردف المصادر أنه "من الأهداف، تحجيم دور جماعة الإخوان في ليبيا، والتي أوصلت الخارجية المصرية رسائل صريحة بشأنها للسراج، تفيد برفضها التعامل مع تيارات إسلامية في ليبيا".كما تنوّه المصادر إلى أن "اللقاء الذي عقده صالح مع رئيس مجلس النواب المصري علي عبدالعال، وحضره النواب الليبيون: خليفة الدغاري، وزياد دغيم، وأحمد شيهوب، وإبراهيم الزغيد، ومفتاح قويدير، وحسن الزروق، تناول على نطاق واسع مسألة رفض البرلمان الليبي (مجلس طبرق)، بما وصفه الوفد باستئثار الإخوان بهيئة الحوار السياسي القائمة بين الأطراف الليبية، خوفاً من أن تؤدي إلى انتخاب مجلس رئاسي تابع كلية لجماعة الإخوان". كما تشير إلى أن "اللقاء شدّد على ضرورة منح الثقة لحكومة الوفاق، التي تُعدّ أحد مخرجات اتفاق الصخيرات بالمغرب، نظرا لكونها مدعومة من الأمم المتحدة".
في هذا الإطار، تلفت المصادر إلى أن "الاجتماعات شابها تطرّف شديد في مواقف جماعة صالح وحفتر ضد التيار الإسلامي عموماً، والإخوان خصوصاً، إذ اعتبروا أن بعض الحضور متضامن مع الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة ومستفيدين من تخريب المليشيات في شرق ليبيا، وهو الأمر الذي قوبل بالتحفّظ من مجموعة حكومة الوفاق"، على حد وصف المصادر.
كما تذكر المصادر أيضاً أن "السراج أكد خلال الاجتماعات أن من أولوياته حالياً، إعادة اللحمة للمجلس الرئاسي وإعادة انعقاده بكامل تشكيله بالأعضاء الذين قاطعوه". غير أن هذه المسألة لم يتم حسمها أيضاً في القاهرة، وتم الاتفاق على تأجيلها لاجتماع لاحق سيشهد أيضاً مناقشة مسودة جديدة لتعديلات اتفاق الصخيرات المغربي التي يريد برلمان طبرق برئاسة صالح إدخالها.
وكان صالح قد التقى، أمس، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بمقرّ الجامعة في القاهرة، وبحثا سبل حلّ الأزمة الليبية، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه الاتفاق السياسي الليبي وإقرار حكومة الوفاق من داخل مجلس النواب (مجلس طبرق).