بدا لها جواب المصرف مهيناً. ذلك اليوم، قصدت ليال المصرف الذي تتعامل معه منذ سنوات. كان طلبها بسيطاً، فقد أرادت فتح حساب لأطفالها. لم تعلم حينها أنّ ذلك يمكن أن يكون مستحيلاً. لماذا قد يخطر في بالها احتمال كهذا؟ هذه الأمّ التي لا يمكنها فتح حسابٍ لأطفالها، هي نفسها التي تنجبهم وترضعهم وتطهو لهم وأكثر. كان عليها أن تقول للمصرف كلّ هذا. مع ذلك، لم يكن في استطاعته الموافقة على طلبها.
"إهانةٌ" بالنسبة إليها أن يكون فتح حسابٍ مشروطاً بتوقيع الأب. ألا تتمتّع بالأهليّة؟ وماذا عن كلّ ما يُقال حول الأم ودورها إذا كانت عاجزة عن فتح حساب لأطفالها، علماً أنّه يمكنها فتح حساب لنفسها؟ وهذا قد يعني أنّ الأطفال، بحسب المصارف، يتبعون الأب وحده. وذلك ليس إلّا ترجمة لمجتمع ذكوري.
في 12 سبتمبر/ أيلول في عام 2009، صدر تعميم من جمعية المصارف لتبنّي منتج مصرفي جديد يسمح للأمهات بفتح حسابات لصالح أطفالهن مستوحىً من الدراسة القانونيّة التي أعدّها المحامي بول مرقص، بتكليف من الاتحاد النسائي التقدّمي، ضمن مشروع الشفافية والمساءلة المموّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ونصّ التعميم على أنّه "لا مانع من أن تنشئ الوالدة ذمة لدى مصرف ما، وأن تعين فيها ولدها القاصر كمستفيد من هذه الذمة...".
وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول في عام 2009، فتحت أوّل إمرأة لبنانيّة، تدعى باربرا بتلوني، حساباً ائتمانياً لأطفالها، استناداً إلى القانون رقم 520، الصادر بتاريخ السادس من يونيو/ حزيران في عام 1996 معدّل.
خلال الحملة التي أطلقها الاتحاد للضغط على المصارف، كتب رسالة تضمنت أنه "بالإشارة إلى الواقع القائم اليوم، لناحية انعدام وجود أي منتج لدى مصرفكم الكريم يتيح للأمهات فتح حسابات توفير لصالح أولادهن القاصرين، ساوى الدستور اللبناني ما بين الأم والأب بالحقوق والواجبات، كما أن القانون التجاري اللبناني أعطى المصارف الحرية والإمكانية لطرح منتجات مصرفية متخصصة تتناسب مع حاجات المجتمع". وهذا دليل إضافي على وجوب اعتماد التعميم.
رغم صدور التعميم، قلّة هي المصارف التي سمحت للأمّ بفتح حساب لأبنائها. بالنسبة إلى هذه الموظفة الرافضة، الأجوبة جاهزة، لا تختلف عن صوت التسجيل، أوّل مجيب على اتّصالاتك. أحد المصارف عزا الأمر إلى قانون الأحوال الشخصية، الذي لا يمكن للمصرف مخالفته. ماذا عن التعميم الذي أصدرته جمعيّة المصارف؟ "تعميم... لم نحصل عليه".
اقــرأ أيضاً
منطقيّاً، يبدو هذا الجواب تهرّباً من الخوض في نقاش حول هذا الموضوع. إلّا أن المصرف، الذي نفى بداية علمه بالتعميم، عاد واعتبره مجرّد اجتهاد، مؤكداً التزامه بقانون الأحوال الشخصية، وذلك تفادياً لأيّة مخاطر محتملة. مخاطر ناتجة عن فتح الأم حساباً مصرفيّاً لأطفالها؟ برأي المصرف، قد يلجأ الزوج إلى التقدّم بشكوى ضدّه في حال وافق على فتح حساب لزوجته.
من جهتها، تقول رئيسة الاتحاد النسائي التقدّمي، وفاء عابد، لـ"العربي الجديد"، إنّ قانون الأحوال الشخصية يمنح الأب الولاية الجبرية على القاصر، لافتة إلى أنّ هذا هو المبرّر لعدم السماح للأمّ بفتح حساب لأبنائها. تضيف أنه بعد الحملة التي أطلقت، والتي ارتكزت على استشارات قانونية واقتصادية، صدر التعميم عن جمعيّة المصارف، على أن يختار كل مصرف تحرير العقد الذي يناسبه. مثلاً، هل يمكن للأم سحب المبلغ في حالات معيّنة؟ ماذا يحدث في حال وفاتها؟ ترى أنّ عدم التزام بعض المصارف قد يكون مرتبطاً بالحاجة إلى العمل على إعداد برامج جديدة. وتلفت إلى أن المرأة يمكن أن تحفظ مبلغاً من المال لدى والدتها على سبيل المثال، لتعطيه لطفلها في وقت معيّن. فما الفرق بين هذا والحساب المصرفي؟
بدوره، يشرح رئيس منظّمة "جوستيسيا" الحقوقية بول مرقص، والذي أعد الدراسة القانونية التي قدمت إلى جمعية المصارف، أن التعميم ليس ملزماً للمصارف، لافتاً إلى أنّ الأخيرة تتمتّع بسلطة تقديريّة لتحديد ما إذا كانت راغبة في تطبيق هذا النوع من الحسابات. ويشدّد على أنّ هذا التوجّه محقّ وقانوني، وإن كان غير ملزم، إذ يستند إلى القانون رقم 520/96 معدلاً، موضحاً أنّ الدراسة القانونية نجحت في إيجاد نافذة قانونيّة تتيح تجاوز الولاية الجبرية. ويؤكّد أنّه لا يمكن للأبّ رفع دعوى، لأن فتح حساب من قبل الأم قانوني.
ليست ليال الأمّ الوحيدة التي شعرت بالإهانة. هل نعدّ جميع النساء؟ المهمّ أنّ المصارف غير الملتزمة بالتعميم تؤكّد أنّها داعمة لحقوق المرأة. المشكلة في القانون، هكذا تقول. المشكلة الأساس أنّها استندت إلى القانون الذي تريد.
اقــرأ أيضاً
"إهانةٌ" بالنسبة إليها أن يكون فتح حسابٍ مشروطاً بتوقيع الأب. ألا تتمتّع بالأهليّة؟ وماذا عن كلّ ما يُقال حول الأم ودورها إذا كانت عاجزة عن فتح حساب لأطفالها، علماً أنّه يمكنها فتح حساب لنفسها؟ وهذا قد يعني أنّ الأطفال، بحسب المصارف، يتبعون الأب وحده. وذلك ليس إلّا ترجمة لمجتمع ذكوري.
في 12 سبتمبر/ أيلول في عام 2009، صدر تعميم من جمعية المصارف لتبنّي منتج مصرفي جديد يسمح للأمهات بفتح حسابات لصالح أطفالهن مستوحىً من الدراسة القانونيّة التي أعدّها المحامي بول مرقص، بتكليف من الاتحاد النسائي التقدّمي، ضمن مشروع الشفافية والمساءلة المموّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ونصّ التعميم على أنّه "لا مانع من أن تنشئ الوالدة ذمة لدى مصرف ما، وأن تعين فيها ولدها القاصر كمستفيد من هذه الذمة...".
وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول في عام 2009، فتحت أوّل إمرأة لبنانيّة، تدعى باربرا بتلوني، حساباً ائتمانياً لأطفالها، استناداً إلى القانون رقم 520، الصادر بتاريخ السادس من يونيو/ حزيران في عام 1996 معدّل.
خلال الحملة التي أطلقها الاتحاد للضغط على المصارف، كتب رسالة تضمنت أنه "بالإشارة إلى الواقع القائم اليوم، لناحية انعدام وجود أي منتج لدى مصرفكم الكريم يتيح للأمهات فتح حسابات توفير لصالح أولادهن القاصرين، ساوى الدستور اللبناني ما بين الأم والأب بالحقوق والواجبات، كما أن القانون التجاري اللبناني أعطى المصارف الحرية والإمكانية لطرح منتجات مصرفية متخصصة تتناسب مع حاجات المجتمع". وهذا دليل إضافي على وجوب اعتماد التعميم.
رغم صدور التعميم، قلّة هي المصارف التي سمحت للأمّ بفتح حساب لأبنائها. بالنسبة إلى هذه الموظفة الرافضة، الأجوبة جاهزة، لا تختلف عن صوت التسجيل، أوّل مجيب على اتّصالاتك. أحد المصارف عزا الأمر إلى قانون الأحوال الشخصية، الذي لا يمكن للمصرف مخالفته. ماذا عن التعميم الذي أصدرته جمعيّة المصارف؟ "تعميم... لم نحصل عليه".
منطقيّاً، يبدو هذا الجواب تهرّباً من الخوض في نقاش حول هذا الموضوع. إلّا أن المصرف، الذي نفى بداية علمه بالتعميم، عاد واعتبره مجرّد اجتهاد، مؤكداً التزامه بقانون الأحوال الشخصية، وذلك تفادياً لأيّة مخاطر محتملة. مخاطر ناتجة عن فتح الأم حساباً مصرفيّاً لأطفالها؟ برأي المصرف، قد يلجأ الزوج إلى التقدّم بشكوى ضدّه في حال وافق على فتح حساب لزوجته.
من جهتها، تقول رئيسة الاتحاد النسائي التقدّمي، وفاء عابد، لـ"العربي الجديد"، إنّ قانون الأحوال الشخصية يمنح الأب الولاية الجبرية على القاصر، لافتة إلى أنّ هذا هو المبرّر لعدم السماح للأمّ بفتح حساب لأبنائها. تضيف أنه بعد الحملة التي أطلقت، والتي ارتكزت على استشارات قانونية واقتصادية، صدر التعميم عن جمعيّة المصارف، على أن يختار كل مصرف تحرير العقد الذي يناسبه. مثلاً، هل يمكن للأم سحب المبلغ في حالات معيّنة؟ ماذا يحدث في حال وفاتها؟ ترى أنّ عدم التزام بعض المصارف قد يكون مرتبطاً بالحاجة إلى العمل على إعداد برامج جديدة. وتلفت إلى أن المرأة يمكن أن تحفظ مبلغاً من المال لدى والدتها على سبيل المثال، لتعطيه لطفلها في وقت معيّن. فما الفرق بين هذا والحساب المصرفي؟
بدوره، يشرح رئيس منظّمة "جوستيسيا" الحقوقية بول مرقص، والذي أعد الدراسة القانونية التي قدمت إلى جمعية المصارف، أن التعميم ليس ملزماً للمصارف، لافتاً إلى أنّ الأخيرة تتمتّع بسلطة تقديريّة لتحديد ما إذا كانت راغبة في تطبيق هذا النوع من الحسابات. ويشدّد على أنّ هذا التوجّه محقّ وقانوني، وإن كان غير ملزم، إذ يستند إلى القانون رقم 520/96 معدلاً، موضحاً أنّ الدراسة القانونية نجحت في إيجاد نافذة قانونيّة تتيح تجاوز الولاية الجبرية. ويؤكّد أنّه لا يمكن للأبّ رفع دعوى، لأن فتح حساب من قبل الأم قانوني.
ليست ليال الأمّ الوحيدة التي شعرت بالإهانة. هل نعدّ جميع النساء؟ المهمّ أنّ المصارف غير الملتزمة بالتعميم تؤكّد أنّها داعمة لحقوق المرأة. المشكلة في القانون، هكذا تقول. المشكلة الأساس أنّها استندت إلى القانون الذي تريد.