قبل الحرب، كثيراً ما طُرحت قضايا حقوق المرأة في سورية. لكن كلّ شيء تغيّر من بعدها. لا نتحدّث عن مجرّد تراجع، بل ما هو أكثر من ذلك، وقد باتت المرأة تتحمّل ضغوطاً اجتماعيّة مضاعفة لا يعرفها الرجل. يكفي ارتفاع نسبة زواج القاصرات والزواج الثاني، خصوصاً في الأوساط الأكثر فقراً في مخيّمات النزوح السوريّة.
مرّت أشهر قليلة على حفل زفاف آخر بنات أم خالد، والتي لم تتجاوز 15 عاماً من عمرها. تقول: "تزوّجت بناتي الثلاث العام الماضي. كان عمر الأولى 18 عاماً والثانية 16 عاماً والأخيرة 15 عاماً. لم يكن هذا ما تمنيته لهن، خصوصاً أنهنّ كنّ متفوّقات في المدرسة. لكنّ ما في اليد حيلة، بعدما عزم زوجي على تزويجهنّ بسبب الظروف". تضيف أنّها لم تكن راضية "لا بدّ أن يندمن في المستقبل كما ندمت، وقد تزوجت في الرابعة عشرة من عمري. في النهاية، لم أستطع منع الزواج. فالكلمة الأخيرة للرجال".
أم خالد ترى أنّ قرار تزويجهنّ ليس أسوأ ما يعشنه "الأسوأ أنّه لم يكن أمامهنّ من خيار. الالتحاق بالمدارس أو الجامعات صعب. مرّ عامان ونحن في هذا المنزل المتداعي الذي نزحنا إليه. في حال أرادت إحدى بناتي الخروج إلى السوق، لن تسلم من ألسنة الناس والإسلاميّين الذين يحذّرون وليّ أمرها. صحيح أنّ الحياة باتت صعبة على الجميع، لكنّها باتت لا تُطاق بالنسبة للنساء".
كذلك، تفرض الفصائل الإسلاميّة قيوداً على لباس المرأة في المناطق التي تسيطر عليها، حتّى أنّها تنظّم حملات مراقبة دوريّة للباس النساء في الأماكن العامة، وتفرض عقوبات عليهن وعلى أولياء أمورهنّ. صبيحة (45 عاماً)، وهي مدرّسة تعيش في ريف مدينة إدلب، تقول: "فرضوا على جميع المدرّسات والطالبات ثوباً طويلاً وفضفاضاً وأسود اللون"، لافتة إلى أنّ هناك لجان مراقبة تزور المدارس بشكل دوري للتأكد من الالتزام باللباس".
تضيف: "رضينا بالأمر لأنّ لا خيار أمامنا، وحتّى تبقى المدارس مفتوحة". وتذكر أنّه "في إحدى المرّات، قالت إحدى المراقبات، وهي في عمر تلميذاتي، إنّ معطفي ليس طويلاً كفاية، وإنني ممنوعة من دخول المدرسة، حتّى أنّها هدّدتني بمعاقبة ولي أمري".
اقــرأ أيضاً
تلفت صبيحة إلى أنّها تعمل في مجال التعليم منذ عشرين عاماً، ولم تختبر أسوأ من هذه المرحلة. تقول: "نعيش حالة فوضى وتجهيل ممنهج. للأسف، تدفع الفتيات فاتورة مضاعفة. يوماً بعد يوم، يتناقص عددهن في الصف لأنهن يتزوجن. نناضل من أجل بقائهنّ في المدرسة".
خلال السنوات الماضية، حرمت نساء كثيرات من الحصول على فرصة عمل لائقة. تقول جمانة الحاج خالد، التي نزحت من حلب إلى ريف إدلب: "تخرّجت من كليّة الاقتصاد بتقدير ممتاز في عام 2012، لكنّني لم أجد عملاً حتى اليوم". تشير إلى أنّ الاستقلال المادي للمرأة يعدّ مهمّاً جداً، حتّى لا تضطر إلى القبول بكل ما يفرض عليها. "المحظوظة منّا تعمل مدرّسة، إذ لا يوجد مهنة أخرى متاحة حالياً". تضيف أنّ "الأسوأ هو ما تعيشه نساء الشهداء، اللواتي لا يجدن عملاً وهنّ مضطرات إلى رعاية أطفالهنّ أو الزواج"، وتصف حالهن بـ "المأساوي".
ويُلاحظ ارتفاع نسبة الزواج الثاني، في ظلّ تشجيع الأمر من قبل رجال دين. ودعا القاضي الشرعي الأول في حكومة النظام محمد معراوي إلى اعتماد الزواج الثاني كحلّ لمشكلة ازدياد الإناث بسبب الحرب.
من جهتها، تقول المحامية طلّة فاضل إنّه بعدما وصلت المرأة السوريّة إلى مرحلة لا بأس بها لناحية التعليم والمشاركة في الحياة العامة، جاءت الحرب لتقلب الأمور رأساً على عقب. "من المؤسف أنّ رجلاً من رجالات القانون بات ينادي بتعدّد الزوجات، علماً بأنّه ينتهك أحد أبسط حقوق المرأة، وهو الحصول على شريك حياة من دون مشاركة. وما يدعو إلى السخرية أنّ رجالاً مؤيّدين للنظام والمعارضة اتّفقوا أخيراً على نقطة واحدة، وهي أن يكونوا ضدّ المرأة".
وترى فاضل أنّ مشاكل المرأة السوريّة باتت كثيرة ومعقّدة، لكنّ الطريق إلى حلّها واضح، وذلك من خلال التوعية وزيادة نسبة التعليم وتأمين متطلّبات الحياة الإنسانية الكريمة للنساء والفئات الأكثر فقراً. وتضيف أنّه "من خلال القضايا التي أتابعها، تزداد نسبة الزواج القسري الذي يطاول غير القاصرات أيضاً، وتزداد مشاكل التحرّش والاغتصاب والابتزاز الجنسي، بالإضافة إلى حالات العنف الأسري من قبل الأزواج والآباء". وتلفت إلى أنّه "رغم كل ما تعيشه السوريّات، ما زلن قويّات وقادرات على تحمّل أعباء لا يمكن للرجال تحمّلها. لديّ ثقة بقدرة المرأة على تغيير واقعها من جديد".
اقــرأ أيضاً
مرّت أشهر قليلة على حفل زفاف آخر بنات أم خالد، والتي لم تتجاوز 15 عاماً من عمرها. تقول: "تزوّجت بناتي الثلاث العام الماضي. كان عمر الأولى 18 عاماً والثانية 16 عاماً والأخيرة 15 عاماً. لم يكن هذا ما تمنيته لهن، خصوصاً أنهنّ كنّ متفوّقات في المدرسة. لكنّ ما في اليد حيلة، بعدما عزم زوجي على تزويجهنّ بسبب الظروف". تضيف أنّها لم تكن راضية "لا بدّ أن يندمن في المستقبل كما ندمت، وقد تزوجت في الرابعة عشرة من عمري. في النهاية، لم أستطع منع الزواج. فالكلمة الأخيرة للرجال".
أم خالد ترى أنّ قرار تزويجهنّ ليس أسوأ ما يعشنه "الأسوأ أنّه لم يكن أمامهنّ من خيار. الالتحاق بالمدارس أو الجامعات صعب. مرّ عامان ونحن في هذا المنزل المتداعي الذي نزحنا إليه. في حال أرادت إحدى بناتي الخروج إلى السوق، لن تسلم من ألسنة الناس والإسلاميّين الذين يحذّرون وليّ أمرها. صحيح أنّ الحياة باتت صعبة على الجميع، لكنّها باتت لا تُطاق بالنسبة للنساء".
كذلك، تفرض الفصائل الإسلاميّة قيوداً على لباس المرأة في المناطق التي تسيطر عليها، حتّى أنّها تنظّم حملات مراقبة دوريّة للباس النساء في الأماكن العامة، وتفرض عقوبات عليهن وعلى أولياء أمورهنّ. صبيحة (45 عاماً)، وهي مدرّسة تعيش في ريف مدينة إدلب، تقول: "فرضوا على جميع المدرّسات والطالبات ثوباً طويلاً وفضفاضاً وأسود اللون"، لافتة إلى أنّ هناك لجان مراقبة تزور المدارس بشكل دوري للتأكد من الالتزام باللباس".
تضيف: "رضينا بالأمر لأنّ لا خيار أمامنا، وحتّى تبقى المدارس مفتوحة". وتذكر أنّه "في إحدى المرّات، قالت إحدى المراقبات، وهي في عمر تلميذاتي، إنّ معطفي ليس طويلاً كفاية، وإنني ممنوعة من دخول المدرسة، حتّى أنّها هدّدتني بمعاقبة ولي أمري".
تلفت صبيحة إلى أنّها تعمل في مجال التعليم منذ عشرين عاماً، ولم تختبر أسوأ من هذه المرحلة. تقول: "نعيش حالة فوضى وتجهيل ممنهج. للأسف، تدفع الفتيات فاتورة مضاعفة. يوماً بعد يوم، يتناقص عددهن في الصف لأنهن يتزوجن. نناضل من أجل بقائهنّ في المدرسة".
خلال السنوات الماضية، حرمت نساء كثيرات من الحصول على فرصة عمل لائقة. تقول جمانة الحاج خالد، التي نزحت من حلب إلى ريف إدلب: "تخرّجت من كليّة الاقتصاد بتقدير ممتاز في عام 2012، لكنّني لم أجد عملاً حتى اليوم". تشير إلى أنّ الاستقلال المادي للمرأة يعدّ مهمّاً جداً، حتّى لا تضطر إلى القبول بكل ما يفرض عليها. "المحظوظة منّا تعمل مدرّسة، إذ لا يوجد مهنة أخرى متاحة حالياً". تضيف أنّ "الأسوأ هو ما تعيشه نساء الشهداء، اللواتي لا يجدن عملاً وهنّ مضطرات إلى رعاية أطفالهنّ أو الزواج"، وتصف حالهن بـ "المأساوي".
ويُلاحظ ارتفاع نسبة الزواج الثاني، في ظلّ تشجيع الأمر من قبل رجال دين. ودعا القاضي الشرعي الأول في حكومة النظام محمد معراوي إلى اعتماد الزواج الثاني كحلّ لمشكلة ازدياد الإناث بسبب الحرب.
من جهتها، تقول المحامية طلّة فاضل إنّه بعدما وصلت المرأة السوريّة إلى مرحلة لا بأس بها لناحية التعليم والمشاركة في الحياة العامة، جاءت الحرب لتقلب الأمور رأساً على عقب. "من المؤسف أنّ رجلاً من رجالات القانون بات ينادي بتعدّد الزوجات، علماً بأنّه ينتهك أحد أبسط حقوق المرأة، وهو الحصول على شريك حياة من دون مشاركة. وما يدعو إلى السخرية أنّ رجالاً مؤيّدين للنظام والمعارضة اتّفقوا أخيراً على نقطة واحدة، وهي أن يكونوا ضدّ المرأة".
وترى فاضل أنّ مشاكل المرأة السوريّة باتت كثيرة ومعقّدة، لكنّ الطريق إلى حلّها واضح، وذلك من خلال التوعية وزيادة نسبة التعليم وتأمين متطلّبات الحياة الإنسانية الكريمة للنساء والفئات الأكثر فقراً. وتضيف أنّه "من خلال القضايا التي أتابعها، تزداد نسبة الزواج القسري الذي يطاول غير القاصرات أيضاً، وتزداد مشاكل التحرّش والاغتصاب والابتزاز الجنسي، بالإضافة إلى حالات العنف الأسري من قبل الأزواج والآباء". وتلفت إلى أنّه "رغم كل ما تعيشه السوريّات، ما زلن قويّات وقادرات على تحمّل أعباء لا يمكن للرجال تحمّلها. لديّ ثقة بقدرة المرأة على تغيير واقعها من جديد".