دخلت الحرب التي تمارسها أجهزة دولة عبد الفتاح السيسي في مصر، ضد مشيخة الأزهر، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، مرحلة متقدمة من الهجوم العنيف، استُخدمت فيها جميع الأسلحة، الإعلامية والدعائية والبرلمانية.
وتلقفت أجهزة السيسي الإعلامية الجريمة البشعة التي وقعت الأحد الماضي، في كنيستي مار جرجس في مدينة طنطا والمرقسية في مدينة الإسكندرية، وراح ضحيتها 45 مسيحياً، وحولتها إلى وسيلة للهجوم على الأزهر وشيخه الطيب، وتحميله وحده مسؤولية الفشل في مواجهة التطرف والإرهاب في مصر. وهو الأمر الذي يتكرر باستمرار مع وقوع مثل تلك الحوادث الإرهابية، التي تجد فيها أجهزة السيسي فرصة لتصفية الحساب مع الطيب، الذي يعتقد السيسي أنه وقف ضده في واقعة فض الاعتصامين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، إذ أصدر بياناً دان فيه الواقعة وإراقة الدماء.
ووصل الحال بصحيفة "اليوم السابع"، التابعة بشكل مباشر إلى جهاز استخبارات السيسي، إلى الخروج بعناوين رئيسية في صدر صفحتها الأولى بعددها الصادر الجمعة الماضي. وعنونت الصحيفة "لماذا يخشى الأزهر من الحرب على الإرهاب وتجديد الخطاب الديني؟... الإمام الأكبر الخائف من مواجهة التطرف يهرب من الأزمات لساحة الدراويش... الطيب يرفض جرائم "داعش" ويأبى تكفيرهم... والإخوان والتكفيريون يستوطنون الأزهر". وهو ما يعتبر تصعيداً عنيفاً ضد الطيب خصوصاً ومشيخة الأزهر عموماً، إذ ترى أجهزة أمن السيسي أن الطيب يحتفظ داخل المشيخة بقيادات يعتبرونها محسوبة على تيار جماعة الإخوان المسلمين، ومنهم وكيل الأزهر، عباس شومان، ومستشار شيخ الأزهر، الدكتور محمد عبد السلام.
الحملة الإعلامية الدعائية الشعواء ضد الطيب تبنّتها تقريباً جميع الصحف والقنوات والمواقع الإعلامية في مصر، الأمر الذي دفع الأزهر، وعلى رأسه أحمد الطيب، إلى تطوير الوسائل الإعلامية التي تحت أيديهم، ومنها صحيفة "صوت الأزهر"، التي منحت رئاسة تحريرها إلى الكاتب أحمد الصاوي، المعروف بميله لمعارضة النظام، وتحت إشراف عباس شومان. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر داخل صحيفة "صوت الأزهر"، فضلت عدم الكشف عن أسمائها، أن الطيب عقد اجتماعاً مطولاً مع محرري الصحيفة من أجل شرح السياسة التحريرية العامة التي ستتبعها. وتناول العدد الأخير من "صوت الأزهر" الجريمتين الإرهابيتين اللتين وقعتا في الكنيستين في طنطا والإسكندرية. وجاء المانشيت الأساسي للصحيفة بعنوان: "آلام... في الأشهر الحرم". ونقلت الصحيفة تصريحاً على لسان الطيب، قال فيه، إن "تفجير الكنائس مخطط إجرامي ملعون لضرب مصر".
كما قدمت الصحيفة تقريراً يوضح "ماذا تقول المناهج الأزهرية عن المسيحيين؟"، وما يشبه "كشف حساب" عما فعلته المشيخة لمكافحة التطرف أخيراً. وكتب رئيس تحرير "صوت الأزهر"، أحمد الصاوي مقالًا بعنوان "الأزهر فوبيا". وهو ما فسره مراقبون بأنها محاولة من جانب الأزهر للدفاع عن نفسه في مواجهة الحملة الدعائية التي تستهدفه وتنال من إمامه. وقالوا، لـ"العربي الجديد"، إن المعركة الدائرة الآن بين الأزهر من جهة وأجهزة السيسي من جهة أخرى جوهرها خلاف شخصي بين الطيب والسيسي، فكلاهما لا يقبل بالتنازل أمام الآخر. أما ظاهرها فهو إلقاء الاتهامات من رجال السيسي في الإعلام ضد شيخ الأزهر، وتحميله مسؤولية الفشل في مواجهة التطرف، يقابلها دفاع من المحسوبين على الطيب.
ودلل المراقبون على ذلك بأن الدولة التي من المفترض أنها "مدنية" وعلى رأسها السيسي لا تقوم أصلاً بدورها بما يتعلق بـ"تجديد الخطاب الديني"، إذ إنها، حتى الآن، لا تقبل بتعيين مسيحي في منصب مثل وزير الدفاع أو الداخلية أو حتى محافظ. كما أن رأس الدولة يرفض، حتى الآن، أن يذهب إلى احتفالات الكنيسة بعيد الفصح، بحجة أن "قيامة المسيح" مخالفة للعقيدة الإسلامية. فكيف لهم في ظل ذلك أن يطالبوا الأزهر باتخاذ موقف مضاد لذلك، وهو مؤسسة دينية عقائدية في الأساس؟