04 أكتوبر 2024
مصر... العودة إلى 2005
لم تختلف التغطيات الإخبارية في مصر كثيراً عن تغطيات العامين 2005 و2006 عند الحديث عن التظاهرات الفئوية، أو تظاهرات الموظفين لرفض قانون الخدمة المدنية الجديد، مثلاً، وكأن آلة الزمن عادت عشر سنوات إلى الوراء. إنها العودة إلى المربع الصفر مرة أخرى، وكأن ثورةً لم تقم.
التغطيات الإخبارية نفسها التي كانت منذ عشر سنوات، والحديث عن مظاهرات محدودة للموظفين، فقط عشرات المواطنين الخونة المتآمرين، يتحدث عنهم الإعلام الرسمي أو الإعلام الخاص الموالي للسلطة، ثم تجد عشرات المقالات والتحليلات عن القلة المندسّة أو الموظفين الإخوان المسلمين المتآمرين الذين يرغبون في وقف عجلة الإنتاج، أو الأجندات الخارجية التي يحملها موظفو الضرائب العقارية، ورافضو قانون الخدمة المدنية المثير للجدل، زعزعة الاستقرار وإثارة البلبلة والتآمر.
سبحان الله. إنها الاتهامات نفسها التي تطلقها السلطة وأبواقها على أي مطالب بالإصلاح أو التغيير أو تعديل قانون ظالم أو مطالبة بالحقوق. دائماً الخارج هو المتآمر، وليس هناك عوار في التشريع أو عوار في التطبيق، ولا ظلم ولا تمييز. وسبحان الله أيضاً، إنها الاتهامات التي أطلقها "الإخوان" في 2011 ضد المظاهرات الفئوية، وقتما كانوا متحالفين مع المجلس العسكري الحاكم، ثم أطلقوها في 2012 و2013 عندما تولوا السلطة. بالدستور العجلة تدور، ويا لسخرية القدر. إنها الدنيا الدوارة، فعندما تكون في السلطة تكون المظاهرات الفئوية مؤامرة، والعكس صحيح.
ولكن، بعيدا عمن هو في السلطة، ومن يطلق نظريات المؤامرة، حتى على التحركات الفئوية المحدودة، لا ينبغي أن نغفل المزاج المحافظ لشعوبنا، فعندنا موروثات وعبارات تراثية عديدة تبرّر العجز أو النفاق أو التخاذل أو النذالة، ففي التراث العربي عموماً، والمصري خصوصاً، تجد أن هناك عشرات الأقوال والأمثال الشعبية التي تبرر التخاذل أو العجز، فالاستقرار فضيلة وستر، والتغيير عورة وخطيئة، ومن خاف سلِم، أدينا عايشين، وامشي جنب الحيط ومشّي حالك، غدّيني النهارده، ومش مهم بكره.
إنها النظرة قصيرة المدى، والخوف من التغيير والفترات الانتقالية. إنه النظر تحت القدمين
ورفض التعب والتضحية من أجل حياة أفضل مستقبلا. عندما تتابع أخبار المظاهرات "التي بدون تصريح"، والموالية للسلطة، والتي خرجت تندد بمظاهرات الموظفين والعمال ومطالبهم، تتعجب.
إنهم الفقراء والغلابة أنفسهم الذين يسهل أن تحشدهم الأجهزة الأمنية بأقل تكلفة وأقل إمكانات. إنهم الفقراء أنفسهم الذين تم استخدامهم وحشدهم في 25 مايو/ أيار 2005، لمهاجمة مظاهرات حركة كفاية التي كانت تطالب بالإصلاح والتغيير، إنهم الفقراء والغلابة أنفسهم الذين تحرشوا بالصحفيات والناشطات في 2005. إنهم البائعون المتجولون أنفسهم في منطقة العتبة الذين خرجوا بالأسلحة البيضاء والعصي، تحت إشراف الشرطة وحمايتها، من أجل فض مسيرة مناهضة لحسني مبارك، يوم الانتخابات الرئاسية في 2005. إنهم الفقراء والغلابة أنفسهم الذين تم حشدهم بسهولة، يوم موقعة الجمل في فبراير/شباط 2011، وحاولوا دخول ميدان التحرير، بعد خطاب مبارك العاطفي، قبل أن يدخل البلطجية بالجمال، ليقتلوا المعتصمين.
إنه المزاج المحافظ الذي يفضّل الثبات، حتى لو أدى إلى الموت، الركود والتيبّس عن المخاطرة والتغيير، إنه (حزب الكنبة) الذي قاوم التغيير وساند النظام، ولو بالصمت، إنهم الفقراء والمهمَّشون أنفسهم الذين قالوا (إيه اللي وداهم هناك)، والذين ألقوا اللوم على الضحية أسهل من إدانة الجلاد، يرون أن العيب في الثورة ضد الظلم والفساد، وليس الظلم والفساد. إنهم الفقراء والمهمشون أنفسهم الذين تعاطفوا مع مبارك بعد خطابه العاطفي، ثم رقصوا فرحا بعد تنحّيه عن السلطة، ثم ساندوا المجلس العسكري ضد الثورة، ثم صوّتوا بنعم للإعلان الدستوري الأول، ثم انتخبوا "الإخوان بتوع ربنا"، ثم صوتوا بنعم لدستور "الإخوان"، ثم خرجوا ضدهم، ثم صوّتوا بنعم لدستور 2014. إنهم الكتلة التي دائما في صف السلطة، أيّا كان من بيده السلطة، بحجة الاستقرار وعدم المخاطرة، أو الكتلة التي ترغب في الحفاظ على مصالحها، أو الوضع القائم، حتى لو كارثياً.
إنهم من يعانون من الظلم والفساد والجهل والفشل الإداري. ولكن، يتم حشدهم لمواجهة من يرغبون في مواجهة الظلم والفساد والفشل الإداري، خوفاً من المخاطرة والمجهول. فهل نستطيع لومهم، إذا كنا نحن من فشلنا في إقناعهم بعدالة قضيتنا، وبأهمية الديمقراطية والحكم الرشيد؟
التغطيات الإخبارية نفسها التي كانت منذ عشر سنوات، والحديث عن مظاهرات محدودة للموظفين، فقط عشرات المواطنين الخونة المتآمرين، يتحدث عنهم الإعلام الرسمي أو الإعلام الخاص الموالي للسلطة، ثم تجد عشرات المقالات والتحليلات عن القلة المندسّة أو الموظفين الإخوان المسلمين المتآمرين الذين يرغبون في وقف عجلة الإنتاج، أو الأجندات الخارجية التي يحملها موظفو الضرائب العقارية، ورافضو قانون الخدمة المدنية المثير للجدل، زعزعة الاستقرار وإثارة البلبلة والتآمر.
سبحان الله. إنها الاتهامات نفسها التي تطلقها السلطة وأبواقها على أي مطالب بالإصلاح أو التغيير أو تعديل قانون ظالم أو مطالبة بالحقوق. دائماً الخارج هو المتآمر، وليس هناك عوار في التشريع أو عوار في التطبيق، ولا ظلم ولا تمييز. وسبحان الله أيضاً، إنها الاتهامات التي أطلقها "الإخوان" في 2011 ضد المظاهرات الفئوية، وقتما كانوا متحالفين مع المجلس العسكري الحاكم، ثم أطلقوها في 2012 و2013 عندما تولوا السلطة. بالدستور العجلة تدور، ويا لسخرية القدر. إنها الدنيا الدوارة، فعندما تكون في السلطة تكون المظاهرات الفئوية مؤامرة، والعكس صحيح.
ولكن، بعيدا عمن هو في السلطة، ومن يطلق نظريات المؤامرة، حتى على التحركات الفئوية المحدودة، لا ينبغي أن نغفل المزاج المحافظ لشعوبنا، فعندنا موروثات وعبارات تراثية عديدة تبرّر العجز أو النفاق أو التخاذل أو النذالة، ففي التراث العربي عموماً، والمصري خصوصاً، تجد أن هناك عشرات الأقوال والأمثال الشعبية التي تبرر التخاذل أو العجز، فالاستقرار فضيلة وستر، والتغيير عورة وخطيئة، ومن خاف سلِم، أدينا عايشين، وامشي جنب الحيط ومشّي حالك، غدّيني النهارده، ومش مهم بكره.
إنها النظرة قصيرة المدى، والخوف من التغيير والفترات الانتقالية. إنه النظر تحت القدمين
إنهم الفقراء والغلابة أنفسهم الذين يسهل أن تحشدهم الأجهزة الأمنية بأقل تكلفة وأقل إمكانات. إنهم الفقراء أنفسهم الذين تم استخدامهم وحشدهم في 25 مايو/ أيار 2005، لمهاجمة مظاهرات حركة كفاية التي كانت تطالب بالإصلاح والتغيير، إنهم الفقراء والغلابة أنفسهم الذين تحرشوا بالصحفيات والناشطات في 2005. إنهم البائعون المتجولون أنفسهم في منطقة العتبة الذين خرجوا بالأسلحة البيضاء والعصي، تحت إشراف الشرطة وحمايتها، من أجل فض مسيرة مناهضة لحسني مبارك، يوم الانتخابات الرئاسية في 2005. إنهم الفقراء والغلابة أنفسهم الذين تم حشدهم بسهولة، يوم موقعة الجمل في فبراير/شباط 2011، وحاولوا دخول ميدان التحرير، بعد خطاب مبارك العاطفي، قبل أن يدخل البلطجية بالجمال، ليقتلوا المعتصمين.
إنه المزاج المحافظ الذي يفضّل الثبات، حتى لو أدى إلى الموت، الركود والتيبّس عن المخاطرة والتغيير، إنه (حزب الكنبة) الذي قاوم التغيير وساند النظام، ولو بالصمت، إنهم الفقراء والمهمَّشون أنفسهم الذين قالوا (إيه اللي وداهم هناك)، والذين ألقوا اللوم على الضحية أسهل من إدانة الجلاد، يرون أن العيب في الثورة ضد الظلم والفساد، وليس الظلم والفساد. إنهم الفقراء والمهمشون أنفسهم الذين تعاطفوا مع مبارك بعد خطابه العاطفي، ثم رقصوا فرحا بعد تنحّيه عن السلطة، ثم ساندوا المجلس العسكري ضد الثورة، ثم صوّتوا بنعم للإعلان الدستوري الأول، ثم انتخبوا "الإخوان بتوع ربنا"، ثم صوتوا بنعم لدستور "الإخوان"، ثم خرجوا ضدهم، ثم صوّتوا بنعم لدستور 2014. إنهم الكتلة التي دائما في صف السلطة، أيّا كان من بيده السلطة، بحجة الاستقرار وعدم المخاطرة، أو الكتلة التي ترغب في الحفاظ على مصالحها، أو الوضع القائم، حتى لو كارثياً.
إنهم من يعانون من الظلم والفساد والجهل والفشل الإداري. ولكن، يتم حشدهم لمواجهة من يرغبون في مواجهة الظلم والفساد والفشل الإداري، خوفاً من المخاطرة والمجهول. فهل نستطيع لومهم، إذا كنا نحن من فشلنا في إقناعهم بعدالة قضيتنا، وبأهمية الديمقراطية والحكم الرشيد؟