رغم فقدان بصره، إلا أن بصيرته قادته إلى أن يصبح أول مذيع يعمل في المحطات الفلسطينية. تحدى الإعاقة، ونجح في تحقيق جزء من أحلامه، فيما أحلام أخرى لا تزال تنتظر. مصطفى الجواهري، شاب فلسطيني، خاض غمار العمل الإعلامي، وتحدى العتمة بالكلمة والصوت، إلى أن أسس العديد من الجمعيات لتعريف المجتمع العربي بقضايا المكفوفين.
تحدي الإعاقة
يحمل شعار "الإعاقة لا تلغي الطاقة". إذ تحدى إعاقته وحصل على العديد من شهادات التقدير، كما فاز جوائز إعلامية عديدة، وسافر إلى ألمانيا، للمشاركة في دورات إعلامية مكثفة. يقول الجواهري لـ"العربي الجديد": منذ طفولتي، اعتدت على كسر جميع القيود، وتحدّيت العراقيل التي وضعت في طريقي، وشاركت في فرق الموسيقى والغناء في المدرسة، كما التحقت بجميع الأنشطة الطلابية، وكنت أول كفيف يشارك في مثل تلك النشاطات.
بعد الانتفاضة الأولى في عام 1989، وهدم الاحتلال منزل العائلة في مدينة نابلس، انتقل الجواهري إلى جنين، وأكمل دراسته الثانوية، حيث كان الكفيف الوحيد الذي تعلم في مدارس حكومية آنذاك. يقول "كنت تلميذا مجتهدا، أثابر على التعلم والمشاركة مع الأصدقاء في جميع النشاطات، حيث خضت العديد من الأنشطة الرياضية الصعبة، فقد كنت حارس مرمى لفريق كرة القدم، ونلت تشجيع زملائي وأساتذتي".
بسبب الوضع المادي، ترك الجواهري الدراسة ثلاث سنوات، ثم عاد وأكمل الثانوية العامة في الأردن، ثم التحق بمدرسة "عبدون"، وهي مخصصة للطلاب المكفوفين، ثم عاد إلى الضفة مجدداً، وخاض امتحان الثانوية العامة، والتحق بجامعة النجاح الوطنية لدراسة الإعلام، إلا أن الجامعة رفضت طلبه، فدرس الموسيقى. يقول: "كنت أول طالب كفيف يدرس الموسيقى في فلسطين، حيث كنت أطبع الكتب والنوتات الموسيقية على نظام "برايل" الخاص بالمكفوفين. وخلال دراستي، التحقت بعدة دورات في الإعلام، لأن الإعلام هدفي الرئيسي، إلى أن حصلت على درجة البكالوريوس في علوم الموسيقى، وتعلمت العزف على آلات عديدة. ويضيف: "أسست، خلال دراستي في جامعة النجاح الوطنية، فرقة موسيقية للمكفوفين، استمرت عاماً واحداً فقط، وشاركنا في عدة حفلات في مدينة نابلس، نالت شهرة واسعة".
عمل الجواهري في الإذاعات المحلية، حتى يستطيع إكمال دراسته. ووفق الجواهري، فإن جميع البرامج التي تم بثها من إعداده وتقديمه، فيقول: "قمت بإعداد أول برنامج إذاعي وتقديمه، بعنوان "شموع مضيئة"، حيث لاقى حينها البرنامج نجاحاً كبيراً". ويتابع: "كنت أقوم بنفسي بمتابعة أعمال المونتاج الخاصة بالحلقات، وأجري مقابلات ميدانية، إلى أن أصبحت مرجعاً لعدد كبير من ذوي الإعاقة".
تقدير وجوائز
قدم الجواهري العديد من البرامج، أبرزها "بصمة أمل"، "عالعافية"، "حكاية مثل". وحصل على عدة شهادات تقدير وجوائز محلية، منها "الإعلامي صديق الحكم المحلي"، وجميع برامجه تمحورت حول قضايا المكفوفين. ويرفض الجواهري مصطلح "ذوي الاحتياجات الخاصة"، ويحاول دائماً إبراز قضيتهم واهتماماتهم، في كافة الأعمال التي يقوم بها.
أسس مصطفى الجواهري، بالتعاون مع عدد من المكفوفين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ثمانية وأربعين، منتدى "معاً لنرسم البسمة"، جمع من خلاله المكفوفين داخل الوطن والخارج، والذي عرف فيما بعد بـ"منتدى الكفيف الفلسطيني". ثم شارك في مهرجان في قطر عام 2010، وتلقى حينها دعماً لتأسيس جمعية "ملتقى البصيرة للمكفوفين" يترأسها حالياً وتضم 80 عضواً.
يؤكد الجواهري أن تحديه الصعاب جعله إنسانا منتجا في المجتمع، يعتمد على نفسه في كل شيء، فأنا أتابع عملي في الإذاعة والمؤسسة التي أترأسها، أدرب المكفوفين، أتنقل بين مدن الضفة لمتابعة عملي، أذهب لتسجيل البرامج الإذاعية في نابلس والخليل وبيت لحم وطولكرم وجميع المحافظات الفلسطينية.
من جهة أخرى، يلفت الجواهري إلى أن النجاحات التي حققها، لم تكن لتتحقق لولا وجود محطات أساسية غيرت مسار حياته، فيقول: "العمل في مجال الإعلام، وإبراز قضية المكفوفين، وفوزي بجائزة الحكم المحلي، وزواجي، وولادة ابني عمرو، محطات أساسية غيرت الكثير في مسيرتي الحياتية وساهمت في إنجاحها". ورغم هذه النجاحات، إلا أن أحلامه وطموحاته ما زالت كبيرة، فهو يحلم بتقديم برنامج تلفزيوني.
إقرأ أيضا: جامعيون يبحثون عن أعمال مؤقتة لتسديد مصاريفهم