معركة دير الزور: "داعش" يسعى للحسم وخيارات النظام محدودة

18 يناير 2016
هجوم "داعش" هو الأعنف بدير الزور (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن متوقعاً اهتزاز المعادلات العسكرية في سورية بشكل دراماتيكي يؤدي إلى خلط أوراق اللعبة، وخلق واقع عسكري مختلف، ولكن ما حصل في دير الزور، في أقصى شرق سورية، على مدى يومين، أعطى الصراع الذي تدور رحاه على الجغرافيا السورية أبعاداً أكثر تعقيداً.


هناك، شنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هجوماً واسعاً على مناطق سيطرة قوات النظام، غربي المدينة، محكماً السيطرة على مواقع لها أهمية عسكرية، في إطار محاولاته التي لم تنقطع، للسيطرة على كامل محافظة دير الزور، إحدى كبريات المحافظات السورية، والغنية بالبترول، وتتميز باتصالها الجغرافي مع العراق، تحديداً محافظة الأنبار.

وتباينت الأنباء الواردة من دير الزور، في ظلّ تعتيم إعلامي يفرضه طرفا الصراع هناك، ولكن وكالة "أعماق" الإخبارية التابعة لـ"داعش"، ذكرت أن "قوات الدولة الإسلامية وسعت من سيطرتها في دير الزور وأحكمت قبضتها على مساحات مهمة غرب وشمال غربي المدينة، على حساب قوات النظام السوري التي قُتل نحو 110 من عناصرها، وأُسر 5 عناصر آخرين على الأقلّ"، وفق الوكالة.

وتضيف الوكالة أن "التنظيم سيطر على كل من: قرية البغيلية، وجمعية الرواد، وتلة الإذاعة، وجامعة الجزيرة، وتلة المحروقات ومستودعات الصاعقة"، مشيرة إلى "تقدم مقاتلي التنظيم في أجزاء من حي الموظفين، وفي نقاط من جبل الثردة تطل على المطار، ومعسكر الطلائع، وحي الجورة".

وأكد "داعش" أن ثمانية من عناصره اقتحموا فندق الفرات، أحد مقارّ قوات النظام في دير الزور، وقتلوا العشرات من عناصرها، كما استولوا خلال المعارك على أربعة مدافع، اثنين منها من عيار 57 وآخرين من عيار 23 إضافة لكميات كبيرة من الذخائر".

من جهتها، اتهمت وكالة "سانا" الإخبارية التابعة للنظام، "داعش" بـ"قتل نحو 300 مدني، أغلبيتهم من الشيوخ والنساء والأطفال". فيما لم تؤكد مصادر مستقلّة هذه الأنباء، بل اتهم ناشطون الطيران الروسي بقصف القرية بـ "وحشية"، إثر سيطرة "داعش" عليها، ما تسبّب بتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، وقضت عائلات كاملة تحت ركام منازلها.

اقرأ أيضاً: حصار التجويع يتنقل بين المناطق السورية

منذ نهاية عام 2014 أصبح "داعش" شريك النظام، في مدينة دير الزور إثر سيطرته على مجمل ريفها ومدنه كالبوكمال والميادين، بعد أن هزم قوات المعارضة السورية وشتت شملها في حملة بدأت منتصف عام 2014، إثر فرض سيطرته الكاملة على محافظة الرقة، الواقعة غربي دير الزور.

وتخضع أحياء عدة داخل المدينة لسيطرة قوات النظام، منها: الجورة، والقصور، وهرابش، وتضمّ نحو 150 ألف مدني. كما لا تزال هذه القوات تفرض السيطرة على مطار دير الزور ومناطق في محيطه، فيما يسيطر "داعش" على أحياء الصناعة، والحميدية، والحويقة، والعمال، ولا يزال يقطن فيها نحو 15 ألف مدني.

ويرى الخبير العسكري راني جابر، أن "التنظيم حاول استغلال تركيز الطيران الروسي وقوات النظام على مدينة حلب وريفها، فشنّ هذا الهجوم الواسع". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "دير الزور هدف مؤجل بالنسبة لقوات النظام، كما أن نقل القوات إلى هناك لإمداد قواته مهمة شبه مستحيلة، في ظل سيطرة التنظيم على مجمل المناطق البرية المحيطة بها".

ويلفت جابر إلى أن "داعش لم يخرج من حساباته مسألة السيطرة على كامل دير الزور"، معرباً عن اعتقاده بأنه "قادر على ذلك في حال مواصلته الهجوم بهذا الزخم العسكري". ويبيّن بأن "التنظيم سيخسر عدداً كبيراً من مقاتليه في حال محاولته السيطرة على مطار دير الزور العسكري، كون القوات المتمركزة فيه مجهّزة بالسلاح والذخيرة الكافية للدفاع عنه".

كما أن "المعركة ستكون مصيرية لهذه القوات، ما يعني أنها سوف تستشرس بالدفاع"، موضحاً بأنه "من الصعب توقّع الخطوات المقبلة للتنظيم، ومن المحتمل أن يتوقف عند الحدّ، مكتفياً بما سيطر عليه من مواقع". ويؤكد جابر أن "السيطرة على قرية البغيلية كان لا بد منها بالنسبة لداعش، لكونها معبراً للسيطرة على الطوق العسكري للنظام حول جهات عدة من دير الزور، والمتمثل بمعسكر الطلائع، والمطار، واللواء 137، وفندق الفرات".

من جهته، يلفت الناشط الإعلامي القسورة الديري، إلى أن "هجوم داعش الأخير هو الأعنف منذ بدء الصراع بينه وبين النظام في دير الزور، كونه جاء على جبهات عدة في وقت واحد". ويوضح أن "التنظيم استطاع بعد سيطرته على قرية البغيلية، نقل قواته لتكون على تماس مع معسكر الطلائع، الذي يُعدّ المركز الرئيسي لقوات النظام".

ويذكر الناشط الإعلامي في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الممكن أن يستغني داعش عن الرقة والحسكة (شمال شرق سورية)، ولكنه لا يمكن أن يستغني عن دير الزور نظراً لغناها بالبترول، ولأنها تُشكّل امتداداً جغرافياً لمناطقه في العراق". ويتوقّع استمرار المعارك، إذ سيعمل "داعش" على إخراج قوات النظام من المحافظة، مشيراً إلى أن "النظام ربما يُخلي مراكزه في دير الزور تحت ضغط داعش العسكري".

ويعيش آلاف المدنيين في دير الزور مأساة إنسانية، نتيجة الحصار المطبق الذي يفرضه النظام و"داعش" عليهم منذ نحو عام، إذ أعلنت الأمم المتحدة، يوم السبت، أن "لديها تقارير لم تتحقق من صحتها، تُفيد أن ما بين 15 و20 شخصاً توفوا بسبب الجوع في المدينة العام الماضي، حيث يعيش 200 ألف شخص في أوضاع متردية للغاية، ونقص حاد للطعام".

وكانت الحكومة السورية المؤقتة، قد ذكرت من مقرّها في مدينة غازي عينتاب، جنوب تركيا، أن "المحاصرين في دير الزور يعانون ظروفاً يندى لها جبين الإنسانية، إذ لا تتوفر الكهرباء منذ أكثر من تسعة أشهر، وتنعدم الخدمات الطبية التي ينوء بحمل عبئها مستشفى واحد بإمكانيات متواضعة".

وتشير الحكومة المؤقتة، في بيان، إلى أن "الأفران توقفت عن تقديم مادة الخبز، ما عدا واحداً منها، لا يكفي لتزويد المحاصرين بالحد الأدنى الكافي للاستمرار في الحياة، بعدما أوقف النظام تزويد هذه الأفران بالوقود"، وفق البيان.

وتكشف أن "عشرات المحاصرين من أطفال وشيوخ ونساء قضوا نحبهم نتيجة الحصار"، مؤكدة أن النظام الذي وصفته بـ"العصابة المجرمة"، يفرض على من يريد الخروج مبالغ طائلة تصل إلى مليون ليرة لمن يريد الخروج جواً، ونصف مليون ليرة لمن يرغب بالخروج براً.

وتُطالب فعاليات وهيئات من المجتمع المدني السوري، الأمم المتحدة بـ"تحمّل مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية تجاه المحاصرين، إثر لقائها المنسق الإنساني الإقليمي للأمم المتحدة كيفن كندي في غازي عينتاب، محذرة في بيان من "كارثة إنسانية سيتحمّل الجميع عواقبها".

اقرأ أيضاً: مسيرة سورية في واشنطن تضامناً مع المدن المحاصرة