على خلفية جائحة كورونا التي كثرت تداعياتها على أكثر من صعيد في كلّ أنحاء العالم، اشتعلت من جديد الأزمة بين معلّمي الأردن وحكومة البلاد بعدما كانت قد حُلّت إثر تحركات مطلبية
أشعلت الاقتطاعات المالية من رواتب المعلمين فتيل الأزمة من جديد بين حكومة الأردن ونقابتهم. فمنذ انتصار نقابة المعلمين الأردنيين في مواجهتها مع الحكومة والحصول على مطالبها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بقيت العلاقة متوترة بين الجانبَين فيما التفاصيل شائكة والسكون هدوء يسبق العاصفة. ولا يمكن النظر اليوم إلى العلاقة بين الطرفَين بمعزل عن الجوّ العام، فكثيرون من الأردنيين ذوي الدخل المتوسط والمحدود يجدون في النقابة متحدثاً باسمهم ومعبّراً عن همومهم من دون تفويض، إذ إنّ صمود النقابة في وجه الضغوط خلال إضرابها أضحى نموذجاً أعاد ثقة مواطنين كثيرين في قدرتهم على إحداث تغيير في توجّهات الحكومة وقراراتها.
واليوم، يعود المعلمون في الأردن إلى الواجهة من خلال تمسّك نقابتهم بعلاوة مالية أُقرّت بداية العام الجاري، وإعلانها خطة لاستعادة العلاوة بمفعول رجعي بعد إعلان الحكومة تجميدها بسبب جائحة كورونا. وقد حدّدت النقابة خطوات مستقبلية، من بينها وقفات احتجاجية واعتصامات وإضراب عن الطعام بالإضافة إلى إضراب تدريجي عن العمل وصولاً إلى إضراب مفتوح في الوقت المناسب، رداً على القرار الحكومي بوقف العمل بالزيادة المالية المقرّرة لموظفي الجهازَين الحكومي والعسكري لعام 2020، ابتداءً من مايو/ أيار الماضي وحتى نهاية العام الجاري لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.
ولعلّ البارز في عودة المواجهة والتصعيد كان في تصريح نائب نقيب المعلمين، ناصر النواصرة، خلال اجتماع مع رؤساء فروع النقابة في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري قال فيه: "لو ارتدت علينا الكرة الأرضية فلن نتنازل عن فلس واحد من علاوتنا"، في مقابل توعّد وزير الداخلية سلامة حماد عبر شاشة قناة "المملكة" باتّخاذ إجراءات قانونية في حقّ نائب النقيب في حال تكرار تصريحاته التي عدّها حماد "مرفوضة".
اقــرأ أيضاً
رداً على ما أتى به وزير الداخلية، رفضت النقابة في بيان لها ما سمته "سياسة التهديد والتهميش والإقصاء التي تمارسها الحكومة في حقّ فئة عريضة من أبناء الشعب الأردني"، مضيفة أنّ "ما يصدر عن بعض الوزراء من تصريحات غير مسؤولة يدفع في اتجاه التأزيم ويهددّ النسيج الوطني". وتابعت أنّ "المتمعّن في ما ورد على لسان وزير الداخلية في حكومة عمر الرزاز، يجد اتهاماً واضحاً لنائب نقيب المعلمين الأردنيين بتعدّيه على القانون وشيطنة واضحة للمعلّمين عامة وإساءة لحراكهم المهني المطلبي العمّالي". واتّهمت النقابة في بيانها الحكومة بأنّها "هي التي خالفت الأنظمة الصادرة عنها ولم تلتزم بالاتفاقيات التي وقّعتها، وبناء عليه تحقّ المطالبة باسترجاع العلاوة وتوجيه النقد للحكومة لمخالفتها النظام والدفاع عن حقوق منتسبي النقابة بكلّ الخيارات والوسائل المتاحة في الحراك السلمي والمهني". وطالبتها بـ"ألا تشيطن مطالب المعلّمين، وتصوّرها على أنّها نقد للدولة، وأنّ عليها أن تقبل نقد المواطنين لها أو اعتراضهم على قراراتها وسياساتها التي تتغول على حقوقهم".
إحباط وغبن
ووسط كلّ ذلك، رفع عدد من أعضاء نقابة المعلمين الأردنيين دعوى ضدّ مجلس النقابة تطالب بحله بسبب التبرّع لصندوق "همّة وطن" الذي استحدثته الحكومة لمواجهة أزمة كورونا، بمبلغ نصف مليون دينار أردني (نحو 700 ألف دولار أميركي). وفي هذا الإطار، قال المتحدث الإعلامي باسم النقابة، نور الدين نديم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نقابة المعلمين اتّخذت كلّ الإجراءات القانونية من أجل إنهاء القضية المرفوعة على مجلسها أمام محكمة بداية عرب عمّان من قبل بعض أعضاء الهيئة المركزية بخصوص التبرّع لصندوق همّة وطن، وذلك بعد مشاورة المستشار القانوني للنقابة الذي طالب بعقد اجتماع للهيئة المركزية بهدف إيجاد مخرج قانوني لقرار التبرع. وقد فاز اقتراح المجلس بالتبرّع بالمبلغ المذكور، ما أدّى إلى تهدئة الميدان وعودة الأمور إلى وضعها الطبيعي وإيجاد مخرج قانوني للقضية إلا في حال كانت ثمّة نيّة لحلّ المجلس من قبل الحكومة. وقد طلبت النقابة من المحكمة رفع صفة الاستعجال عن القضية، لكنّها رفضت ذلك وطلب القاضي تقديم بيّنات النقابة". يضيف نديم أنّ "القضية في المحاكم ولا يمكن التعليق بشكل أكبر على حيثياتها، لكنّ التساؤل المطروح هو: هل من المعقول أن يمثل المجلس بتهمة التبرّع للوطن؟"، لافتاً إلى أنّ "الدعوى ليست من أجل إرجاع المبلغ المتبرّع به، فلائحة الدعوة تتضمّن طلباً واحداً وهو حلّ مجلس النقابة". ويسأل: "لماذا أخذت القضية صفة الاستعجال ولماذا لم تسقط القضية بعد إقرار الهيئة المركزية التبرّع؟".
من جهته، يقول الكاتب الأردني المتخصص بالشؤون النقابية محمد سويدان لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة التزاماً بين الحكومة والنقابة حول الزيادات والتي جاءت بعد إضراب وتوقّف طويل للدراسة في بداية العام الدراسي الجاري، انتهت بتوقيع اتفاقية رسمية تلتزم من خلالها الحكومة بزيادة رواتب المعلمين. لكن بعد أزمة كورونا وآثارها الاقتصادية والمالية، قرّرت الحكومة وقف الزيادات لجميع الموظفين". يضيف سويدان أنّ "هذا القرار أشعر المعلمين بالإحباط والغبن، فالاتفاقية الموقعة بين الجانبَين عُلّقت، ولم تشرح الحكومة للنقابة القرار بشكل مباشر، ولم يقم حوار بين الطرفَين حول تفاصيل ذلك القرار"، مشيراً إلى أنّه "بعد هذه الحيثيات اتّخذت النقابة لهجة تصعيدية".
ويشير سويدان إلى أنّ "تصريحات رئيس الوزراء عمر الرزاز التي قال فيها إنّ الزيادات لن تعود قبل بداية العام المقبل، لن تعجب المعلمين وترضىي طموحاتهم"، رابطاً "خفض التصعيد بجلوس الجميع إلى طاولة واحدة، وفي هذه الحالة يمكن التوصّل إلى توافقات في حال قدّمت الحكومة التزاماً حقيقياً بإعادة كلّ الاقتطاعات". ويرى سويدان أنّه "على الرغم من ارتفاع حدّة النقاش والتصعيد بين الطرفَين في الفترة الحالية، فإنّ أيّاً من الطرفَين ليس معنياً بالتصعيد بشكل كبير"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة أطرافاً في داخل مجلس النقابة تطالب بالتصعيد بسبب نكث الحكومة في كثير من الأحيان بوعودها. لكنّ أحداً لن يصعّد إلى المجهول".
ويتوقّع سويدان "قيام حوار مباشر بين النقابة والحكومة في الفترة المقبلة"، مشيراً إلى أنّه "ليس في استطاعة الحكومة أن تلغي هذه الزيادة مهما تذرّعت بالظروف الصعبة، فالمعلمون في حاجة إليها. الحديث عن الوضع الصعب أمر صحيح، لكنّ الوضع صعب على الجميع والحكومة هي الأكثر قدرة على تجاوز الضغوطات المالية من دون حرمان الموظفين والمعلمين من حقوقهم". ويوضح سويدان أنّ "النقابة لن تذهب بالتصعيد إلى ما لا نهاية حتى لا تخسر أيّا من المواطنين المتعاطفين معها، وفي الوقت ذاته تعلم الحكومة أنّها بعدم التزامها بتعهداتها ستخسر كثيراً من احترام الناس، وسيساهم هذا الأمر في فقدان المواطنين ثقتهم بمختلف مؤسسات الدولة".
فقدان الثقة
في السياق، يقول النائب في البرلمان الأردني أحمد الرقب لـ"العربي الجديد" إنّ "العلاقة بين الحكومة ومختلف النقابات لا بدّ من أن تكون إيجابية في الأساس، فالجهات الرسمية تتحدّث عن ضرورة تفعيل العمل النقابي والعمل الحزبي والتركيز على العمل والتعاون المشترك". يضيف أنّ "نقابة المعلمين هي نقابة منتخبة جاءت عبر صناديق الاقتراع، وهي معنية بالبحث عن مصالح أعضائها وبذل أقصى الجهود لتحقيقها، فمطالبتها باحتياجات المعلمين أمر طبيعي بل هي عون للحكومة تقدّمه النقابة لتوضح احتياجات فئة معينة". يضيف الرقب أنّه "في حال حدوث ظروف استثنائية مثل أزمة كورونا، فلتجلس الحكومة إلى طاولة نقاش إيجابي وتوضح للنقابات الوضع والخطوات المستقبلية بشكل شفاف وتشرح حيثيات أيّ قرار تتخذه. فالنقاش الإيجابي سيجسر الهوّة بين الحكومة والنقابة، ويحلّ الإشكالات بطريقة سهلة خصوصاً أنّ نقابة المعلمين قامت بمبادرة إيجابية وتبرّعت في بداية الأزمة بنصف مليون دينار لصندوق همّة وطن". ويتابع الرقب: "هذه حكومة معيّنة مطلوب منها أن تخدم المواطن، وهذه نقابة منتخبة مطلوب منها أن تحسّن بقدر الإمكان حال أعضائها".
ويؤكد الرقب أنّ "اتخاذ قرار من دون توضيحه ومن دون الجلوس مع النقابة قد يؤدّي إلى مشكلات. إذا وقعت مشكلة ما، فالحكومة هي الملجأ لجميع المواطنين، ولا بدّ من أن يتّسع صدرها لأبنائها وبناتها حتى لو لم توافقهم في رأيهم. وعليها ألا تلجأ إلى سياسة الانتقاء والإقصاء، فالأساس هو أن تناقش القضايا بكامل تفاصيلها من دون التركيز على جزئيّةٍ، مع عدم اتخاذ أيّ قرارات من دون مناقشتها مع الأطراف المعنية". ويرى الرقب أنّ "العمل النقابي وكذلك الحزبي يكشفان للحكومة الواقع الفعلي. بالتالي، لم يكن ثمّة داعٍ لهذه الأزمة مع المعلمين الذين لهم حضور خاص في المجتمع".
ويقول المتحدث باسم نقابة المعلمين الأردنيين نور الدين نديم إنّ "النقابة واضحة. نحن نقدّر الوضع لكن ثمّة مشكلة مع الحكومة، فنحن لا نستطيع الوثوق بها، إذ إنّها تنكث وعودها وتستغل أيّ ظرف، وفي حال تغيّرت موازين القوى تتخلى عن تعهداتها. والحلول الحكومية هي دائماً من جيب المواطن الضعيف للأسف". يضيف نديم أنّ "القرارات الحكومية تفتقر إلى الشفافية والمصارحة. لقد تمّ اقتطاع مبالغ من رواتب الموظفين، والحكومة لا توضح إلى أين تذهب هذه الأموال في حين أنّ المديونية ما زالت ترتفع. وهذه الحكومة والحكومات السابقة تطالب المواطنين بشدّ الأحزمة من أجل التعافي المالي، لكنّنا نكتشف في كلّ مرة أنّ المديونية في تزايد". ويتابع نديم أنّ "حديث الحكومة عن عدم عودة الاقتطاعات قبل بداية العام المقبل هو تحدّ صارخ للمواطنين الذين لديهم التزامات من قبيل تكاليف إيجار البيوت أو أقساطها بالإضافة إلى القروض المصرفية. فكيف يتمكّن المقترض من العيش بالمبلغ المتبقي من راتبه بعد الاقتطاع وسداد المستحقات المتوجّبة عليه؟". ويشدد على أنّه "مرفوض أن تبقى الوطنية للفقراء والوطن للأغنياء. نحن نقبل العمل بالسخرة في حال توفير الحكومة كلّ الاحتياجات كالسكن والتعليم والصحة والطعام للمعلمين". ويكمل نديم: "نحن نقدّر أوضاع البلد والظروف التي يمرّ بها والأخطار الخارجية التي تواجهه والظرف الاقتصادي وأزمة كورونا"، مؤكداً أنّ
"النقابة تبحث دائماً عن حلول إبداعية للاحتجاج ولن تعدم وسيلة".
بالنسبة إلى نديم، فإنّه "من الممكن التوجّه إلى إضراب عام عن الطعام، مع استمرار الدوام والالتزام مع التلاميذ. نحن نموت بإرادتنا من الجوع ولا نموت من الجوع بشكل بطيء بعيداً عن الذلّ في طلب المستحقات". ويرى أنّ "الاقتطاع من الرواتب لا يخصّ المعلمين وحدهم بل جميع موظفي الدولة، ومن المقترحات التصعيدية مقاطعة الانتخابات خصوصاً. واللجنة النيابية هي أوّل من اقترح وقف الزيادات على الرواتب، فيما لم تطالب اللجنة ذاتها بخفض حقيقي على رواتب النواب".
تجدر الإشارة إلى أنّ الشارع الأردني اليوم منهك بسبب فيروس كورونا الجديد ولم تعد الحال كما كانت عليه في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، والجميع يراقب ما تقوم به الحكومة لمعالجة آثار الأزمة على مئات آلاف الأسر التي فقدت مصادر رزقها والقطاعات التي أصيبت بالشلل. والأضرار طاولت الجميع والمعلمون جزء من كلّ. وتسعى النقابة ومجلسها الذي حظي بتقدير وتعاطف شعبيَّين واسعَين، خلال الفترة الماضية، إلى السير في إطار توازنات محسوبة تراعي الجو العام المتعلق بتداعيات أزمة كورونا وقانون الدفاع والأوضاع المالية والمزاج العام الشعبي والحكومي، فهي لا تريد أن تتحدّى الدولة أو تخرج على القانون وفي الوقت ذاته لا تريد الاستكانة والاستسلام للحكومة.
والأزمة بين المعلمين والحكومة تستمر منذ الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي، عقب استخدام قوات الأمن القوة لفضّ وقفة احتجاجية نظمها معلمون في العاصمة عمّان، للمطالبة بعلاوة مالية. بعدها قرّر المعلمون الدخول في إضراب مفتوح عن العمل استمرّ لشهر كامل وهو الأطول في تاريخ المملكة. وتوصّل المعلمون والحكومة إلى اتفاق أنهى هذا الإضراب بعد تحقيق مطالبهم، قبل أن تعود الحكومة وتوقف العلاوة لفترة بهدف مواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.
واليوم، يعود المعلمون في الأردن إلى الواجهة من خلال تمسّك نقابتهم بعلاوة مالية أُقرّت بداية العام الجاري، وإعلانها خطة لاستعادة العلاوة بمفعول رجعي بعد إعلان الحكومة تجميدها بسبب جائحة كورونا. وقد حدّدت النقابة خطوات مستقبلية، من بينها وقفات احتجاجية واعتصامات وإضراب عن الطعام بالإضافة إلى إضراب تدريجي عن العمل وصولاً إلى إضراب مفتوح في الوقت المناسب، رداً على القرار الحكومي بوقف العمل بالزيادة المالية المقرّرة لموظفي الجهازَين الحكومي والعسكري لعام 2020، ابتداءً من مايو/ أيار الماضي وحتى نهاية العام الجاري لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.
ولعلّ البارز في عودة المواجهة والتصعيد كان في تصريح نائب نقيب المعلمين، ناصر النواصرة، خلال اجتماع مع رؤساء فروع النقابة في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري قال فيه: "لو ارتدت علينا الكرة الأرضية فلن نتنازل عن فلس واحد من علاوتنا"، في مقابل توعّد وزير الداخلية سلامة حماد عبر شاشة قناة "المملكة" باتّخاذ إجراءات قانونية في حقّ نائب النقيب في حال تكرار تصريحاته التي عدّها حماد "مرفوضة".
رداً على ما أتى به وزير الداخلية، رفضت النقابة في بيان لها ما سمته "سياسة التهديد والتهميش والإقصاء التي تمارسها الحكومة في حقّ فئة عريضة من أبناء الشعب الأردني"، مضيفة أنّ "ما يصدر عن بعض الوزراء من تصريحات غير مسؤولة يدفع في اتجاه التأزيم ويهددّ النسيج الوطني". وتابعت أنّ "المتمعّن في ما ورد على لسان وزير الداخلية في حكومة عمر الرزاز، يجد اتهاماً واضحاً لنائب نقيب المعلمين الأردنيين بتعدّيه على القانون وشيطنة واضحة للمعلّمين عامة وإساءة لحراكهم المهني المطلبي العمّالي". واتّهمت النقابة في بيانها الحكومة بأنّها "هي التي خالفت الأنظمة الصادرة عنها ولم تلتزم بالاتفاقيات التي وقّعتها، وبناء عليه تحقّ المطالبة باسترجاع العلاوة وتوجيه النقد للحكومة لمخالفتها النظام والدفاع عن حقوق منتسبي النقابة بكلّ الخيارات والوسائل المتاحة في الحراك السلمي والمهني". وطالبتها بـ"ألا تشيطن مطالب المعلّمين، وتصوّرها على أنّها نقد للدولة، وأنّ عليها أن تقبل نقد المواطنين لها أو اعتراضهم على قراراتها وسياساتها التي تتغول على حقوقهم".
إحباط وغبن
ووسط كلّ ذلك، رفع عدد من أعضاء نقابة المعلمين الأردنيين دعوى ضدّ مجلس النقابة تطالب بحله بسبب التبرّع لصندوق "همّة وطن" الذي استحدثته الحكومة لمواجهة أزمة كورونا، بمبلغ نصف مليون دينار أردني (نحو 700 ألف دولار أميركي). وفي هذا الإطار، قال المتحدث الإعلامي باسم النقابة، نور الدين نديم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نقابة المعلمين اتّخذت كلّ الإجراءات القانونية من أجل إنهاء القضية المرفوعة على مجلسها أمام محكمة بداية عرب عمّان من قبل بعض أعضاء الهيئة المركزية بخصوص التبرّع لصندوق همّة وطن، وذلك بعد مشاورة المستشار القانوني للنقابة الذي طالب بعقد اجتماع للهيئة المركزية بهدف إيجاد مخرج قانوني لقرار التبرع. وقد فاز اقتراح المجلس بالتبرّع بالمبلغ المذكور، ما أدّى إلى تهدئة الميدان وعودة الأمور إلى وضعها الطبيعي وإيجاد مخرج قانوني للقضية إلا في حال كانت ثمّة نيّة لحلّ المجلس من قبل الحكومة. وقد طلبت النقابة من المحكمة رفع صفة الاستعجال عن القضية، لكنّها رفضت ذلك وطلب القاضي تقديم بيّنات النقابة". يضيف نديم أنّ "القضية في المحاكم ولا يمكن التعليق بشكل أكبر على حيثياتها، لكنّ التساؤل المطروح هو: هل من المعقول أن يمثل المجلس بتهمة التبرّع للوطن؟"، لافتاً إلى أنّ "الدعوى ليست من أجل إرجاع المبلغ المتبرّع به، فلائحة الدعوة تتضمّن طلباً واحداً وهو حلّ مجلس النقابة". ويسأل: "لماذا أخذت القضية صفة الاستعجال ولماذا لم تسقط القضية بعد إقرار الهيئة المركزية التبرّع؟".
من جهته، يقول الكاتب الأردني المتخصص بالشؤون النقابية محمد سويدان لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة التزاماً بين الحكومة والنقابة حول الزيادات والتي جاءت بعد إضراب وتوقّف طويل للدراسة في بداية العام الدراسي الجاري، انتهت بتوقيع اتفاقية رسمية تلتزم من خلالها الحكومة بزيادة رواتب المعلمين. لكن بعد أزمة كورونا وآثارها الاقتصادية والمالية، قرّرت الحكومة وقف الزيادات لجميع الموظفين". يضيف سويدان أنّ "هذا القرار أشعر المعلمين بالإحباط والغبن، فالاتفاقية الموقعة بين الجانبَين عُلّقت، ولم تشرح الحكومة للنقابة القرار بشكل مباشر، ولم يقم حوار بين الطرفَين حول تفاصيل ذلك القرار"، مشيراً إلى أنّه "بعد هذه الحيثيات اتّخذت النقابة لهجة تصعيدية".
ويشير سويدان إلى أنّ "تصريحات رئيس الوزراء عمر الرزاز التي قال فيها إنّ الزيادات لن تعود قبل بداية العام المقبل، لن تعجب المعلمين وترضىي طموحاتهم"، رابطاً "خفض التصعيد بجلوس الجميع إلى طاولة واحدة، وفي هذه الحالة يمكن التوصّل إلى توافقات في حال قدّمت الحكومة التزاماً حقيقياً بإعادة كلّ الاقتطاعات". ويرى سويدان أنّه "على الرغم من ارتفاع حدّة النقاش والتصعيد بين الطرفَين في الفترة الحالية، فإنّ أيّاً من الطرفَين ليس معنياً بالتصعيد بشكل كبير"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة أطرافاً في داخل مجلس النقابة تطالب بالتصعيد بسبب نكث الحكومة في كثير من الأحيان بوعودها. لكنّ أحداً لن يصعّد إلى المجهول".
ويتوقّع سويدان "قيام حوار مباشر بين النقابة والحكومة في الفترة المقبلة"، مشيراً إلى أنّه "ليس في استطاعة الحكومة أن تلغي هذه الزيادة مهما تذرّعت بالظروف الصعبة، فالمعلمون في حاجة إليها. الحديث عن الوضع الصعب أمر صحيح، لكنّ الوضع صعب على الجميع والحكومة هي الأكثر قدرة على تجاوز الضغوطات المالية من دون حرمان الموظفين والمعلمين من حقوقهم". ويوضح سويدان أنّ "النقابة لن تذهب بالتصعيد إلى ما لا نهاية حتى لا تخسر أيّا من المواطنين المتعاطفين معها، وفي الوقت ذاته تعلم الحكومة أنّها بعدم التزامها بتعهداتها ستخسر كثيراً من احترام الناس، وسيساهم هذا الأمر في فقدان المواطنين ثقتهم بمختلف مؤسسات الدولة".
فقدان الثقة
في السياق، يقول النائب في البرلمان الأردني أحمد الرقب لـ"العربي الجديد" إنّ "العلاقة بين الحكومة ومختلف النقابات لا بدّ من أن تكون إيجابية في الأساس، فالجهات الرسمية تتحدّث عن ضرورة تفعيل العمل النقابي والعمل الحزبي والتركيز على العمل والتعاون المشترك". يضيف أنّ "نقابة المعلمين هي نقابة منتخبة جاءت عبر صناديق الاقتراع، وهي معنية بالبحث عن مصالح أعضائها وبذل أقصى الجهود لتحقيقها، فمطالبتها باحتياجات المعلمين أمر طبيعي بل هي عون للحكومة تقدّمه النقابة لتوضح احتياجات فئة معينة". يضيف الرقب أنّه "في حال حدوث ظروف استثنائية مثل أزمة كورونا، فلتجلس الحكومة إلى طاولة نقاش إيجابي وتوضح للنقابات الوضع والخطوات المستقبلية بشكل شفاف وتشرح حيثيات أيّ قرار تتخذه. فالنقاش الإيجابي سيجسر الهوّة بين الحكومة والنقابة، ويحلّ الإشكالات بطريقة سهلة خصوصاً أنّ نقابة المعلمين قامت بمبادرة إيجابية وتبرّعت في بداية الأزمة بنصف مليون دينار لصندوق همّة وطن". ويتابع الرقب: "هذه حكومة معيّنة مطلوب منها أن تخدم المواطن، وهذه نقابة منتخبة مطلوب منها أن تحسّن بقدر الإمكان حال أعضائها".
ويؤكد الرقب أنّ "اتخاذ قرار من دون توضيحه ومن دون الجلوس مع النقابة قد يؤدّي إلى مشكلات. إذا وقعت مشكلة ما، فالحكومة هي الملجأ لجميع المواطنين، ولا بدّ من أن يتّسع صدرها لأبنائها وبناتها حتى لو لم توافقهم في رأيهم. وعليها ألا تلجأ إلى سياسة الانتقاء والإقصاء، فالأساس هو أن تناقش القضايا بكامل تفاصيلها من دون التركيز على جزئيّةٍ، مع عدم اتخاذ أيّ قرارات من دون مناقشتها مع الأطراف المعنية". ويرى الرقب أنّ "العمل النقابي وكذلك الحزبي يكشفان للحكومة الواقع الفعلي. بالتالي، لم يكن ثمّة داعٍ لهذه الأزمة مع المعلمين الذين لهم حضور خاص في المجتمع".
ويقول المتحدث باسم نقابة المعلمين الأردنيين نور الدين نديم إنّ "النقابة واضحة. نحن نقدّر الوضع لكن ثمّة مشكلة مع الحكومة، فنحن لا نستطيع الوثوق بها، إذ إنّها تنكث وعودها وتستغل أيّ ظرف، وفي حال تغيّرت موازين القوى تتخلى عن تعهداتها. والحلول الحكومية هي دائماً من جيب المواطن الضعيف للأسف". يضيف نديم أنّ "القرارات الحكومية تفتقر إلى الشفافية والمصارحة. لقد تمّ اقتطاع مبالغ من رواتب الموظفين، والحكومة لا توضح إلى أين تذهب هذه الأموال في حين أنّ المديونية ما زالت ترتفع. وهذه الحكومة والحكومات السابقة تطالب المواطنين بشدّ الأحزمة من أجل التعافي المالي، لكنّنا نكتشف في كلّ مرة أنّ المديونية في تزايد". ويتابع نديم أنّ "حديث الحكومة عن عدم عودة الاقتطاعات قبل بداية العام المقبل هو تحدّ صارخ للمواطنين الذين لديهم التزامات من قبيل تكاليف إيجار البيوت أو أقساطها بالإضافة إلى القروض المصرفية. فكيف يتمكّن المقترض من العيش بالمبلغ المتبقي من راتبه بعد الاقتطاع وسداد المستحقات المتوجّبة عليه؟". ويشدد على أنّه "مرفوض أن تبقى الوطنية للفقراء والوطن للأغنياء. نحن نقبل العمل بالسخرة في حال توفير الحكومة كلّ الاحتياجات كالسكن والتعليم والصحة والطعام للمعلمين". ويكمل نديم: "نحن نقدّر أوضاع البلد والظروف التي يمرّ بها والأخطار الخارجية التي تواجهه والظرف الاقتصادي وأزمة كورونا"، مؤكداً أنّ
"النقابة تبحث دائماً عن حلول إبداعية للاحتجاج ولن تعدم وسيلة".
بالنسبة إلى نديم، فإنّه "من الممكن التوجّه إلى إضراب عام عن الطعام، مع استمرار الدوام والالتزام مع التلاميذ. نحن نموت بإرادتنا من الجوع ولا نموت من الجوع بشكل بطيء بعيداً عن الذلّ في طلب المستحقات". ويرى أنّ "الاقتطاع من الرواتب لا يخصّ المعلمين وحدهم بل جميع موظفي الدولة، ومن المقترحات التصعيدية مقاطعة الانتخابات خصوصاً. واللجنة النيابية هي أوّل من اقترح وقف الزيادات على الرواتب، فيما لم تطالب اللجنة ذاتها بخفض حقيقي على رواتب النواب".
تجدر الإشارة إلى أنّ الشارع الأردني اليوم منهك بسبب فيروس كورونا الجديد ولم تعد الحال كما كانت عليه في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، والجميع يراقب ما تقوم به الحكومة لمعالجة آثار الأزمة على مئات آلاف الأسر التي فقدت مصادر رزقها والقطاعات التي أصيبت بالشلل. والأضرار طاولت الجميع والمعلمون جزء من كلّ. وتسعى النقابة ومجلسها الذي حظي بتقدير وتعاطف شعبيَّين واسعَين، خلال الفترة الماضية، إلى السير في إطار توازنات محسوبة تراعي الجو العام المتعلق بتداعيات أزمة كورونا وقانون الدفاع والأوضاع المالية والمزاج العام الشعبي والحكومي، فهي لا تريد أن تتحدّى الدولة أو تخرج على القانون وفي الوقت ذاته لا تريد الاستكانة والاستسلام للحكومة.
والأزمة بين المعلمين والحكومة تستمر منذ الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي، عقب استخدام قوات الأمن القوة لفضّ وقفة احتجاجية نظمها معلمون في العاصمة عمّان، للمطالبة بعلاوة مالية. بعدها قرّر المعلمون الدخول في إضراب مفتوح عن العمل استمرّ لشهر كامل وهو الأطول في تاريخ المملكة. وتوصّل المعلمون والحكومة إلى اتفاق أنهى هذا الإضراب بعد تحقيق مطالبهم، قبل أن تعود الحكومة وتوقف العلاوة لفترة بهدف مواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.