29 سبتمبر 2017
مع السفارات الأميركية
لم أرغب يوماً في الذهاب إلى الولايات المتحدة الأميركية، لا للعيش ولا للزيارة، ولكنني رغبت في زيارة لوس أنجليس ونيويورك فقط، لا لشيء سوى رغبتي في ارتياد حانات وعلب الليل الرخيصة للوس أنجليس التي كانت مسرحاً لعبث هنري تشارلز بوكوفسكي، وصفعاته التي وجهها إلى وجه عالم السحق والتزييف، ومحق إنسانية الإنسان المعاصر الذي بلغ ذروته في العصر الأميركي، والتي كتب فيها بوكوفسكي أشعاره المجنونة وقصصه الغرائبية. كنت قد اكتشفت كتابات الكاتب الأميركي الألماني في منتصف السبعينيات، قبل ترجمته إلى العربية، وقد أحببته قاصاً ربما أكثر منه شاعراً، ووددت أن ألتقيه يوماً لأحدثه عن معانيه التي تتشابه مع ما نعيشه بتأثيرات الحضارة الأميركية في بلادنا، عبر الدم والقتل المتدفق من شعوبنا، أطفالاً ونساءً ورجالاً.
كنت أيضاً أحب أن ألتقي ببول أوستر، في مدينته الأثيرة نيويورك الذي قرأت له "ثلاثية نيويورك"، قبل ترجمتها عربياً بعشرين سنة، وسحرني عالمه النيو- سوريالي .كنت ربما أرغب في زيارة حي هارلم، غيتو الأفارقة الأميركيين، حيث عاشوا العنصرية البيضاء المدمرة للروح تحت غطاء كراهية اللون.
وربما كنت راغباً في لقاء إدوارد سعيد في عالمه الأميركي، وكنت، بكل أسى، أريد أن أزور قبر صديق الطفولة والمراهقة ابن مخيم عين الحلوة، مروان حميد، الذي عاش في نيويورك ومات ودفن هناك قبل عشرين عاماً.
هذه رغباتي في زيارة الولايات المتحدة، وهي رغبات شخصية ليست مقبولةً في الدوائر الأميركية، للحصول على تأشيرة دخول، وقد يُرمى بها في زبالة البارانويا التي تميز دوائر القرار الأميركية، لمنح تأشيرات الدخول. تلقيت في العام 1988دعوة للمشاركة في مؤتمر تنظمه قناة "سي إن إن" حول قضايا إعلامية، وكانت القناة قد بثت لي أربعة تقارير مصوّرة، قدمتها باسم تلفزيون في منظمة التحرير الفلسطينية، قبل ولادة التلفزيون الفلسطيني بسنوات، وقدمت طلباً للحصول على "فيزا"، ووعدني القنصل في السفارة الأميركية في تونس أن يبلغني بالرد، بعد استشارة وزارة الخارجية الأميركية، لكنني لم أسمع منهم شيئاً. وفي 2005 تقدمت بطلب للحصول على "فيزا" دخول للسفر إلى نيويورك، لتصوير مقابلة مع زوجة الراحل إدوارد سعيد وابنته، لفيلمي "ظل الغياب"، ووعدني القنصل بأنه سيتصل بي، لإبلاغي برد الخارجية الأميركية ولم يرد. وفي 2008، وكنت قد تلقيت دعوة للمشاركة من مهرجان هيوستن للفيلم الفلسطيني للمشاركة، فقدمت طلباً جديداً في السفارة الأميركية في تونس، وتكرّر الكلام نفسه. وفي 2010، تلقيت دعوة أخرى من مهرجاني هيوستن وبوسطن للفيلم الفلسطيني، وقدمت طلباً للحصول على "فيزا" لدى السفارة الأميركية في بيروت، وتكرّر الأمر نفسه بانتظار موافقة الخارجية الأميركية.
بعد ست سنوات على آخر طلب، تتصل السفارة الأميركية في بيروت بمنزل شقيقتي، وأتلقى رسالة عبر بريدي الإلكتروني، تعلمني السفارة برغبتها في إجراء مقابلة، تتعلق بطلبي في العام 2010، وكنت في فيينا. وبعد عودتي الى بيروت كتبت لهم، فحدّدوا لي موعداً في 11 أغسطس/ آب، فذهبت. نودي عليّ، فتوجهت إلى الشباك، لأجد موظفة ذكّرتني، قبل أن تنطق بكلمةٍ، بقاضية أميركية بيضاء في فيلم عن الإجراءات العنصرية ضد الأميركيين السود. حين تأكدت من اسمي، قرأتْ عليّ القرار بأن الولايات المتحدة الأميركية لا تجدك مؤهلاً للحصول على "فيزا" دخول، فقلت لها: أبعد كل هذه السنوات، طلبتم مني المجيء لإبلاغي بهذا القرار؟ فقالت نعم! فقلت لها كم أنا فخور. وغادرتُ السفارة، وأنا أشعر فعلاً بسعادةٍ، آسفاً فقط على الأربعمائة دولار أميركية التي دفعتها رسوماً في المرات الأربع، والتي لا بد أنها ذهبت ثمناً لرصاص سيقتل الأطفال في سورية والعراق وفلسطين، وربما أطفالاً سوداً في الشوارع الأميركية.
وربما كنت راغباً في لقاء إدوارد سعيد في عالمه الأميركي، وكنت، بكل أسى، أريد أن أزور قبر صديق الطفولة والمراهقة ابن مخيم عين الحلوة، مروان حميد، الذي عاش في نيويورك ومات ودفن هناك قبل عشرين عاماً.
هذه رغباتي في زيارة الولايات المتحدة، وهي رغبات شخصية ليست مقبولةً في الدوائر الأميركية، للحصول على تأشيرة دخول، وقد يُرمى بها في زبالة البارانويا التي تميز دوائر القرار الأميركية، لمنح تأشيرات الدخول. تلقيت في العام 1988دعوة للمشاركة في مؤتمر تنظمه قناة "سي إن إن" حول قضايا إعلامية، وكانت القناة قد بثت لي أربعة تقارير مصوّرة، قدمتها باسم تلفزيون في منظمة التحرير الفلسطينية، قبل ولادة التلفزيون الفلسطيني بسنوات، وقدمت طلباً للحصول على "فيزا"، ووعدني القنصل في السفارة الأميركية في تونس أن يبلغني بالرد، بعد استشارة وزارة الخارجية الأميركية، لكنني لم أسمع منهم شيئاً. وفي 2005 تقدمت بطلب للحصول على "فيزا" دخول للسفر إلى نيويورك، لتصوير مقابلة مع زوجة الراحل إدوارد سعيد وابنته، لفيلمي "ظل الغياب"، ووعدني القنصل بأنه سيتصل بي، لإبلاغي برد الخارجية الأميركية ولم يرد. وفي 2008، وكنت قد تلقيت دعوة للمشاركة من مهرجان هيوستن للفيلم الفلسطيني للمشاركة، فقدمت طلباً جديداً في السفارة الأميركية في تونس، وتكرّر الكلام نفسه. وفي 2010، تلقيت دعوة أخرى من مهرجاني هيوستن وبوسطن للفيلم الفلسطيني، وقدمت طلباً للحصول على "فيزا" لدى السفارة الأميركية في بيروت، وتكرّر الأمر نفسه بانتظار موافقة الخارجية الأميركية.
بعد ست سنوات على آخر طلب، تتصل السفارة الأميركية في بيروت بمنزل شقيقتي، وأتلقى رسالة عبر بريدي الإلكتروني، تعلمني السفارة برغبتها في إجراء مقابلة، تتعلق بطلبي في العام 2010، وكنت في فيينا. وبعد عودتي الى بيروت كتبت لهم، فحدّدوا لي موعداً في 11 أغسطس/ آب، فذهبت. نودي عليّ، فتوجهت إلى الشباك، لأجد موظفة ذكّرتني، قبل أن تنطق بكلمةٍ، بقاضية أميركية بيضاء في فيلم عن الإجراءات العنصرية ضد الأميركيين السود. حين تأكدت من اسمي، قرأتْ عليّ القرار بأن الولايات المتحدة الأميركية لا تجدك مؤهلاً للحصول على "فيزا" دخول، فقلت لها: أبعد كل هذه السنوات، طلبتم مني المجيء لإبلاغي بهذا القرار؟ فقالت نعم! فقلت لها كم أنا فخور. وغادرتُ السفارة، وأنا أشعر فعلاً بسعادةٍ، آسفاً فقط على الأربعمائة دولار أميركية التي دفعتها رسوماً في المرات الأربع، والتي لا بد أنها ذهبت ثمناً لرصاص سيقتل الأطفال في سورية والعراق وفلسطين، وربما أطفالاً سوداً في الشوارع الأميركية.